IMLebanon

باسيل يُوجه سهامه للحريري: لن تَحكُم من دوني

كتب عمّار نعمة في “اللواء”:

أعاد الخطاب الأخير لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الأمور على صعيد تحقيق خرق في عجلة تأليف الحكومة، الى نقطة الصفر وربما الى ما قبلها، راسما بوضوح معالم مرحلة اعتقد كثيرون أنها طويت بعدما عاكست الظروف “ولي العهد” وساد الظن أنه سيلتزم بموقف الدفاع المُتربص حتى تحين الفرصة من جديد.

لكن العالمين بمواقف الرجل والمتابعين لخطه التصاعدي منذ سنوات في مختلف أوجه الحياة في البلاد، كانوا يعلمون أنه ليس في وارد رفع الراية البيضاء. وفي كلمته التي وجهها الاحد الماضي بدا كمن يخط معالم الحكم المقبل في لبنان.. إنطلاقا من العلاقة مع الحريرية السياسية.

قد يذهب البعض الى اعتبار خطاب باسيل كسرا للجرّة مع الرئيس المكلف سعد الحريري. هو شكك بأهلية زعيم “تيار المستقبل” لقيادة عملية الإصلاح بمفرده وشن هجوما متعدد الأوجه عليه، لكنه في الواقع أراد رفع السقف التفاوضي قدر الامكان ليتمكن من الاتفاق مع الشخص الوحيد المتاح اليوم لترؤس الحكومة.

والحال ان باسيل حاول جاهدا منع تكليف الحريري برئاسة الحكومة، ولا يزال يحاول، لكنه بات على قناعة بأن الزعيم “المستقبلي” بات محط تقاطع محلي على رأسه “حزب الله”، ودولي وخاصة فرنسي، وربما غض نظر إقليمي خليجي تحديدا وإن كانت رأس حربته السعودية فاقدة للأمل من قدرة الحريري على المواجهة.

رفع السقف.. لتحصيل المكتسبات

أمام كل ذلك، يقوم رئيس “التيار الوطني الحر” بهجوم مضاد ليس ضد الحريري فقط، بل في وجه الوساطات التي قامت لتقريب وجهات النظر وأهمها مسعى بكركي. هو يريد المرجعية في التفاوض حول ما سيصيغ ماهية مرحلة هامة وطويلة وسط حديث عن فراغ رئاسي مقبل يأمل باسيل أن يحتل فيه موقع الرئيس.. من دون رئاسة.

حمل باسيل معه في كلمته الاخيرة ملفا برزمة كاملة، قدمها ليخرج بمكتسبات “على القطعة”.

تمسك بالثلث للعهد أي هو ورئيس الجمهورية ميشال عون، ما يشير الى نقص في الثقة مع الحلفاء الذين يستطيعون الهيمنة على قرارات الحكومة. ولعل هذا الشرط هو الأصعب على الحل وسيكون طبيعيا أن توجَّه الاتهامات لباسيل كونه المعطِل للتشكيل.

رفض تسمية حصة العهد من الوزراء حتى لو اختار الحريري بعض أسماء اقترحها رئيس الجمهورية، وهي دعوة الى معاملة بمثل تلك مع الأفرقاء الآخرين. والأهم، وجّه باسيل رسالة بالغة الوضوح في موضوع المداورة في الوزارات التي تم خرقها عبر حصول ثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” على المالية من دون وجه حق. ما يعني أن مفاوضات الوزارات الأمنية والدسمة تنتظر معركة ضروس خاصة العدل والطاقة!

لناحية الحريري، رد باقتضاب على ما حمله باسيل. هو بذلك لا يريد حربا إعلامية، ويجهد بصمت لتمرير المرحلة حتى تسلم الادارة الاميركية الجديدة في 20 من الشهر الحالي.

والواقع ان الحريري يشترك مع باسيل ومع الآخرين في انتظار تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن مهامه رسميا. لكن الرئيس المكلف لا يزال على لاءاته في وجه عون وباسيل وإن كان يُحيّد رئيس الجمهورية عن الانتقاد، وهي: عدم منح الثلث لأي فريق سياسي واحد فكيف اذا كان فريق العهد؟

الاستناد الى روح المبادرة الفرنسية لحكومة غير سياسية، ولو في الشكل، تكون منتجة لبدء مسيرة الاصلاح الطويلة والشائكة. وبذلك ضمنا رفض إستئثار العهد بالوزارتين الأمنيتين الدفاع والداخلية، والقضاء.

والحريري، كباسيل، يعلم أن لا واقعية في الحصول على كل ما يطلب، بل انه يرفع السقف التفاوضي للحصول على المكاسب الواقعية.

والحال أنه منذ استقالة حكومة الحريري بعد أيام على حدث 17 تشرين، بدأ مسار فقدان الثقة بين الحريري وباسيل الذي اراد الحريري إخراجه من المعادلة الوزارية. ووجهة نظر زعيم “المستقبل” ان حاله تشابه حال المرجعيتين المسيحية والشيعية وباسيل ليس ندّه في هذه المعادلة.

 

الواقع ان التسوية الرئاسية التي أتت بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية في العام 2016، لحظت بدورها تربّع الحريري على عرش المرجعية السنية السياسية الرسمية أيضا. لكن العرف الذي ساد منذ ذلك الحين صاغ بروتوكولا شخصيا بين الحريري وولي العهد العوني، وشرع الرجلان في تقاسم سياسي ومصلحي على أساس طائفي.. حتى اندلاع 17 تشرين.

ومع تمكن الحريري بعد عام من ذلك الحدث من العودة الى رئاسته، فإنه لن يتراجع ولن يعود الى خطيئة الابتعاد السلطة، كما أن لا إمكانية لسحب التكليف منه وقد وضعه مطمئنا في جيبه.

تأكيد ثوابت المؤسّس

ولناحية باسيل، فإن صراعه مع الحريري لا يغفل كونه قّدم مطالعة واسعة ضمت الإقليمي والدولي الى جانب المحلي، وصولا الى تغيير نظام الطائف الذي لم يهضمه العهد حتى اللحظة، وفي هذا الاطار جاءت دعوته الى حوار وطني لإعادة الاتفاق على مستقبل البلاد.

واذا كانت العلاقة مع الحريري إستحوذت على أهمية كبيرة في الخطاب، الا ان رئيس «التيار الوطني الحر» وجه رسائل الى الاقربين ايضا ومنهم متطرفي «التيار» الذين يتحينون الفرصة للهجوم على خيارات المؤسس ومنها العلاقة مع «حزب الله» التي وازن باسيل كلماته بدقة حولها ولم تخل من الانتقاد، مع تأكيد الثوابت ومنها مثلاً وحدة البلد في وجه دعوات الفيدرالية وقضية العداء لإسرائيل.

على أن الاهم لباسيل في كلمته تمثل في هدفها الآني في مرحلة ما بعد العقوبات: إفهام الجميع بأنه ليس معزولاً، ولا عهد للحريري من دون مباركته، ولا رئيس جمهورية.. غيره!