IMLebanon

أي اللقاحات أكثر أمانًا؟

كتب علي عواد في جريدة الأخبار:

منذ فرض الإنسان وجوده «سيداً» على الكائنات، اندلعت حربٌ خفية بينه وبين الجراثيم، كادت عام 541 أن تقضي عليه، بعدما انتشر الطاعون كالنار في الهشيم عبر أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا والجزيرة العربية، وأودى بما يراوح بين 30 و50 مليون شخص (بين 16 و23 في المئة من سكّان المعمورة). في عام 1796، كان لقاح الجدري الذي طوّره الطبيب الإنكليزي إدوارد جينر، أول لقاح ناجح يُستخدم في مواجهة مرض، بعدما قضى الجدري على أكثر من 500 مليون إنسان، وأصيب الناجون منه بعمى وتشوّهات، ووُصف بأنه أحد أكثر الأمراض شراسةً. بفضل هذا اللقاح، أعلنت منظمة الصحة العالمية عام 1980، بعد 184 عاماً على اكتشافه، القضاء على الجدري نهائياً. اليوم، تعدّ اللقاحات أحد أكثر الطرق فعالية في الوقاية من الأمراض، وتعتمد البشرية عليها لمنع الإصابة بنحو 25 مرضاً من بينها الحصبة وشلل الأطفال والتهاب السحايا.

مع تفشي وباء «كوفيد-19»، نهاية عام 2019، انكبّ الباحثون في أرجاء العالم على دراسة الفيروس في محاولة لتوفير لقاح آمن وفعّال يقي خطر الإصابة به. ورغم أن صنع اللقاحات عملية معقّدة تتطلب سنوات من التجارب للتأكّد من سلامتها قبل اختبارها على البشر، أدّى الضغط الذي شكّله وباء «كورونا»، وفي فترة قصيرة جداً من عمره، إلى نيل شركات عدة موافقات استثنائية من المؤسسات الدولية المعنية لطرح لقاحات توصّلت إليها، علّها تساعد في كبح جماح الجائحة العالمية التي أودت حتى الآن بحياة أكثر من مليوني إنسان. وبين خطر الإصابة بالوباء والخوف من اللقاحات، أو قلة المعلومات حولها، «ضاع» كثيرون في محاولة الإجابة عن سؤال أساسي: أي اللقاحات أكثر أماناً؟ واستطراداً: ما هي مضاعفات كلٍّ من اللقاحات؟ هل تعمل كلها بالطريقة نفسها؟ وهل ينبغي الخضوع للتلقيح دورياً؟

عشية بدء وصول الدفعة الأولى من اللقاحات إلى لبنان، يشدّد أستاذ العلوم الجرثومية في الجامعة اللبنانية، الدكتور قاسم حمزة، على أن على كل راغب بتلقّي اللقاح مراجعة طبيبه لمساعدته في اختيار اللقاح الأنسب لوضعه الصحي، لافتاً إلى أن هيئة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) أوصت، مثلاً، من يعانون من حساسية مفرطة بتجنب تلقّي لقاح «فايزر – بايونتك». لذلك، «من الضروري التنويع في استيراد اللقاحات المختلفة». ويذكّر بأن كل اللقاحات ينبغي، مبدئياً، أن تقوّي جهاز المناعة ضد الإصابة بـ«كورونا» أو تحمي من الإصابة الشديدة به. «يعني ذلك أنّ من يُلقّح يمكن أن يصاب بالفيروس من دون أي عوارض ويمكنه أن ينقل الإصابة إلى أفراد غير ملّقحين». وعليه، فإن التلقيح لا يلغي ضرورة الحفاظ على الإجراءات الوقائية كلبس الكمّامة والتباعد الاجتماعي. حمزة شدّد على أهمية الجرعة الثانية من أي لقاح لأنها «تذكّر الجهاز المناعي بالمناعة التي اكتسبها في الجرعة الأولى وتثبتها».

