IMLebanon

الأوكسيجين في السوق السوداء ولبنان يختنق

كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:

بموازاة التفشي الواسع للكورونا في لبنان وتسجيله أرقاماً قياسية بشكل يومي، تتفاقم أزمة المستلزمات الطبية والتأخير في استيرادها وعدم توافر أجهزة تنظيم الأوكسيجين وقاروراتها. حتى “النفس” صار بين الـ1200 والـ1800 دولار أما الدولار الواحد فيُقارب الـ9 آلاف ليرة لبنانية ولا حلول أمام المرضى إلا السوق السوداء بعد انقطاعها تماماً من عند المستوردين. “لبنان يحترق، لبنان ينتفض، لبنان يغرق، لبنان ينهار، لبنان ينطفئ، لبنان ينفجر” شعارات تم تداولها تباعاً لوصف الواقع المرير واليوم “لبنان يختنق”!

لا يكاد يعالج المواطن مشكلة حتى تقع أخرى أكثر تعقيداً وفتكاً بصحته، فبعد مشكلة انقطاع الأدوية وتهريبها، تلتها مشكلة أدوية بروتوكول كورونا لتظهر مشكلة “الأوكسيجين” اليوم ومستلزمات التطبيب في المنزل بعدما وصلت المستشفيات (الخاصة والحكومية) إلى سعتها. أما المصيبة الحديثة، أن “لا أحد يعرف في الوزارة أين وُزعت المستلزمات والمعدات الطبية التي تم شراؤها من أموال البنك الدولي” كما تبيّن أن في السوق السوداء معدات مزيفة وصينية “تخرب” بسرعة كما تحتوي على “هواء” وليس على غاز مشبع بالأوكسيجين وتباع بأسعار خيالية! فإلى متى “التسكيج”، فما هي أسباب النقص وما الحل المنتظر أمام عجز المشافي عن استقبال الحالات؟

فريق الوزارة معزول!

يشرح مصدر خاص من وزارة الصحة أن “الوزير حمد حسن قد اختار عزل فريق الوزارة بالكامل عن كل ما يتعلق بالقرض الدولي البالغة قيمته 40 مليون دولار أميركي، والذي يقترضه لبنان من ضمن مشروع تعزيز النظام الصحي ولتعزيز قدرة وزارة الصحة العامة على التصدي للأزمة عبر تجهيز المستشفيات الحكومية وزيادة قدرتها على اختبار الحالات المشتبه في إصابتها وعلاجها”.

وفي التفاصيل يقول المصدر “استقدم الوزير فريق عمل خاصاً به شخصياً، فقط بهدف عزلنا كفريق الوزارة عن متابعة المصاريف وعمليات التوزيع، الى ما هنالك….هؤلاء يُدفع لهم بالدولار الأميركي وليس بالليرة اللبنانية كسائرنا وقد خصص لهم ما يُقارب الـ120 ألف دولار أي بنحو أكثر من مليار ليرة لبنانية وهو مبلغ لم يعط كسقف مالي لغالبية مستشفيات المتن وبيروت!” ويتابع “والملفت أنه قد تم فرض الفريق على الوزارة بذريعة “الإستشارة” مع العلم أن في الوزارة أخصائيين واستشاريين ولا حاجة لهدر مبلغ كهذا على فريق عمل تبين أنه تابع كلياً لجماعة وزير الصحة وبدون أي مواربة، أما المضحك في الأموال التي قُدمت للبنك الدولي، مبلغ 42 ألف دولار لأتعاب “مدير مشاريع”، يأتي بعده مبلغ 26 ألفاً و400 دولار لـ”موظف مالي” وبما أن الرقم الأخير انتهى بـ400 دولار كان لابد من أن يكون راتب “مساعد العمليات” ينتهي بـ600 دولار وعليه خصص له مبلغ 21 ألفاً و600 دولار! بعدها نجد أنه خصص مبلغ 15 ألفاً و600 دولار لـ”مساعد إداري” (ينتهي بـ600) ومبلغ 20 ألفاً و400 دولار للرصد والتقييم (ينتهي بـ400)! أرقام “مبكلة” عن قصد”.

