IMLebanon

جبهة وطنية معارضة: لـ”حماية الطائف” أم “تطويق العهد”؟!

جملة وقائع ومؤشرات سياسية دفعت بمشروع «جبهة وطنية معارضة» إلى الواجهة، كما دفعت إلى الاعتقاد بوجود وتبلور حالة سياسية جديدة من «الاصطفاف والفرز والتحالفات»، وأن الأزمة لم تعد أزمة حكومة وإنما تجاوزتها لتأخذ شكل «أزمة حكم ونظام».. ومن أبرز هذه الوقائع والمؤشرات:

1 ـ اللقاء الذي عُقد في دارة الرئيس تمام سلام وجمع الرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة إلى رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، والذي كان على عشاء، جرى خلاله البحث في كل المرحلة السياسية الحالية والمقبلة، والتداول الصريح في إخفافات وأخطاء كل طرف منذ ما قبل التسوية الرئاسية إلى ما بعدها. كان هناك اتفاق على استنهاض حالة سياسية على أساس مشروع وطني جامع، وإعداد ورقة وطنية بعناوين عريضة تتزامن مع تواصل سياسي مع مختلف الأطراف في البلد مسيحيا وإسلاميا.

وجرى هذا اللقاء على خلفية مواقف جنبلاط الأخيرة ودعوته الحريري إلى ترك عملية تأليف الحكومة والانتقال إلى صفوف معركة سياسية تحافظ على البلد والدستور، وفي ظل شعور متزايد بأن هناك حالة عبثية لم يعد بالإمكان الخروج منها إلا بمشروع مواجهة جدي وفاعل، حفاظا على الدستور وعلى مؤسسات الدولة والتواصل مع كل الجهات المحلية والخارجية لاستعادة التوازن السياسي ووقف الانهيار.

2 ـ المواقف المتقدمة التي أعلنها جنبلاط ناصحا الحريري برمي كرة النار في ملعب حزب الله وحلفائه، وطارحا ثلاث نقاط أساسية: مواجهة عهد عون بما يمثله من انقلاب على اتفاق الطائف، ورفض الخضوع لهيمنة المشروع الإيراني الذي يعزل لبنان عن محيطه العربي، و«استدعاء» احتضان عربي وخليجي للبنان بدل تركه لمصيره.

3 ـ احتدام الخلاف والسجال بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف حول الصلاحيات و«دستور الطائف».. ودخول النائب جبران باسيل على الخط مطلقا فكرة تغيير النظام وداعيا الى مؤتمر حوار وطني يتقاطع مع مشروع مؤتمر تأسيسي كشف عنه ذات يوم السيد حسن نصرالله الذي اضطر الى التراجع عنه وسحبه من التداول إثر الضجة التي جوبه بها والتفسيرات التي أُعطيت لهذا المؤتمر من جانب قوى سنيّة اعتبرته مشروع انقلاب على الطائف وقوى مسيحية اعتبرته مشروع إبدال المناصفة بـ «المثالثة».

أسئلة كثيرة تُطرح بشأن «مشروع الجبهة الوطنية العريضة» وغموض كثيف يكتنفها، سواء لجهة التوقيت الحساس وغير المتناسب مع أولويات صحية (كورونا) واقتصادية (أزمة النقد والمصارف)، أو لجهة أهداف الجبهة ووظيفتها السياسية: هل هي «جبهة حكومية»، بمعنى أنها تهدف الى تطويق العهد و«حشره» لتليين موقفه والتنازل في موضوع الحكومة؟! أم هي «جبهة رئاسية»، بمعنى أنها تهدف الى تجميع أوراق التأثير في الاستحقاق الرئاسي المقبل وقطع الطريق على ما تبقى من «فرص باسيل»؟! أم هي «جبهة وطنية»، بمعنى أنها تهدف الى حماية الدولة ودستور الطائف ومواجهة الخطر الداهم عليها والمتمثل خصوصا بحزب الله وتحالفه مع رئيس الجمهورية؟!
حتى الآن مقوّمات إطلاق مثل هذه الجبهة غير متوافرة لأسباب كثيرة أهمها:

1 ـ رؤساء الحكومات السابقون يشكلون قيمة مضافة في أي جهة ونواة سنيّة صلبة فيها، لكن يظل موقف الرئيس سعد الحريري هو الأساس كمرتكز سنّي أساسي لجبهة المعارضة.. والحريري حتى الآن مازال يعمل ويتحرك ضمن مشروع عودته الى رئاسة الحكومة، وليس في وارد الاعتذار والعودة الى صفوف المعارضة. ويعتمد في حساباته بشكل أساسي على الثنائي الشيعي: علاقته الجيدة مع نبيه بري، وعلاقة «انسجام وتفاهم» مع حزب الله.

2 ـ جنبلاط يبرز مجددا كعامل محرّك و«محرّض» في اتجاه تحفيز المعارضة ضد العهد، لكنه بعيد عن الدور الذي لعبه عام 2005 عندما كان رأس حربة المعارضة ضد عهد لحود، مثلما أن الوضع بعيد عن 14 آذار جديدة.. جنبلاط ليس في وارد الدخول بمواجهة مع «الهيمنة الإيرانية» مثلما فعل في مواجهة الوصاية السورية، ولا الدخول في مغامرة غير محسوبة العواقب وغير مضمونة النتائج، ورسائله في اتجاه حزب الله لا تحمل بذور مواجهة وإنما رسائل الى إعادة تنظيم العلاقة وحفظ مصالحه وترك هامش له كما كان الحال أيام السوريين مع إقراره الضمني بأن حزب الله سيطر على البلد.

3 ـ أي جبهة معارضة تحتاج الى «المرتكز المسيحي» غير الموجود في المشهد حتى الآن. وفي الواقع، أي جبهة معارضة فعلية وفاعلة شعبيا وسياسيا لا بد أن ترتكز على ثلاثية «المستقبل ـ القوات ـ الاشتراكي». لكن العلاقات داخل هذا المثلث غير مستقرة، وثمة تباين في الأولويات وفي «خارطة الطريق»: «القوات» تضع هذا الترتيب للأهداف: استقالة جماعية من البرلمان تفتح الطريق لانتخابات مبكرة تأتي بأكثرية جديدة وتعيد إنتاج السلطة بدءا من رئاسة الجمهورية.

وفي وقت يشترط جنبلاط والحريري للاستقالة النيابية والانتخابات المبكرة تغيير قانون الانتخاب، ويربطان موضوع الانتخابات الرئاسية المبكرة بانخراط مسيحي في هذه المعركة، فإن «القوات» تتمسك بقانون الانتخابات الحالي، وتشترط للانخراط المبكر في ملف الرئاسة التفاهم المسبق على «البديل».