وإذ أشار إلى أن «لا ضرر على الشخص إذا ما أخذ لقاحاً معيناً بجرعاته الكاملة أن يأخذ لاحقاً لقاحاً مختلفاً بجرعاته الكاملة أيضاً»، لفت إلى أن «الأطباء وحكومات الدول لن يشجعوا على ذلك بسبب النقص في الجرعات عالمياً، خصوصاً أن اللقاح الثاني سيكون على حساب أفراد لم يلقّحوا بعد»، ونصح بـ«التروي قبل أخذ لقاحات مختلفة حتى تتم دراسة فعاليتها بشكل جيد وإلا سيكون الأمر مضيعة للوقت والمال»، خصوصاً أن العالم يشهد حالياً «أكبر تجربة من نوعها تجري على البشر». وفي ما يأتي، محاولة للإضاءة على أبرز اللقاحات:

اللقاح التقليدي غير المفعّل

تعتبر هذه الطريقة في صنع اللقاحات الأبطأ والأكثر أماناً، والأكثر استخداماً في صنع غالبية اللقاحات في العالم. وهي تعتمد على إنتاج كميات كبيرة من الفيروس («كورونا» في هذه الحالة) داخل المختبر (زراعة مخبرية)، ثم قتلها بالحرارة أو بمواد كيميائية. وبهذا تتكوّن نسخة كاملة من الفيروس بشكله الكليّ من دون أن تكون مفعّلة بما يحول دون إصابة الملقّحين بها بعوارض الفيروس. وهي تعمل على تعريف جهاز المناعة بكل البروتينات الخاصة بالفيروس، مثل بروتينات النتوءات (Spikes)، وبروتينات كل سطح الفيروس. وبهذا يرفع الجهاز المناعي نسبة الحماية من الإصابة به في حال حصول أيّ طفرات في النتوءات كما حصل في بريطانيا وجنوب أفريقيا. ومن سلبيات هذه التقنية أنها تأخذ وقتاً في عملية التصنيع، وأنه في حال تحوّر الفيروس بشكل كبير قد تكون هناك حاجة إلى إعادة صنعه باستخدام النسخة الجديدة منه.

اللقاح الأبرز المطروح حالياً وفق هذه التقنية هو اللقاح الصيني الذي صنّعته شركة «سينوفارم» الذي أعلنت أنه فعّال بنسبة 79.34%. ويرجّح أن يكون لهذا اللقاح (يؤخذ على جرعتين بفاصل ثلاثة أسابيع) حصة كبيرة في الحملة التي تخطط لها الصين لتلقيح 50 مليون شخص بحلول منتصف الشهر المقبل، علماً أن نحو مليون صيني، حتى تشرين الثاني الماضي، كانوا قد تلقوا هذا اللقاح الذي اقتصرت أعراضه الجانبية على ألم في موقع الحقن وارتفاع بسيط في درجة الحرارة.

لقاح الحمض النووي الريبوزي

للمرة الأولى في تاريخ اللقاحات تُعطى الموافقة على استخدام تقنية (mRNA) التي لم تُختبَر تأثيراتها بشكل كافٍ على مدار السنوات الماضية كما في اللقاحات التقليدية. من إيجابيات اللقاح أن تصنيعه سريع، وذلك عبر خلق أجزاء من الحمض النووي الريبوزي الخاص بنتوءات فيروس كورونا ودمجها داخل جزيئات دهنية. بعد إعطاء اللقاح، تلتصق الأجزاء الدهنية بجدار خلايا الجسم، وتدخل شيفرة الـmRNA إلى السيتوبلازم (cytoplasm) فيبدأ تصنيع بروتين النتوءات الذي يكتشفه جهاز المناعة، فيبدأ تصنيع الدفاعات ضد أجزاء من نتوءات فيروس «كورونا». المشكلة هنا، بحسب حمزة، أن جهاز المناعة يتعرّف حصراً إلى هدف واحد وهو النتوءات، ما يعني أنّ أيّ تحوّر كبير في الفيروس قد يجعل اللقاح غير ذي جدوى. علماً أن الشركات التي اعتمدت هذه التقنية أكدت أنها قادرة على إعادة تصنيع اللقاح خلال أسبوعين في حال حصول مثل هذا التحور. وأبرز اللقاحات التي تعتمد هذه التقنية:

– «فايزر – بايونتك»: مُنح لقاح تحالف شركتَي «بايونتك» الألمانية و«فايزر» الأميركية، في 11 كانون الأول الماضي، أول تصريح استخدام طارئ من هيئة إدارة الغذاء والدواء الأميركية. وأعطته منظمة الصحة العالمية ودول كثيرة حول العالم تصاريح طارئة للاستخدام. تؤكّد الشركتان المصنّعتان أن اللقاح (يؤخذ على جرعتين بفاصل ثلاثة أسابيع) فعّال بنسبة 95%، وتتوقعان تصنيع أكثر من 1.3 مليار جرعة منه بحلول نهاية السنة. أما عوارضه الجانبية الأكثر شيوعاً فهي الألم في موقع الحقن والتعب والصداع وآلام العضلات، والقشعريرة وآلام المفاصل والحمى.

