IMLebanon

تخوّف من إعادة نظر “فايزر” بإرسال اللقاح

كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة نداء الوطن:

إستدراكاً لما قد يثيره العنوان أعلاه من ردود فعل وبيانات نفي أو استنكار، ينبغي التوضيح مسبقاً أنه ليس لمقالاتنا علاقة بمتاهات الأخذ والرد، وإنما هي مجرّد متابعة علمية عن كثب لأداء وزارة الصحة العامة في ملف “التعاطي مع جائحة كورونا”، تخوّفاً مما يرد من معلومات مؤسفة حول ضبابية الأمور عند فريق “الصحة”، وترجيح سيناريو يتخوّف من إحتمالية “إعادة نظر شركة فايزر بإرسال اللقاح إلى لبنان بحسب الجدول”، بخاصة مع عدم اكتمال تحضيرات حملة التحصين الوطنية!

ما يدور في خفايا كواليس “الصحة”، أنه وفي حال استمرت الحال على ما هي عليه من غموض وعدم وضوح لوجستي عند فريق الوزارة، لا بد من التحضّر نفسياً لسيناريو “تأجيل” محتمل لتنفيذ حملة التلقيح وتسليم لقاح “فايزر” إلى لبنان، مما لن يؤثر على جداول التطعيم فحسب بل يقلل أيضاً من مصداقية الوزارة وتعاملها مع عملية التحصين. فعادةً ما تتخوف الشركات العالمية كفايزر-بيونتيك من تسليم لقاح كورونا بهذه الحساسية ليوضع في التخزين أو تنخفض فعاليته في سلسلة تبريد ونقل غير مكتملة أو في عملية تلقيح غير فعالة، وتفضل بالمبدأ أن تعطيه لبلدان قادرة على القيام بذلك والاستفادة الفورية من اللقاح. فماذا يواجهنا اليوم في هذا الملف الدقيق؟

ثغرات مهمة

من المواقف البالغة الدلالة على استنسابية وزارة الصحة وعدم عدلها، أنه وفي خلال حلقة تدريبية جرت البارحة في أحد مكاتب الوزارة تناولت حملة التحصين ضد “كورونا”، تبيّن أن الحضور من الصيادلة والمتطوعين كانوا في غالبيتهم من الهيئة الصحية الإسلامية التابعة بشكل مباشر لـ”حزب الله”، وأنه لا وضوح حول توافر وسائل نقل اللقاح المبردة والمسؤول عنها، ولا إبر متوافرة لإعطاء اللقاح حتى الآن. شفافية مطلقة في التخبّط وترك المعنيين بالتدريب بلا معلومات واضحة حول أي شيء وكل شيء.

في التفاصيل، بدأ يتضح أن ثغرات عملية تشوب حملة توزيع اللقاح المضاد لفيروس كورونا، من قبل وزارة الصحة، ومن يظن أن شركة “فايزر” لا تراقب فهو مخطئ حتماً. فالثغرة الأولى تتعلق بعملية إيصال اللقاح إلى مراكز التلقيح، وهنا يدور جدل كبير حول ما إذا ستكون وزارة الصحة هي المسؤولة عن توصيل اللقاح إلى المراكز الصحية للتطعيم (الشحن الداخلي المبرّد) أو أنه ستُترك هذه الجزئية، أي عملية نقل اللقاحات، للمراكز الصحية التي تم تعيينها في الخطة، وهي غير كافية وستكون بحسب التقرير الأخير بين 28 و32 مركزاً على مستوى المحافظات. وهنا لا بد من الإشارة الى أنه إذا أرادت وزارة الصحة أن تحصر قرار إيصال وتوزيع اللقاح بيدها وتحت سلطتها، ضماناً لمراقبة نوعية اللقاح، عليها أن تكمل ما بدأته وتقوم الوزارة بتسليم اللقاح إلى المراكز الصحية بواسطة برادات مبردة تبريداً صحيحاً، وهو ما تكلم عنه مندوب “فايزر” خلال المحاضرة.

