IMLebanon

بارود: لا حل سوى باتفاق رئيسَي الجمهورية والحكومة

كتب عمّار نعمة في “اللواء”:    

ليس فراغ التشكيل الحكومي هو الأول ولن يكون الأخير في أزمة ذات منحى دستوري لكن أساسها سياسي وطائفي مثلما أن حلّها سيكون كذلك.

ربما هي معضلة حكم أو أزمة حكام، لكنها ظهرت بالتأكيد بعد اتفاق الطائف الذي كان هاجس صانعيه انتزاع الصلاحيات من رئيس الجمهورية قدر الامكان، مع طغيان طيف العماد ميشال عون حينها على مناهضيه في اجتماعات الطائف في العام 1989 والخشية من وصوله رئيسا للجمهورية ولو بعد حين كما يردد أكثر من مشارك في هذا الاتفاق.

ربما لهذا لم يتنبه النواب المجتمعين في الطائف حيث تلقوا نبأ حلّ مجلسهم من قبل عون الذي كان يرأس حكومة عسكرية في ذلك الحين، الى ثغرات ظهرت كثيرا في المرحلة الاخيرة في لبنان، بعد ان كانت تلك المشاكل مستترة في ظل «الحكم» السوري للبنان منذ إعلان رئيس الجمهورية الياس الهراوي افتتاح مرحلة «الجمهورية الثانية» في أيلول من العام 1990 بعد التوصل الى اتفاق الطائف قبلها في تشرين الثاني من العام 1989.

ومع حلول العماد عون رئيسا في العام 2016، بدا واضحا انه لن يكتفي بظاهر الصلاحيات وهو «الرئيس القوي» و«الشرعي» مسيحيا. هو احتفظ بموقف رافض للطائف وكابر لفترة طويلة، لكن لم يكن لديه الخيار سوى بمواجهة هذا الاتفاق من «الداخل».

واليوم، يتهم البعض رئيس الجمهورية بتوسل صلاحيات لم ينيطها الطائف به، وليست عملية تأليف الحكومة سوى مثالا على ذلك، وسط الكثير من الاجتهادات في التفسير التي لا تنفع في الظرف الحالي.

ومهما كانت أسباب مأزق البلاد في عملية التشكيل، تبدو النتيجة واحدة في ظرف يحتاج فيه اللبنانيون الى حكومة أكثر من أي وقت مضى.

لا يود الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي زياد بارود الغوص في جدل طائفي مع استعار حرب الصلاحيات، ويصف تفسيره لما يحصل لـ«اللواء» بـ«الدستوري وليس السياسي».

هو يؤكد أن مرسوم تشكيل الحكومة يصدر بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبالتالي طالما أن هذا الاتفاق، وهو سياسي، غائب، فببساطة لا حكومة. يعود الى الآلية الدستورية المعتمدة التي تفرض بحسب المادة 53 والفقرة الرابعة، اتفاق رئيسي الجمهورية والحكومة على هذا الموضوع، وخارج هذا الاتفاق السياسي لا يصدر المرسوم كونه يحمل توقيع الرئيسين، وبالتالي لا يستطيع احدهما ان يتفرد في التشكيل من دون الآخر، وبالتالي فمحكوم عليهما ان يتفقا ولا مفر من ذلك.

لكن في ظل الظرف الحالي، برز سؤال اثار الجدل كثيرا تمثل في المدى الذي تبلغه صلاحية رئيس الجمهورية في المشاركة في عملية التشكيل؟ وهل على رئيس الجمهورية فقط التوقيع أو الاكتفاء بضرب تشكيلة الرئيس المكلف عبر حجب هذا التوقيع الذي لا تبصر الحكومة النور من دونه؟

تُعدد المادة 53 من الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية وفي الرقم 4 من تلك الصلاحيات نص الدستور على أن يصدر رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء «وبالتالي الاصدار هو مفهوم دقيق جدا وليس شكليا». ويتابع بارود مشيرا الى ان رئيس الجمهورية ليس في وضع «الصلاحية المقيّدة». ففي العلم الدستوري هناك ما يشير الى تلك الصلاحية التي تفرض على الرئيس التوقيع في حالات معينة، «لكن هنا لديه صلاحية دستورية كاملة وهو ليس مقيدا بالتوقيع وفي امكانه الاختيار بين التوقيع وعدمه».