– «موديرنا»: وهو، مع «فايزر»، اللقاحان الوحيدان اللذان مُنحا الإذن بالاستخدام الطارئ من الـFDA. وتؤكد الشركة المصنّعة أن اللقاح (جرعتان بفاصل 4 أسابيع) فعّال بنسبة 94.5%. عوارضه الجانبية التي سُجّلت مشابهة لعوارض لقاح «فايزر».

لقاحات النواقل الفيروسية

يوضح حمزة أن تقنية لقاحات النواقل الفيروسية (Viral Vector Vaccines) تعتمد على حمل بروتين نتوءات فيروس كورونا بفيروس مختلف اسمه «أدينوفيروس» (يمكن استخدام فيروسات ناقلة أخرى). بعد التلقيح، يتعرف جهاز المناعة البشري إلى بروتين النتوءات ويبدأ تجهيز الدفاعات وكأن فيروس كورونا هو الذي دخل الجسم. علماً أن الـ«أدينوفيروس» المستخدم هنا حصراً لا يتكاثر داخل الجسم ولا يشكّل ضرراً على الصحة. مشكلة هذه التقنية، وفق حمزة، مشابهة لمشكلة لقاحات الـ«mRNA»، إذ أن الجهاز المناعي يكون لديه هدف واحد وهو نتوءات فيروس كورونا. وفي حال حدوث طفرات كبرى لا يعود اللقاح مجدياً، وتنبغي إعادة صنعه عبر استخدام بروتينات النتوءات الجديدة. وقد استُخدمت هذه التقنية لدراسة لقاحات ضد فيروسَي «ميرس» و«إيبولا».

أبرز اللقاحات التي تعتمد هذه التقنية:

– «سبوتنيك في» (الروسي): أنتج هذا اللقاح معهد «غماليا» التابع لوزارة الصحة الروسية. وهو مزيج من نسختَين من فيروسات «أدينوفيروس» تسمى «Ad5» و«Ad26». تم اختبار كلا النوعين كتجارب لصنع لقاحات أو أدوية على مدى عدد من السنوات. ومن خلال الجمع بينهما، كان الباحثون الروس يتخوّفون من أن يتعرف الجهاز المناعي إلى «أدينوفيروس» بدلاً من أجزاء بروتين نتوءات فيروس كورونا. لذا، تقرّر إعطاء نسخة «Ad26» في الجرعة الأولى، ونسخة «Ad5» في الجرعة الثانية، للتأكد من تعرف جهاز المناعة إلى نتوءات كورونا. يؤكّد المعهد أن اللقاح (جرعتان بفاصل 3 أسابيع) فعّال بنسبة 91.4%. فيما أبلغ 15٪ ممن تم تلقيحهم عن احمرار في منطقة اللقاح وصداع خفيف.

– «أكسفورد – أسترازينيكا»: بخلاف اللقاح الروسي، يستخدم اللقاح البريطاني فيروس «أدينوفيروس» الخاص بحيوان الشمبانزي لربط بروتين نتوءات فيروس «كورونا» به. ويُعطى بجرعتين تحملان النسخة نفسها من «أدينوفيروس». أعلنت «أسترازينيكا» أن لقاحها (جرعتان بفاصل 4 أسابيع) فعّال بنسبة 62% إلى 91% (ما زال الأمر قيد الدرس)، كما كان لافتاً إعلانها، في 11 كانون الأول الماضي، أنها ستتعاون مع روسيا لمعرفة ما إذا كان دمج اللقاحين يزيد من فعاليته. ومن المقرر إجراء تجارب سريرية في هذا الشأن في الربع الأول من هذا العام. معظم الآثار الجانبية التي سجّلت: ألم، حرارة، احمرار، حكة، تورم أو كدمات في مكان الحقن، توعك، تعب، قشعريرة أو شعور بالحمى، صداع، غثيان. آلام في المفاصل أو العضلات.