IMLebanon

مرور الزمن لم يشفع للعميل “محمود أنيسة”

كتب رضوان مرتضى في جريدة الأخبار:

أصدرت المحكمة العسكرية حكماً بالسجن المؤبد على العميل محمود بزي المشهور بـ«محمود أنيسة»، قبل أن تُخفضه بسبب عمره إلى 15 سنة. المحكمة نفسها التي أسقطت التهم عن «جلّاد الخيام» عامر الفاخوري لمرور الزمن، لم تأخذ بمرور الزمن مع العميل بزي. المبررات التي تذرّع بها رئيسها السابق العميد حسين عبد الله لتخلية الفاخوري، استخدمتها المحكمة، لكن لتُدين بزي.

لدى العميل محمود بزي المشهور بـ«محمود أنيسة» 27 ابناً وابنة من أربع زيجات. ولديه 85 حفيداً لا يعرف منهم سوى ثلاثة لكونه بقي هارباً طوال 36 سنة جراء تورطه في التعامل مع العدو الإسرائيلي قبل أن توقفه السلطات الأميركية وتُسلّمه إلى لبنان قبل خمس سنوات. «أنيسة» هذا هو أحد أكبر السجناء في سجن رومية المركزي حيث بات يبلغ اليوم ثمانين عاماً. قبل أيام، أصدرت المحكمة العسكرية حُكماً بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة قبل أن تُخفض الحكم إلى ١٥ عاماً بسبب عُمر المحكوم. لكن مرّ هذا الحُكم من دون جلبةٍ تُذكر، رغم أنّ العميل المذكور يُحاكم بجرم خطف وقتل جنود إيرلنديين عام 1979 أي قبل واحد وأربعين عاماً (وتهمة قتل الإيرلنديين هي سبب تسليمه من قبل الأميركيين).

يُعيد هذا الحكم إلى الأذهان فضيحة الإفراج عن العميل عامر الفاخوري. المحكمة نفسها في 15 آذار السنة الماضية اعتبرت أن الجرائم التي ارتكبها «جلّاد الخيام» سقطت بمرور الزمن. فما الذي اختلف بين القرار الذي اتخذه رئيس المحكمة السابق العميد حسين عبد الله ورئيس المحكمة الحالي العميد منير شحادة؟

لقد استهل وكيل العميل محمود بزي المحامي صليبا الحاج مرافعته بالقول إنّ «محمود بزي يتيم الأب، وليس كالفاخوري الذي وقفت خلفه الولايات المتحدة الأميركية». يسرد المحامي الحاج أنّ موكله ادُّعيَ عليه بتاريخ 31 تشرين الأول عام 2005 بعد توقيف جورج مخّول أحد المتهمين بقتل الجنود الإيرلنديين ليذكر أن العميل سعد حداد أرسله ليستطلع ماذا جرى، معترفاً بأن بزي نفّذ عملية الإعدام.

يُكمل الحاج أنّه جراء اعتراف مخّول، ادُّعي على محمود بزي وصبحي بزي بالقتل الذي ارتُكب في 18 نيسان من عام 1981 (ذُكر في الادعاء أنّ الجريمة حصلت عام 1979)، كاشفاً أنّ «صُبحي بزي أُسقطت عنه الدعوى لمرور الزمن من دون أن يُستجوب حتى». ويروي أنّ مكتب التحقيقات الفدرالي أوقف موكله عام 2014 بعدما تبيّن وجود خلل في أوراقه. وذكر الحاج أن السلطات الإيرلندية تدخّلت يومها لمحاكمته، لكن جرى التحقيق معه قبل أن يتقرر تسليمه للحكومة اللبنانية للتحقيق معه في جريمة قتل الإيرلنديين على اعتباره مواطناً لبنانياً ولكون الجريمة وقعت على الأراضي اللبنانية فجرى ترحيله.

في مقدمة المرافعة، خاطب الحاج المحكمة قائلاً: «إنّ أول خصم للعدالة هو النص إن كنتم بصدد الحكم عليه»، مضيفاً: «قد تكون هناك رغبة في الإدانة، إلا أنّ النصوص قد تكون مانعة لدرجة التجريم بسبب مرور الزمن الذي يُفقد المحكمة سلطتها بالمحاكمة ويُفقد النيابة العامة السلطة بالادعاء أيضاً». وهنا تدخل رئيس المحكمة معترضاً على كلمة «رغبة»، فسُحبت. وإضافة إلى مرور الزمن، ذكر عذراً إضافياً يتمثل بقانون العفو الصادر في عام 1991 الذي يشمل الجريمة المرتكبة. واستند إلى المادتين 438 و439 من أصول المحاكمات والمادة 5 من قانون العقوبات.

انطلاقاً من مرافعة الحاج، يمكن العودة إلى قضية الفاخوري. يومها تذرّع العميد حسين عبد الله بمرور الزمن ووجود أسباب قاهرة حالت دون محاسبة العميل على جرائمه، فضلاً عن أنّه لم يُدّعَ على الفاخوري طوال هذه الفترة. بينما علمت «الأخبار» أنّ العميد شحادة وهيئة المحكمة استندا إلى الأسباب نفسها لتجريم بزي على اعتبار أنّ الأسباب القاهرة المتمثلة بالشريط الحدودي واعتبار الجريمة جريمة حرب، كسرت مرور الزمن. وذكرت المصادر أنّ الأسباب القاهرة منعت القوى الأمنية من الانتقال الى المكان والتحقيق، لتخلُص المحكمة إلى عذرين لكسر مرور الزمن. أولاً: اعتبارها فعلته جريمة حرب. ثانياً: اعتبارها أنّ الأسباب القاهرة المتمثلة بالشريط الحدودي حالت دون محاسبته لكونه كان محميّاً من قوات العدو الإسرائيلي.

في مقابل حكم المحكمة، يرى المحامي صليبا أنّ هناك تدخّلاً من السلطات الإيرلندية بدأ منذ توقيف موكله حيث زار القنصل الإيرلندي المحكمة عدة مرات منذ سنوات، متحدثاً عن أنهم لمّحوا إلى إمكانية رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية في حال عدم إدانة بزي. وكشف أنه تقدم بطلب لنقض الحكم أمام محكمة التمييز العسكرية.

تجدر الإشارة إلى أنّ محمود أنيسة غاب عن الوعي فور تبلّغه الحكم، لكونه كان متوقّعاً الاكتفاء بمدّة توقيفه.