IMLebanon

النفط العراقي… خطوة أولى على طريق تطويق “مافيا الفيول”

كتبت كلير شكر في صحيفة نداء الوطن:

بعد أكثر من ستة أشهر، وافقت الحكومة العراقية يوم الثلثاء الماضي “على بيع 500 ألف طنّ من زيت الوقود الثقيل إلى لبنان واسترداد قيمتها على شكل سلع طبيّة وأدوية وخدمات استشارية، وذلك في إطار مشروع لتجارة زيت الوقود الثقيل بين العراق ولبنان أصولياً لمدة سنة واحدة”.

هذا يعني أنّ أمام لبنان فرصة ذهبية للاستفادة من العرض العراقي، لتأمين أولاً الفيول حاجة مؤسسة كهرباء لبنان بكلفة السعر الأدنى، وقطع الطريق ثانياً أمام مافيا الفيول ومنظومتها السياسية التي امتصّت الخزينة العامة طوال عقود من الزمن. ولكن هذا الواقع المرتجى لا يزال متوقفاً على القدرة على تنفيذ قرار الحكومة العراقية وتحويله إلى اتفاق عملي ينقذ لبنان من العتمة… والسرقة المقوننة.

وفور صدور القرار، أبلغ مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي شارك مع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، في إجراء المفاوضات مع الجانب العراقي خلال زيارة قاما بها في العشرين من كانون الأول الماضي إلى بغداد، رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بمضمون قرار الحكومة العراقية، فيما توجّه غجر إلى قصر بعبدا لإطلاع رئيس الجمهورية ميشال عون على تفاصيل الإجراء.

في الواقع، لا يزال أمام تحوّل هذا القرار إلى اجراء فعلي، الخطوة الأهم وهي التفاهم على الآلية التنفيذية التي يفترض أن تشمل مسألتين: كيفية معالجة الفيول وطريقة التسديد، إذ إنّ النفط المقدّم من العراق غير متناسب مع مواصفات الفيول المستخدم في معامل انتاج الطاقة في لبنان، ولذا يُنتظر أن يتمّ التفاهم على آلية استبدال كميات الخام العراقي بنوعية مطابقة للمواصفات التي يشترطها مشغّلو المعامل في لبنان. ويتردد أنّ هناك أكثر من اقتراح في هذا المجال، منها أن يسمي العراق بنفسه شركة تقوم بعملية الـSWAP، أو أن يجري لبنان مناقصة لتحديد الشركة.

أما في النقطة الثانية، فإنّ الحكومة العراقية، كما وعِد رئيس حكومة تصريف الأعمال أثناء زيارة الوفد العراقي إلى لبنان في تموز الماضي، تسعى لمساعدة لبنان في أزمته النقدية والمالية وبالتالي هي ستقدّم كل التسهيلات الممكنة للتخفيف من العبء المالي. وقد أبدى الوفد يومها “رغبة بغداد بالوقوف إلى جانب بيروت في هذه الأزمة، واستثمار الموارد المتاحة. وترجمة هذا الدعم هي الوصول إلى “تفاهمٍ” بين الطرفين، يتيح للبنان بأن يُصدّر منتجاته الزراعيّة إلى العراق، مقابل تلبية الحاجات النفطيّة اللبنانيّة”. وبالفعل، فقد أشار بيان الحكومة العراقية الصادر منذ يومين إلى أنه سيكون استرداد قيمة الفيول “على شكل سلع طبيّة وأدوية وخدمات استشارية”. وهذا التعاون سيحتاج إلى آلية تنفيذية لا تزال غير واضحة المعالم.

على هذا الأساس، يُنتظر أن يتوجه حسان دياب إلى بغداد للتوقيع على سلسلة اتفاقات تعاون تترجم قرار الحكومة العراقية لتبدأ مرحلة التنفيذ، اذا لم تواجه مزيداً من العراقيل، حيث بدأت دوائر السراي الاعداد للزيارة لتكون في وقت غير بعيد، خصوصاً وأنّ المواكبين لهذا الملف يؤكدون أنّ القرار الصادر عن الحكومة العراقية محدد بسنة واحدة، لكنه وفق الاتصالات بين الجانبين قابل للتجديد ولتوسيع نطاقه. وفي حال نجحت الحكومة اللبنانية في مواجهة اخطبوط الفيول عبر نقل قرار الحكومة العراقية من الورق إلى الواقع، فقد يصير البحث عن شركة بديلة عن “سوناطرك” و”كي بي سي” مسألة ثانوية خصوصاً وأنّ دفتر الشروط الذي تعده وزارة الطاقة لإجراء المناقصة، لا يزال معلّقاً عند النقطة الخلافية الأخيرة التي وقعت بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات حول طبيعة الشركات التي يحقّ لها المشاركة في المناقصة المرجوة، وتحديداً لجهة امكانية السماح للشركات اللبنانية بدخول المناقصة.

وقد علِم أنّ رئاسة الحكومة التي لجأ إليها الطرفان لمعالجة الخلاف، لم تعط بعد جوابها، أو بالأحرى تفسيرها للقرار الصادر عن مجلس الوزراء في حزيران الماضي والذي ينصّ على “الطلب إلى وزير الطاقة والمياه وخلال مهلة أقصاها شهر من تاريخه، استطلاع موقف الدول التي تريد التعامل مع الدولة اللبنانية لشراء المحروقات، فيول أويل وغاز أويل، وإطلاع مجلس الوزراء على النتيجة لاعتماد آلية المفاوضات المباشرة من دولة الى دولة ومن دون أي وسيط، وضمن القرار نفسه، ثانياً: تعديل قرار مجلس الوزراء رقم 7/‏‏‏2020، بتاريخ 19/‏‏‏3/‏‏‏2020 لجهة ما ورد فيه أن تكون الصفقة من دولة إلى دولة ومن دون أي وسيط بحيث تصبح الصفقة من خلال مناقصة دولية تشترك فيها شركات نفط وطنية وعالمية”.

في هذه الأثناء، تستعين وزارة الطاقة بآلية العقود الفورية المعروفة باسم Spot Cargo وقد اجرت إلى الآن مناقصتين لتأمين الفيول Grade A وGrade B، حيث أعلن غجر أنّ الوزارة تمكّنت “من تحقيق بكلّ شحنة سعة 35 ألف طن، وفراً بحدود نصف مليون دولار”، ما يعني توفير حوالى مليونيّ دولار شهرياً. هذا فضلاً عن الوفر الممكن تحقيقه نتيجة التلاعب بأسعار النفط عبر تغيير بوالص الشحن.