ويردف “لا حسيب ولا رقيب، كل ما صُرف من أموال القرض الدولي هذا، لا يمر في أي مسار رقابي في الوزارة، ولا حتى يتم “أرشفة” المبيعات عبر الوزارة، “كل الشغل براني”. وقد تفاجأنا في الأرقام التي نُشرت على موقع البنك الدولي أن الوزير قد صرف مبلغ 5 ملايين و562 الفاً و71.99 دولاراً أميركياً لشراء “حاجيات التصدي لكورونا”، ومبلغ 8 ملايين و11 ألفاً و836 دولاراً أميركياً لشراء “معدات وماكينات”، إضافة إلى مليون و638 ألفاً و696 دولاراً أميركياً لشراء “أجهزة تنفس”، اي مواد ومستلزمات وأجهزة بمبلغ يفوق الـ14 مليون دولار أميركي أي بنحو 126 مليار ليرة لبنانية، ما يُفترض أن يُغرق البلد مستلزمات ويغطي على الأقل غالبية أجهزة التنفس المطلوبة والتي تُستعمل بالمداورة، لا نعرف كم أعطي لكل مستشفى منها؟ كيف تم توزيعها؟ في أي مستودعات وضعت؟ ومتى تم شراؤها ومتى وزعت! فبعدما سأل اللبناني “أين الشاي السيلاني” عليهم أن يسألوا “أين مستلزماتنا الطبية…؟” فما الذي يمنع من خروج هذه المستلزمات المدفوعة من جيوب الناس وتهريبها إلى سوريا مثلاً؟ حين تنعدم الرقابة، تنعدم الثقة. وما الذي يمنع الوزير مشاركة المعلومات مع فريق الوزارة؟ هل خشية من أن يعرف المواطن أنه قد تم توزيعها بطريقة استنسابية وطائفية إسوة بتوزيع السقوفات المالية على المستشفيات؟”

الترقيع وأجهزة مزيفة

حالياً هناك أكثر من مئتي جهاز تنفس اصطناعي في مطار بيروت بانتظار انتهاء المعاملات الجمركية، إلا أن أحداً لا يضمن أن يكون هذا العدد كافياً نظراً لازدياد الطلب عليها في الآونة الأخيرة بالتزامن مع ارتفاع اعداد المصابين، ومع رفض بعض المستشفيات استقبال المسنين في قسم كورونا واتجاه الأكثرية للتطبب على فراشهم الخاص في منازلهم. وقد لفتت نقيبة مستوردي المعدات والأدوات الطبية في لبنان سلمى عاصي لـ”نداء الوطن” إلى أن “سعر المستلزمات التي يتم تأمينها على وجه السرعة قد ارتفع عن السعر القديم عالمياً وأن المستوردين أمنوا ثمنها بالدولار من السوق السوداء”.

وأوضحت عاصي أن فرص التأمين العادل لأجهزة الأوكسيجين “في خطر جسيم” فالظروف نفسها التي حكمت الأدوية منذ مدة تنطبق على الأجهزة، فهناك من يشتري جهازاً ويخبئه في المنزل من باب الإحتياط تماماً كما حدث مع الدواء وعليه بات الطلب مرتفع جداً على أجهزة الأوكسيجين، وفي المقابل هناك سوق فوضوية لا تحتكم لأي مراقبة وهناك استجابة غير منسقة لما يحدث وطبعاً تستمر الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية، أي أن المريض الفقير لديه فرصة أقل بالوصول إلى جهاز بخاصة مع وجود قسم من الناس يعملون على استغلال المرض للقيام بأرباح آنية مرتفعة”. وشددت قائلة “وهنا أحذر المواطنين أننا كنقابة نشرنا لائحة بالشركات المرخصة المسجلة بالنقابة التي تبيع أجهزة الأوكسيجين، إلا أن ليس كل من يبيع مسجلاً في النقابة، لذا أنصح ومن باب الحذر، الشراء ممن يُذكرون في اللائحة لأن تداول الأجهزة كما يجري الآن على منصات OLX وعلى الفيسبوك وفي السوبرماركات و”محلات السمانة” يفتح الباب أمام خطر الموت، وبيع ماكينات تضخ هواءً بدل الأوكسيجين! ولا كفالة سنوية لها ولا حدود فيها للإستغلال”.

