IMLebanon

عودة: الحكام همهم الحصص والمكاسب والثلث المعطل!

سأل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة: “هل في بلدنا، بين المسؤولين، من يعمل للمصلحة العامة؟ لا نرى أمامنا سوى متقاعسين في المحبة، ومستميتين في القهر والتنكيل ونشر البؤس واليأس. الوباء متفش بين الشعب، لكن مرضا خبيثا آخر يفتك به، يدعى الأنا، أنا الحكام التي تتحكم بمصير شعب ورزقه وحياته وصحته. الشعب جائع، لكن التشبث بالرأي والتعلق بالمصلحة ونشر البيانات والبيانات المضادة أهم بالنسبة إلى حكامنا من إشباع البطون الخاوية. الموت طال معظم بيوت وطننا إما بسبب كارثة 4 آب أو بسبب الجائحة أو الفقر والعوز، لكن مسؤولينا منشغلون بأنفسهم يعيثون فسادا وحقدا. اللبنانيون مقهورون، والحكام همهم الحصص والمكاسب والثلث المعطل، ألا يكفي تعطيل تشكيل الحكومة، وتعطيل حركة البلد وشلها؟ كم بيت يجب أن يهدم بعد؟ كم شاب أو شابة يجب أن يهاجرا بعد؟ كم جريمة يجب أن تقترف بعد؟ كم من الوقت المهدور أو الفرص المهدورة أو كم مواطن ينتحر أو كم طفل يقهر يلزمنا بعد لتحرك ضمائر المسؤولين وتدفعهم إلى عمل إنقاذي سريع؟ لبنان جريح وليس من يضمد جراحه لأن حكامه لا يريدون القيام بأي شيء لنجدته. هم لا يرحمون لبنان ولا يريدون رحمة الله عليه، لأن تعنتهم يمنع أي مساعدة خارجية له”.

وأضاف، في عظة الأحد: “ستة أشهر مرت على كارثة 4 آب والحقيقة لم تنجل بعد. إنفجار هز العالم ولم يحرك ضمائر المسؤولين، وما زال ذوو الضحايا المفجوعون بفقدان أحبائهم ينتظرون معرفة الحقيقة، وما زالت بيروت مدينة يسكنها الموت، أحياؤها مدمرة، وشوارعها قد هجرها أهلها والحياة. إلى متى التقاعس واللامبالاة؟ ستة أشهر مرت وما زلنا بلا حكومة توصل الليل بالنهار عملا وكدا من أجل إنقاذ ما تبقى من لبنان. والمسؤولون يقاومون كل الدعوات العقلانية في الداخل وفي الخارج من أجل تخطي المصالح وتشكيل حكومة قادرة على القيام بخطوات إصلاحية حقيقية تنتشل البلد من مصيبته. أين الضمير؟ أين الرحمة؟ سلمكم الرب وزنة واحدة هي قيادة هذا البلد. ماذا فعلتم بها؟ لقد طمرتموها وخنقتموها. كيف ستواجهون ربكم يوم الدينونة، وقد لا يكون بعيدا لأن الجائحة تحالفت معكم على زرع الموت”.

وتابع: “الرئيس، أي رئيس، والمسؤول، أي مسؤول هو للوطن لا لجزء منه. على الرئيس أن يكون أكبر من الرئاسة، يغنيها بأخلاقه وحكمته وثقافته ونزاهته وأمانته، ولا يستغلها من أجل مصلحته الخاصة أو مصلحة طائفته أو عشيرته أو حزبه أو عائلته. كذلك المسؤول، أي مسؤول، هو خادم للوطن يبذل قصارى جهده من أجل القيام بواجبه بنزاهة وأمانة وتضحية، متخطيا مصالحه وعلاقاته وارتباطاته، لا يستغل مركزه من أجل جني الأرباح أو تحقيق المكاسب أو التشفي والإنتقام. أين نحن من هذا؟ أليس حري بنا التحسر على أيام مضت عرف لبنان خلالها رجالات ضحوا بأموالهم وحياتهم من أجل لبنان؟ أما نحن، فبعد إغتيال العاصمة ها نحن نشهد سلسلة اغتيالات كان آخرها منذ يومين. لم إسكات الناس؟ لم كم الأفواه؟ وهل إخماد الأصوات الحرة يطفئ جذوة الحرية ويخنق صرخات الناس؟ ليس بالقتل وإسكات المفكرين وقادة الرأي تتم الغلبة. الغدر دليل ضعف. واجهوا الآخر بالفكر، قارعوا الحجة بالحجة. إن حرية الرأي حق كفله الدستور، والحوار أفضل طريق للاقناع. قدرنا في هذا البلد الإلتقاء والحوار، وقبول الآخر بداية الطريق. لبنان الكرامة والحرية والتنوع يرفض كم الأفواه وكبت الحرية، ويصعب تكبيله بسلاسل الجهل والتقوقع والانعزال. لبنان المدافع عن حقوق الإنسان، هل يجوز أن يخسر فيه مواطنوه حقوقهم؟ وهل يرتضي لبنان الذي ساهم في وضع شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن تنتهك حقوق الإنسان فيه، وحريته وكرامته وحياته؟”

وقال: “المطلوب كشف القاتل ومحاكمته، وكشف حقيقة جريمة المرفأ وكافة الجرائم، ومصارحة الشعب. إن التمادي في التغاضي عن مرتكبي الجرائم، والإفلات من العقاب نتيجة غياب التحقيقات الشفافة والجدية، بالإضافة إلى تفلت السلاح، سبب ما وصلنا إليه من فوضى وتسيب وانهيار. فلكي لا يقال إن الطبقة الحاكمة تحمي الفاسدين والمجرمين، المطلوب عمل سريع وجدي. توقيف فاسد واحد أو مجرم واحد يكفي لردع من تسول له نفسه الإخلال بالقانون أو ارتكاب جريمة. العالم ينعتنا بالدولة الفاشلة، المفلسة، المشلولة وغير الفعالة، الدولة التي فقدت شرعيتها وثقة شعبها. ولبنان الذي كان المدافع الأول عن قضايا العرب في أروقة الأمم المتحدة، والناطق باسمهم، بات دولة معزولة يستجدي عطف العرب والعالم. ألم يحن الوقت لكسر الطوق الذي يكبل المسؤولين ويمنعهم عن القيام بواجبهم؟ ألم يصح ضميرهم بعد؟ ألم يلاحظوا غضب الشعب العارم؟ ألم يشعروا بعد بضيق الشعب وفقره وألمه؟ ألم يحن الوقت لتحل الجرأة في نفوسهم؟ والجرأة تتجاوز كل ضعف وخوف. الخوف المقيت هو أن يصبح اللبناني عبدا، والعبودية ذل. المطلوب من اللبناني أن يدافع عن حق الوطن وحق أبنائه”.

وختم عودة: “مثل الوزنات يدعونا إلى العمل الجدي، مهما كان شاقا، لأن التخاذل والكسل واللامبالاة أمور تودي بصاحبها، وبجميع من حوله، إلى الهاوية”.