IMLebanon

المالكون vs المستأجرون: إخلاءات قسرية وعنف ضد العمال الأجانب واللاجئين

كتب رضا صوايا في جريدة الأخبار:

استقالة الدولة من مهامها وغياب أي إجراءات تشريعية وتنفيذية لحماية حق المقيمين في السكن، وضعا المستأجرين والمالكين من جديد وجهاً لوجه. أبرز المتضررين اللحظة هم العمال والعاملات الأجانب والعائلات المهاجرة واللاجئون الذين يواجه كثيرون منهم خطر الرمي في الشارع لعدم قدرتهم على دفع بدلات الإيجار وهشاشة وضعهم القانوني والاجتماعي

شرّع انهيار سعر صرف الليرة الباب أمام فوضى شاملة في سوق الإيجارات. «التسعير» يجري وفق قاعدة «كل مين سعرو إلو»! معظم المالكين باتوا يشترطون الدفع بالدولار، سواء وفق سعر السوق السوداء أم على أساس سعر صرف المنصة الإلكترونية (3900 ليرة للدولار)… و«الأرحم» على أساس 3 آلاف ليرة للدولار، فيما الغالبية الكاسحة من المستأجرين لم تعد قادرة على الدفع ولو وفق سعر الصرف الرسمي، بسبب الغلاء المعيشي وفقدان كثيرين لوظائفهم. في المقابل، ليس المالكون أفضل حالاً، إذ إن معظمهم من الفئات الهشّة اجتماعياً وممن يعتاشون من مردود شققهم. غير أن العبء الأكبر في هذه الأزمة يقع على الفئات الأكثر هشاشة: العمال الأجانب واللاجئون؛ إذ ارتفعت بنسبة كبيرة حالات إخلاء هؤلاء، بشكل قسري ومخالف للقانون، وبالترافق مع ترهيب معنوي وجسدي.

في تقرير أعدّه «مرصد السكن»، أخيراً، بالشراكة مع «حركة مناهضة العنصرية»، أكّد لجوء «بعض المالكين إلى ممارساتٍ تعسفيّةٍ واستخدام أدوات إخلاءٍ وترهيبٍ تتنافى مع أدنى الحقوق الإنسانية والمعاهدات الدولية التي وقّع عليها لبنان، ووصلت في بعض الأحيان إلى حدّ تهديد المستأجر باحتجازه داخل المنزل، أو ضربه وتعنيفه جسدياً، أو قطع المياه والكهرباء عنه والاستعانة بعناصر من الدرك لتخويفه». وأشار إلى «شكاوى من مستأجرين، في حالاتٍ كثيرة، من احتجاز أصحاب المنزل لأوراقهم القانونية كوسيلةٍ للضغط عليهم لتسديد الإيجار أو التأكّد من عدم فرارهم قبل السداد».

التقرير استند إلى دراسة أجريت على 145 حالة كان «المرصد» قد تلقّاها عبر الخط الساخن لـ«حركة مناهضة العنصرية» خلال أشهر نيسان وأيار وحزيران الماضية. إلا أن هذا الرقم ازداد بشكل كبير منذ ذلك التاريخ، إذ إن «أعداد الحالات التي نحن على دراية بها ونتابعها تخطّت الـ 500 حتى الآن»، بحسب إحدى مُعدات التقرير الباحثة المدينية في «استوديو أشغال، مرصد السكن» نادين بكداش.

يسلط التقرير الضوء على الهشاشة القانونية التي يعيشها العمال الأجانب واللاجئون والمهاجرون، إذ إن «أكثر من 95% من هذه الإيجارات أُبرم من دون تحرير أي سندٍ خطي يجيز للمستأجر إشغال المأجور، وبغياب أي عقدٍ مكتوبٍ أو إيصالٍ ببدل الإيجار»، وهو ما يزيد من عجز هؤلاء عن حماية أنفسهم. فـ«93% من الأفراد الذين شملتهم العيّنة إما عاملاتٌ وعمالٌ لا يحملون أوراق إقامةٍ أو يملكون تصاريح منتهية الصلاحية، الأمر الذي يحول دون لجوئهم إلى الشرطة في حال تعرّضهم للعنف من المالك.» وفيما يحدد قانون الإيجار اللبناني مدّة التعثر قبل أن يحق للمالك طلب الإخلاء رسميّاً بـ 3 أشهر، «إلّا أنه في 100 من هذه الحالات، بلغت مدة التعثّر شهرين فقط أو أقل».

تلفت بكداش إلى أن «كثيراً من المالكين يفضّلون تأجير مساكنهم لهذه الفئة من الناس لكونهم الحلقة الأضعف في المجتمع، وبالتالي يسهل استغلالهم وطردهم ». وهذا ما تؤكده حال المساكن المؤجرة. فهي بغالبيتها عبارة عن «غرف سكنيّة داخل وحدة سكنيّة مقسّمة»، ما يسمح للمالك بتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح من الوحدة بأقل كلفة ممكنة. ويشير التقرير إلى أن 33% من المستأجرين يسكنون «في منازل تشوبها عيوبٌ تضرّ بالصحة، مثل العفن والرطوبة والنشّ»، ويسكن نحو الثلث أيضاً في «أماكن سكنٍ تعاني من سوء الخدمات ومشاكل إنشائية، وتكثر فيها القوارض والحشرات، وتفتقر إلى أشعة الشمس، وتفوح منها روائح المجاري الكريهة، من جرّاء استحداث الغرف بالقرب من منشآت الصرف الصحي في المبنى، الأمر الذي يؤدّي إلى مشاكل صحيّةٍ على الأمد الطويل».

«بقعة الضوء» التي تضمنها التقرير، رغم الممارسات غير القانونية التي اعتمدها العديد من المالكين بحق المستأجرين، أن عدداً من أصحاب المساكن أبدوا تعاطفاً مع شاغليها «ومدّدوا لهم مهلة التسديد أو وافقوا على خفض بدل الإيجار». كما كان لافتاً «الدور الوسيط» الذي لعبه الجيران مع «أصحاب المنازل لعدم تنفيذ تهديداتهم بطرد المستأجرين، أو تمكنّهم من إعادة المستأجرين إلى شققهم بعد محاولة إخلائهم منها». ويبرز في هذا الإطار التعاون المجتمعي بين الفقراء في الأحياء الشعبية، حيث يغلب الشعور الطبقي على العصبيات الوطنيّة، وهو ما تجلى «بروابط الألفة التي تجمع بينهم، وقبول المحال التجارية والدكاكين تسجيل الديون على ذمة المشترين…».

المريب في الموضوع هو الدور السلبي الذي لعبته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR في هذا المجال، إذ يشير التقرير الى أن «52% من العيّنة يحوزون رقماً خاصاً لدى المفوضية، إما كلاجئين أو كطالبي لجوء». وفيما حوّلت 67 حالة من أصل 72 إلى المفوضية لمتابعتها «لم تتلقَّ جميع الحالات جواباً، فيما تلقّت أخرى رداً بعدم إمكانية المساعدة أو بوضع ملفّاتها قيد الدرس. وتلقّى البعض مساعداتٍ ماليةً للإيجار». تلكؤ المفوضية عزت بكداش «أحد أسبابه» الى الضغط الكبير الذي تعاني منه، «فعلى سبيل المثال، تلقّت حركة مناهضة العنصرية خلال شهر آب، وقبل انفجار المرفأ، 1500 اتصال خلال يومين فقط من قبل لاجئين سوريين يشكون عدم قدرتهم على سداد الإيجار».