الحاجة أم الإستغلال

وانتشرت أرقام هاتفية للبعض عبر لوائح واتسابية، تواصلنا كـ”نداء الوطن” مع شركتين منها، الأولى “غلوتيك” لصاحبها “علي إدريس” الذي أكد أنه لا يبيع أجهزة أوكسيجين إلا أنه يبيع قوارير الأوكسيجين وأنه يصله أكثر من 30 إتصالاً في الساعة وأن الأعداد الهائلة للطلب مخيفة وأن شركته مرخصة ويعمل في المجال منذ سنوات وأن المهم اليوم هو توفير طلب الغاز لكل من يحتاجه. أما الثانية فكانت لشركة “أوكسيجين ريزي” لصاحبها شربل ريزي الذي أكد لـ”نداء الوطن” أن شركته مرخصة وأنه يوزع الأوكسيجين ويبيع الأجهزة منذ أكثر من 30 عاماً وأنه يومياً يبيع بحدود الـ300 قارورة أوكسيجين بـ350 دولاراً للمنازل وأنه قام بتأجير حوالى 200 جهاز أوكسيجين بـ300 ألف ليرة للماكينة الواحدة. أما أجهزة الأوكسيجين فهي مكفولة لسنتين إلا أنها تباع اليوم بـ 1200 دولار في شركته لأن سعرها قد ارتفع عالمياً إضافة إلى القيود المصرفية المفروضة على الودائع، وصعوبة تحويل الأموال إلى الشركات المصنعة في الخارج لاستقدام الأجهزة، أما في السوق فيصل سعرها إلى الـ1800 دولار ولا أحد يضمن ما إذا كانت من النوعية الجيدة أو المزيفة أو الرخيصة التي لا تصلح، فحتى من يشتري أجهزة ماركة شركة فيليبس الأميركية بسعر يتراوح بين 850 و900 دولار للجهاز الواحد نجدها على OLX بسعر 1800$ أي بهامش ربح مرتفع جداً بالمقارنة مع الكلفة، فيستفيدون من واقع أن ليست كل المستشفيات مجهزة لاستقبال مرضى كورونا وبالتالي باتت “الحاجة أم الإستغلال؟”

وفي سياق متصل، يقول رئيس مجلس إدارة مستشفى قبرشمون الحكومي طارق الزعر لـ”نداء الوطن” ان المستشفى التي يديرها لم تقوَ على فتح أي قسم لمرضى كورونا، وأنه من الأشخاص الذين إدّعى الوزير حسن البارحة عليهم، إلا أن لديه “تقريراً من وزارة الصحة ينص أنه وبحسب بُنية وتقسيم المستشفى لا يُمكنه أن يفتح طابقاً واحداً لكورونا، إما يحولها كلها لمشفى كوروني بالكامل أو يهدد المرضى في الأقسام الأخرى بالمرض” وأن “الإدارة لم تتلق أي أموال أو تجهيزات أو معدات دُفع ثمنها من قرض البنك الدولي مثلاً، ولم يحصل على أي مال من الاعتماد الإضافي لموازنة 2020 بقيمة 450 مليون ليرة لبنانية، والذي خصّه البرلمان للمستشفيات في نيسان 2020 ولا حتى دفع لهم أي مبلغ مستحق في حين تم رصد مبلغ مليار ونصف مليار ليرة لبنانية لمستشفى دير القمر “وهو بعدو عالعضم” وبدل شكرنا على أننا نعمل ونفتح أبوابنا ونقاتل للصمود “باللحم الحي” نُلام أننا نشارك في الأزمة ويتم إحالتنا إلى القضاء!”

بالمحصلة، لم تعد تنفع هذه التركيبة الزئبقية التي تتنصل من المسؤوليات. الكل يُجمع على أننا في خضم كارثة لم يتنبه لها من دققنا ناقوس الخطر على مسامعه والحل “أبعدوا الصحة عن ضرورات التكتيك السياسي، إذ حتى الهواء بات بالدولار!”.