يؤكد بارود ان هذا يعيدنا مجددا الى ان الرجلين محكومين بالاتفاق وهذا يعني ان على رئيس الحكومة المكلف بحث الموضوع مع رئيس الجمهورية والعكس صحيح، فلا يستطيع رئيس الجمهورية فرض تشكيلة ما على رئيس الحكومة، لذا فالتشكيل مشترك في الاتجاهين خاصة وان رئيس الحكومة لا مدة لديه في تقديم التشكيل. من هنا فإن المسألة قد تظل عالقة لمدة طويلة، «وهناك في العلم الدستوري ما نسميه بالمهلة المعقولة وهي مهلة تخطيناها، ولا عواقب لها».

لا قوة دستورية تجبر الحريري على الاعتذار

ثمة سؤال يطرح نفسه هنا حول الدور الذي من الممكن لمجلس النواب ان يقوم به وقد طرح البعض ان يوجه رئيس الجمهورية رسالة الى المجلس النيابي يطالبه بالتحرك ازاء الفراغ الحاصل.

ويجيب بارود على هذا السؤال بالتأكيد أن المجلس لا يستطيع التصرف، واذا كان هو الذي سمى رئيس الحكومة، فإنه اليوم لا يستطيع سحبها. ويشير الى ان هناك نظريات دستورية تقول إن رئيس الجمهورية، كما سمى رئيس الحكومة، فهو يستطيع سحب هذا التكليف. وطرح البعض صلاحية رئيس الجمهورية في إطار «موازاة الأشكال والصيغ» التي يستطيع عبرها سحب مثل هذا التكليف، لكن بارود يشدد على ان هذا الامر غير ملحوظ في الدستور ويتطلب نقاشا طويلا.

والخبير الدستوري لا يؤيد النظريات التي لا «سابقة» لها وليست نقاشاتها محسومة. ويرد بسؤال حول رسالة ممكنة من قبل الرئيس عون: ماذا بعد توجيه رئيس الجمهورية رسالة الى مجلس النواب، ماذا سيحدث؟

قد يكون الحل الوحيد كما يريد مقربون من الرئيس عون، ان يعتذر الرئيس الحريري عن تكليف الحكومة. يقول بارود الذي يقدم رأيه «دستوريا»، فإن الرئيس المكلف قد يختار الاعتذار لكن هذا قرار يعود إليه وهي صلاحية يحتفظ بها وتقع في اطار حريته، لكن الدستور يسمح له في ان يستمر في التكليف الى ما شاء الله.

والواقع ان هذه المشكلة ستلد مشاكل دستورية أخرى ذات مكمن سياسي، فهل تعمّد المشرعون في الطائف تضمين اتفاقهم تلك الثغرات أم أنها جاءت بغفلة عنهم؟

يستعير بارود قولا للفنان زياد الرحباني: الواقع أنه يجوز الوجهان. ويتابع: قد يكون هناك ما هو مقصود مثلما قد يكون هناك ما لم يتم الانتباه له، فمن يكتب الدستور لا يستطيع ان يتخيل ما يمكن ان تؤدي اليه كل الاحتمالات التي قد تحصل بعدها، وهو أمر مؤسف ففي دساتير العالم وفي ديمقراطيات عريقة جدا ليس هناك نصوص وضوابط لكن القوانين تسلك طريقها الى التنفيذ بدقة.

وهو يختم بدعابة: على الطريقة اللبنانية، مهما وضع اللبناني نصوصا واضحة فهو سيهتدي الى طريقة للالتفاف عليها.. ويأسف «لكون المجلس الدستوري قد حجبت عنه صلاحية تفسير الدستور مع انه تم نقاشها في الطائف وهذه واحدة من مشاكلنا في البلد. لكن الموضوع هو فعليا في صلب السياسة أكثر مما هو في النص الدستوري».