أما الثغرة الثانية، والتي سأل عنها الحاضرون لحصة التدريب من دون الحصول على أجوبة وافية من المدرّبين، حول ما إذا كانت وزارة الصحة هي التي ستؤمن كميات “الإبر” و”المحلول” المطلوب للاستخدام في عملية التلقيح؟ بحيث إن لم تتوفر نوعية معينة من الإبر للتلقيح، سيدخل لبنان في دوامة جديدة من المشاكل وسنواجه تأخيراً في الجدول الذي يدور بالأساس حول نوعية الإبر المطلوبة.

وبحسب خبراء متابعين، يواجه صانعو الحقن ومنتجو المعدات الطبية الأساسية اليوم سباقاً مع الزمن، لتلبية الطلبات التي يمكن أن تكون حاسمة لنجاح برامج التلقيح الشامل حول العالم وليس فقط على صعيد لبنان. فالإبر المطلوبة تتيح دقة معينة في التلقيح أو التحصين، وهي التي تحدد الجرعة والكمية التي تدخل إلى الجسم. ففي الأصل، تمّ تصميم كل قنينة من لقاح كورونا من شركة “فايزر” لتحتوي على خمس جرعات، لكن بعض الصيادلة أفادوا بأنه يمكنهم استخراج ست جرعات عند استخدام محاقن معينة.

ونتيجة لذلك، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على ملصق محدث ينص على ما يلي: “يمكن استخدام الحقن و/ أو الإبر ذات الحجم الميت المنخفض لاستخراج ست جرعات من قنينة واحدة. وفي حال استخدام المحاقن والإبر القياسية، فقد لا يكون هناك حجم كافٍ لاستخراج جرعة سادسة من قنينة واحدة”. وعليه نستنتج أن موضوع الإبر ليس موضوعاً صغيراً، وبحسب أحد الصيادلة الذين حضروا التدريب فإن “نوعية الإبر مهمة كي لا نعطي أقل من الجرعة المطلوبة ولا أكثر، وإلا لن تكون النتيجة إيجابية. فإذا أعطينا جرعة أكبر نواجه هدراً وخسارة للقاح أو حتى تعريض صحة المواطن للخطر”.

الهيئة الإسلامية تتصدر

أما الثغرة الثالثة، فهي الحضور الكثيف لمندوبي الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لـ”حزب الله” في دورات التدريب التي تقوم بها شركة “فايزر” مما يثير الريبة تجاه وزارة الصحة، والنوايا بالتوزيع العادل بدءاً من التدريب. فبحسب الحضور، تمت دعوتهم مع عدد بسيط من الصيادلة “المحايدين” وبعض المتطوعين الى هذه الدورة التدريبية، وكما بدا أن اعداد المهتمين بالتطوع محدودة لسبب ما وهذا قد يشكل عائقاً أمام توسيع نطاق الحملة. أما الوجود الكثيف لمتطوعي الهيئة الصحية، وعزل فريق الصليب الأحمر اللبناني كلياً عن خطة الوزارة في التدريب، جعل وجود بقية الحضور يبدو شكلياً، وأقرب إلى الصورة التي انتشرت منذ مدة في المطار. وهنا نسأل ألم يكن بالإمكان توسيع المشاركة وتنويعها بشكل أكبر؟ ولماذا الإصرار على حصر كل ملف الصحة في السياسة والتحازب بطائفة معينة دون أخرى، تماماً كما جرى في موضوع الإستنسابية والطائفية في توزيع السقوف المالية للمستشفيات..؟ فهل باتت الصحة اليوم عبارة عن “التوقيع الرابع”؟

