IMLebanon

حقول النفط الجنوبية مهدّدة… ووفد التفاوض يفتقد السلاح القانوني

كتبت صحيفة نداء الوطن:

دائماً يتأخّر لبنان الرسمي عن القيام بواجباته في صون حقوقه وتوفير الإطار القانوني الداخلي والخارجي لها، وهذا الأمر ينطبق على الحدود البحرية الجنوبية، بحيث تبيّن أنّ الوفد العسكري اللبناني الى المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل برعاية الأمم المتّحدة وبوساطة أميركية مسهلة، ينقصه المرسوم الذي يحمي قوّة منطقه في الخطّ البحري الذي وضعه سقفاً للتفاوض، مستنداً الى قانون البحار ولحالات مشابهة في مناطق مختلفة من العالم.

عادة، يتمّ تعديل الحدود البحرية الجنوبية للبنان عن طريق مرسوم يقرّ في مجلس الوزراء يتمّ ايداعه لدی أمين عام الامم المتحدة، وذلك عملاً بالمادة 17 من قانون تحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية الصادر بتاريخ 18 آب 2011 رقم 163، التي نصّت علی وجوب تعيين حدود المناطق البحرية المختلفة بمراسيم تتّخذ في مجلس الوزراء بناء علی اقتراح الوزراء المختصين. امّا وقد استقالت الحكومة اللبنانية، ونظراً الی الوقت الطويل الذي غالباً ما تستغرقه عملية تأليف الحكومات في النظام اللبناني، أصبح من الضروري اللجوء الی وسائل اخری لتعديل الحدود البحرية الجنوبية للبنان.

وفي هذا الاطار، يقول مصدر معني لـ”نداء الوطن” إنّ “الدولة اللبنانية لم تعد تمتلك ترف الوقت والمماطلة للأسباب التالية:

اولاً: بدء اسرائيل بإجراءات تلزيم البلوك 72 المتاخم للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، ممّا يحتّم علی لبنان التحرّك بغية إفشال دورة التراخيص الإسرائيلية. فمن شأن بداية اعمال التنقيب والاستكشاف في هذه الرقعة، تعريض ثروة لبنان النفطية والغازية للخطر، نظراً لاحتمال وضع إسرائيل اليد علی المكامن المشتركة أو تجفيف المكامن اللبنانية الصرفة عن طريق التنقيب الافقي. إذا قام لبنان بتعديل حدوده البحرية الجنوبية بحسب الطريقة المقترحة، يصبح 95 في المئة من البلوك 72 واقعاً ضمن المياه اللبنانية، مما سيؤدي حتماً الی ثني الشركات النفطية عن التقدّم بعروض لتطوير هذه الرقعة.

ثانياً: احتمال اعادة تحريك الوساطة الأميركية في الأسابيع المقبلة مع استلام الإدارة الاميركية الجديدة، وبالتالي يجب تسليم هذه الإدارة ملفّاً يحتوي على خط حدودي بحري يمكن الدفاع عنه من الناحية التقنية والقانونية، على عكس الخط المعيّن بموجب المرسوم 6433/2011 الواجب تعديله، وهذا ما يقوّي موقف لبنان ويحصّنه قبل استكمال التفاوض غير المباشر مع العدوّ الإسرائيلي. فالخط الحدودي اللبناني الحالي يفتقد لاي أساس تقني أو قانوني، ويستحيل الدفاع عنه في أي عملية تفاوضية. لذلك، يجب على لبنان ان يتبنى، قبل انطلاق المفاوضات مجدّداً، خطّاً محصّناً من الناحية التقنية ومبنياً علی الحدّ الاقصی الذي تسمح به احكام القانون الدولي، مما يؤمّن موقعاً متقدّماً ومريحاً للبنان في الوساطة، ويرفع من حظوظ التوصّل الی حل يضمن كامل حقوقه.

ثالثاً: انطلاق اعمال الإستخراج من حقل كاريش المتاخم للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في نهاية العام الحالي. ومن شأن تعديل الحدود اللبنانية البحرية الجنوبية تحويل حقل كاريش، حقلاً متنازعاً عليه ممّا يتيح للبنان طلب تجميد الأعمال فيه الی حين حلّ النزاع الحدودي. الا أن القانون الدولي قد استثنى من هذه القاعدة الحقول والآبار التي تمّ بدء الاستخراج منها نظراً للعواقب المادية الهائلة لخطوة كهذه وأثرها علی البيئة البحرية (غانا ساحل العاج، المحكمة الدولية لقانون البحار، 2015 ). لذا، علی لبنان التحرّك قبل بدء اعمال الاستخراج بغية التمكّن من ايقافها والضغط بذلك علی العدوّ الإسرائيلي الذي سيضطر حينئذ لتليين موقفه من مسألة ترسيم حدوده مع لبنان”.

تكرار لتجربة انفجار المرفأ

ويضيف المصدر انه “بعيداً من الاعتبارات القانونية والتقنية والاستراتيجية، فانّ تجربة انفجار مرفأ بيروت الأخيرة والأليمة تحتّم الكفّ عن المماطلة في إدارة ملفات الدولة. ففي الأشهر الماضية، تمّ توجيه كتب ومراسلات عديدة لجهات رسمية عدة، أكّدت حقّ لبنان بمساحات بحرية أوسع بكثير من تلك التي يطالب بها حالياً من دون أن يؤدي ذلك الی تعديل الموقف اللبناني الرسمي”.

