IMLebanon

الإفراج عن الحكومة مقابل دعم باسيل لخلافة عون في بعبدا

كتبت العرب اللندنية:

لا يتوانى رئيس الجمهورية ميشال عون عن محاولة ضرب اتفاق الطائف، جرى ذلك عدة مرات، وآخرها حديثه عن صلاحيات المجلس الدستوري، في الوقت الذي يتخذ فيه من التشكيلة الحكومية رهينة بذريعة عدم إشراكه في التأليف الحكومي، وهي بدعة اختلقها منذ وصوله إلى الرئاسة.

يصر عون على موقفه لجهة رفضه الإفراج عن الحكومة الجديدة، ضاربا عرض الحائط بكل الأخطار المنجرة عن هذا التعطيل، لاسيما مع تفاقم الأزمتين المالية والاقتصادية في البلاد. ولم يقف عون عند ذلك الحد، بل عمد إلى إثارة قضايا لم تكن مطروحة سابقا، على الأقل في العلن. ومنها صلاحيات المجلس الدستوري، الذي قال الجمعة إنه لا يجب حصر مهامه في رقابة دستورية القوانين بل عليه أن يتولى مهمة تفسير الدستور.

ويقول سياسيون لبنانيون إن عون يتصرف من منطلق رئيس حزب وليس من منطلق كونه رئيسا للجمهورية، ويبدو شغله الشاغل تعزيز تموقع التيار الوطني الحر، وتعبيد الطريق لصهره وزير الخارجية السابق جبران باسيل لخلافته في بعبدا.

ويشير السياسيون إلى أن الأخطر من ذلك أن عون يسعى جاهدا لضرب القواعد الدستورية القائمة من أجل توسيع صلاحيات رئاسة الجمهورية (من حصة المسيحيين)، سواء من خلال محاولة اختطاف مهمة التأليف من رئاسة الحكومة (التي تعود إلى السنة) أو من خلال تقليص دور مجلس النواب الذي يترأسه شيعي وفق نص الدستور.

وصرح عون خلال لقاء مع رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب وأعضاء المجلس بأن “دور المجلس الدستوري لا يجوز أن يقتصر على مراقبة دستورية القوانين فحسب، بل كذلك تفسير الدستور وفق ما جاء في الإصلاحات التي وردت في وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف عام 1989”.

واعتبر رئيس الجمهورية أنه “من الطبيعي أن يتولى المجلس الدستوري، وهو ينظر في دستورية القوانين، تفسير الدستور، لأن القوانين تصدر انسجاما مع القواعد الدستورية المحددة وتترجم نية المشترع المرتكزة أساسا على نصوص الدستور”.

وأثارت تصريحات عون ردود فعل غاضبة، لاسيما من رئيس المجلس النيابي وزعيم حركة أمل الشيعية نبيه بري الذي سارع إلى الرد قائلا إن “دور المجلس الدستوري مراقبة دستورية القوانين دون أن يتعداها إلى تفسير الدستور الذي يبقى من حق المجلس النيابي دون سواه، وهذا أمر حسمه الدستور ما بعد الطائف بعد نقاش ختم بإجماع في الهيئة العامة”.

ومعروف عن بري التروي في إبداء أي موقف، بيد أن تصريحات عون يبدو أنها مست أحد الخطوط الحمراء، من وجهة نظر رئيس البرلمان المخضرم.

من جهته اتهم النائب المستقيل مروان حمادة الرئيس عون بارتكاب خرق جديد في محاولة منه لنزع سلطة تفسير الدستور من المجلس النيابي، محذرا من أن مثل هذه الشطحات قد تقود إلى اندلاع حرب أهلية.

وقال حمادة “بالإذن من فخامته ومستشاريه الضليعين في هذا الأمر، هناك فارق كبير بين دستورية القوانين المولج بتفسيرها المجلس الدستوري، وبين تفسير الدستور ومواده الذي لو خرج من المجلس النيابي سيطيح بفصل السلطات وكل التوازنات المؤسساتية، ويعيدنا برعاية العهد الميمون إلى الحرب الأهلية”.

وفيما بدا محاولة لاحتواء الضجة التي أثارها عون قال القيادي في التيار الوطني الحر إبراهيم كنعان إن “موقف الرئيس المتعلق بصلاحية تفسير الدستور ووجوب منحها للمجلس الدستوري مطلب إصلاحي ينطلق مما هو معتمد في أغلبية الدول الديمقراطية لاسيما فرنسا، وكان ورد في وثيقة الوفاق الوطني قبل تعديلها في الهيئة العامة آنذاك، علماً أن الصلاحية لا تزال وبحسب الدستور للمجلس النيابي”.

ويرى مراقبون أن محاولات عون فرض قواعد جديدة من شأنها أن تعزز حالة الانقسام بين مكونات المشهد السياسي، في الوقت الذي يبدو فيه لبنان أحوج ما يكون إلى وحدة الصف لمواجهة التحديات المفروضة عليه.

ويعتبر المراقبون أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن عون الذي سوّق في بداية عهده أنّه سيكون “بي (أب) الكل”، يقارب المسائل والأولويات من منظور مختلف تماما، فهو يضع في مقدمة اهتماماته تعزيز المكاسب السياسية للتيار الوطني الحر ومن ثمة توسيع صلاحيات الطائفة المسيحية، وفي الأخير يأتي لبنان.

ولطالما اعتبر عون أن اتفاق الطائف ظلم كثيرا الطائفة المسيحية، وأنه لا بد من تصحيح هذا “الخطأ التاريخي”، ومن هنا يظهر إصراره على فرض أعراف جديدة كتدخل رئاسة الجمهورية في أدق تفاصيل تشكيل الحكومة.

ويقول سياسيون إن موقف عون الرافض للإفراج عن الحكومة مرده عدة عوامل، فإلى جانب إصراره على أن يكون مشاركا في نوعية وتركيبة الحكومة وحصول حزبه على وزارات معينة، يريد الرئيس مساومة الحريري على سلة متكاملة من بينها الحصول على دعم الأخير في وراثة باسيل لبعبدا، وهذا أمر خطير.

وكشف نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش الجمعة أن رئيس الحكومة المكلف لا يزال مصرّا على 18 وزيراً من المستقلين وأصحاب الاختصاص كتشكيلة حكومية دون الثلُث المعطّل ودون سيطرة فريق واحد على الوزارات الأمنية.

وأكّد علوش على أنه حتى هذه اللحظة لا مؤشرات على أن هناك تسهيلا لولادة الحكومة إلا إذا “وعي” رئيس الجمهورية بأن العهد يذوب من بين يديه فربما قد يذهب ويتفاهم مع الحريري على الحكومة المقبلة.

ورداً على سؤال حول لقاء الحريري – باسيل، أجاب علوش “لا جدوى ولا سبب لهذا الاجتماع لأن الرئيس عون ينوب بالمهمة، ولكن إذا كانت القضية لتعويم باسيل فليس سعد الحريري المسؤول عن الأمر”.

وأضاف “في الحقيقة وزير العهد يحاول أن يحصل على ولاية العهد بشكل مبكر لكن بالنهاية لا يمكن إجبار المسؤولين (على) أن يعترفوا بهذه المسألة ومن ضمنهم الرئيس الحريري”.