أما المريب فهو عدم إعطاء أجوبة كافية للحضور، وكأن اللقاح قادم خلال أشهر في حين أنه، وبحسب الوزارة، سيصل خلال أسابيع. ويبدو أن الضياع الحاصل بعدم وضوح التوجه حول من سيستلم موضوع التوزيع المبرد للقاحات “فايزر” سيؤدي الى المزيد من التأخر، كما يلفّ الغموض مصير النفايات الطبية كمخلّفات كيميائية التي ستنتجها المراكز الخاصة بالتحصين. فسأل صيدلي: “هل مثلاً سيكون المركز أو المستشفى هو من سيذهب الى وزارة الصحة أو مركز التوزيع ليحصل على الكميات المخصصة له، أم أن وزارة الصحة سترسل الى المراكز مركبات مبردة للتوزيع؟ ومن سيؤمن الإبر الخاصة باللقاح التي تحدد حجم الجرعة؟” والإجابة أتت “لا نعلم”! وعليه نفترض أنه لم تُحدد حتى الساعة أي سلسلة تبريد متكاملة، ومتجانسة وفي حال التخطيط لوضعها في الثلاجات في بعض المراكز، لا أحد يعلم من سيؤمن كميات الثلج المطلوبة، ولا من سيدفع ثمنها، ومن غير الواضح ما إذا تم تأمين كميات الإبر اللازمة والسائل المطلوب لتذويب اللقاح.

وفي ذروة هذه الفوضى، كان من الواضح ان العمل الجاري للتحضير غير مكتمل وبطيء وكان يجب أن يبدأ منذ أشهر، وهذا مؤشر إلى أن أعداد اللقاحات المتوقعة في الأشهر القليلة المقبلة لن تكون كبيرة. فهذه الدورة كانت لتدريب المدربين لكي يدربوا بدورهم الطاقم الصحي الذي سيعطي اللقاحات وذلك سيتطلب وقتاً ومجهوداً كبيرين، ناهيك عن أن جلسات التدريب تجرى في جلسة واحدة وقاعة صغيرة غير كافية (حتى ولو قامت المستشفيات بتدريبات لأطقمها على حدة)، ومن المفترض أن يكونوا اليوم على قدر واف من الجهوزية والتحضير، كي ينفذوا التعليمات وتدريباتهم الحرفية فور وصول اللقاح الى عموم المناطق اللبنانية في خلال 3 أسابيع فقط، وهو وقت غير كاف للوصول إلى كافة المستهدفين بعدل ومن دون استنسابية ولا طائفية كما يبدو.

وتيرة قاتلة

وسط كل التطمينات الصادرة عن وزارة الصحة، على المواطن أن يعي أنه منذ 20 شباط 2020 إلى الأول من كانون الثاني 2021، كان لدينا 1466 حالة وفاة، وبين الأول من كانون الثاني 2021 حتى الأول من شباط 2021 وصلنا إلى 1679 حالة وفاة، أي خلال شهر واحد فاق عدد الوفيات العدد المتراكم خلال سنة كاملة. وإذا استمرينا على هذه الوتيرة، ومن دون لقاحات، قد يموت 4000 شخص خلال الشهرين القادمين بسبب تأخر اللقاحات المتوقع حتماً والفوضى في إدارة أزمة الكورونا، والقطاع الخاص ما زال معزولاً عن استيراد اللقاح بانتظار وصول لقاحات وزارة الصحة المحدودة! هي إبادة كان يمكن تفاديها. فمن المسؤول عن الصحة؟

ولسنا هنا بصدد رسم لوحة تفصيلية للمآسي والمواجع، بدءاً من عدم وجود أرقام دقيقة حول الوفيات بفيروس كورونا على أسرّة منازلهم، ولا الشعور بمفاضلة وزارة الصحة لمجموعة معينة من المواطنين على سائر الشعب، بل لإلقاء الضوء على أهمية إشراك القطاع الخاص ورفع عدد مراكز التلقيح ووضع رقابة مستقلة على تطبيق الإجراءات، وشمل شريحة أكبر من قوقعة “الهيئة الصحية الإسلامية” في آليات التدريب والتلقيح، بما يضمن لامركزية في التوزيع الجغرافي لمراكز التحصين بحسب التوزيع السكاني والكثافة السكانية والإمتداد الجغرافي، والتأكد من تواجد المراكز ضمن الأقضية وليس فقط على مستوى المحافظة أو ما تيسر من مراكز، ليتمكن أكبر عدد من الناس من الوصول اليها في المناطق الساحلية والجبلية والداخلية، وطرح نظام متابعة مستقل لرصد وتسجيل العوارض الجانبية اللاحقة في المواءمة بين كل المراحل قبل فوات الأوان!