وأوضح المصدر أنه “بتاريخ 27 شباط 2019 بدأت إسرائيل عملية الحفر في حقل كاريش القريب من الحدود البحرية الجنوبية، وعلى الاثر ورد كتاب من قيادة الجيش عبر وزارة الدفاع الوطني الى جانب مقام مجلس الوزراء لإطلاع السلطات السياسية على الموضوع، ولأخذ الاجراءات اللازمة ليصار الى وقف كل الانشطة البترولية في هذا الحقل، مع التأكيد على أنّه يمكن للبنان تعيين حدوده البحرية الجنوبية بالاستناد الى القوانين والأعراف الدولية بشكل يعطيه مساحات اضافية جنوب الخط المعلن بموجب المرسوم 6433/2011، بحيث يصبح جزء من حقل كاريش ضمن المياه اللبنانية ممّا يعطي الحكومة اللبنانية هامشاً اوسع في التفاوض بشأن هذه الحدود”.

واشار “الى انه بتاريخي 18 و19 تموز 2019 نظّم مركز الحوار الانساني (HD ) ندوة حول الحدود البحرية، حاضر فيها نجيب مسيحي، الخبير في موضوع الحدود البحرية والذي شارك في حلّ قضايا عدّة رفعت امام محكمة العدل الدولية تتعلّق بهذا الشأن، حيث أكد أيضاً أحقية لبنان بمساحات إضافية جنوباً، وعلى وجوب تعديل هذه الحدود لحصول لبنان على كامل حقوقه في منطقته الاقتصادية الخالصة، كما أكّد على ما جاء في بحث العقيد الركن البحري مازن بصبوص الذي نظّمه في العام 2013 وتمّت احالته الى وزارة الاشغال العامة والنقل من قبل وزير الطاقة والمياه في حينه لإبداء الرأي”.

ولفت المصدر الى أنّ “قيادة الجيش أعدّت كتاباً بتاريخ 7 تشرين الثاني 2019 مقترحة توجيهه الى السلطات السياسية لإطلاعهم على ما اقترحه الخبير مسيحي من خيارات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية وعلى الاجراءات اللازمة، خاصة لناحية تشكيل لجنة تضم ممثلين عن الجهات المعنية وخبراء للتحضير للمفاوضات المستقبلية في موضوع ترسيم الحدود البحرية اللبنانية ووضع استراتيجية واضحة مبنية على نقاط القوة التي يتمتع بها لبنان”.

وتابع انه “وبموجب الكتاب تاريخ 27 كانون الاول 2019 الصادر عن وزير الدفاع الوطني الياس بو صعب والذي تم التأكيد عليه بموجب الكتاب تاريخ 9 آذار 2020 الصادر عن وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر، اكدت قيادة الجيش مجدّداً موضوع أحقية لبنان بمساحات مائية إضافية جنوباً، وعلى وجوب تعديل المرسوم 6433/2011 المتعلّق بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للحصول على تلك المساحة الاضافية التي تصل الى حدود 1430كلم مربّع، وقد أرفق بهذا الكتاب ملفّ كامل مع قرص مدمّج يتعلّق بهذا الشأن والذي تضمن كافة الخيارات المتاحة امام الحكومة اللبنانية في موضوع ترسيم حدودها البحرية، خصوصاً بعد اجراء المسح الهيدروغرافي من قبل مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش والحصول على معطيات وبيانات أكثر دقة تسمح بتعديل المرسوم المذكور أعلاه بالاستناد الى المادة الثالثة منه. وقد ارسل هذا الملف مع القرص المدمج الى مقام مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب بشأنه.

مراسلات ولا معالجة

ولفت المصدر الى انه “تبين بأن كل الكتب والمراسلات المذكورة أعلاه لم تتم معالجتها من قبل السلطات الرسمية المعنية وخاصة مجلس الوزراء، حيث لم يتم عرض هذه الكتب على أي جلسة ليصار الى مناقشتها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، بل كانت هذه الكتب تحال من وزارة الى أخرى من دون نتيجة حتى تسنّى للعدو الاسرائيلي المباشرة في التنقيب عن النفط والغاز في حقل كاريش من دون أي اعتراض من الجانب اللبناني. وهذا أمر يرتّب مسؤولية على المعنيين لعدم اجراء اللازم”.

ورأى المصدر أنّ “الحل الوحيد لهذه المسألة السيادية التي تحافظ على الحقوق الوطنية وعدم إهدارها، هو إصدار مرسوم لتعديل إحداثيات نقاط الخط الحدودي البحري مع اسرائيل المُعلن بموجب المرسوم السابق 6433/2011 ، حيث يوقّع من رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، وزيرة الدفاع، ووزير الخارجية وإبلاغه الى الأمين العام للأمم المتحدة قبل 20 كانون الثاني 2021، أي قبل موعد تسلم إدارة الرئيس جو بايدن لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة الاميركية واستئناف المفاوضات مجدّداً مع اسرائيل. حيث تجدر الإشارة الى أنّ نقطة الضعف الوحيدة التي كانت تواجه الوفد المفاوض مع اسرائيل هو وجود الخط المعلن بموجب المرسوم 6433/2011 المذكور اعلاه الذي يحتّم التخلّص من تبعاته بطريقة قانونية”.

ولأن المسؤولية الوطنية كبيرة جداً في حماية الحق اللبناني في ثروته ايا كانت هذه الثروة ، فان السؤال الكبير الذي يطرح نفسه، هل تتداعى السلطات الرسمية اللبنانية المنقسمة على نفسها والمختلفة على التحاصص وتقاسم جبنة السلطة، الى الاجتماع والتوافق واتخاذ القرار الصائب باصدار المرسوم الذي طال انتظاره والذي يحفظ حقوق لبنان النفطية والغازية؟ ام انها ستستمر في ممارسة هواية الخلاف والتصارع فوق وطن يكاد يتحوّل جثّة؟ وبالتالي فإن أي ابطاء في عدم اصدار المرسوم هو بمثابة الخيانة الوطنية.