IMLebanon

المياه “أخت” الكهرباء… في الهدر والفساد

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

المخالفات المالية المرتكبة في وزارة الطاقة والمياه وتحت رعايتها، مسلسل لا ينتهي. والأخطر منها تلك التي يغطيها الوزير أو مفوضو الحكومة، بإيعاز أو تغطية أو بغض نظر منهم. كل هذا يجري في ظل صمت الأجهزة الرقابية حيالها، على الرغم من علمها بها. لا سيما في ظل ورود إخبارات مباشرة أو غير مباشرة تنشر عبر التقارير، ووسائل الإعلام.

سؤالٌ بديهي يتكرر على مسامع الرأي العام، من مسؤولين في الأجهزة الرقابية والإدارية، عن أسباب استشراء الفساد بهذا الحجم والتمادي فيه وتسببه بانهيار مالية الدولة. والأفدح أنهم يبحثون عن إنشاء هيئات وصيغ رقابية جديدة تصطف “متفرجة”، إلى جانب القديم منها، لتشكل طبقة حماية إضافية للهدر والنهب برعاية الوزراء وفسادهم.

الأجهزة الرقابية غائبة عن السمع

من يتابع شؤون “مغارة” وزارة الطاقة و”الأربعين مستشاراً”، “يلاحظ من دون عناء إطلاق المناقصات من منصات وهيئات لا صفة لها ولا صلاحية. أو حتى من خلال مؤسسات عامة كالكهرباء والمياه الخاضعة لوصاية الوزير مباشرة”، يقول أحد المتابعين لملف الطاقة. “حيث تُلزّم الصفقات بالتراضي، أو شبه التراضي، نتيجة تفصيل دفاتر الشروط على القياس. أو تعمّد عدم إنجاح استدراجات من خلال عدم تجديد لوائح المتعهدين، بحيث تفشل او يتم تمديدها مرتين متتاليتين لينطبق عليها شرط إمكانية إجرائها بالتراضي”. والمثير للتساؤل هو عدم تحرك الأجهزة الرقابية والمتمثلة تحديداً بالتفتيش المركزي، وذلك على الرغم من كل الأخبار والإخبارات. حيث يتذرع القيمون على التفتيش بمبررات الأولوية الواهية ويتحدثون عن عدم كفاية أعداد المفتشين ووقف التوظيف، وينصرفون إلى الاهتمام مرة بساعات الدوام والتسلسل الإداري، ومرة بإطلاق منصات جمع المعلومات، فيما المطلوب واحد: ملاحقة المخلّين والمفسدين.

وبحسب المصدر فان “هناك استنسابية في التفتيش المركزي في فتح الملفات “المتوازنة” طائفياً، والمدوزنة على وقع إرضاء “تيار” أوكله بمهمة، وحدد له هامش حركته ونطاق تحركه، وليس وفق أهمية وحجم مخاطر هذه الملفات، أو وفق معايير إضافية موضوعية أخرى، قد تكون مفيدة في هز العصا الغليظة في وجه كبار المرتكبين ليخاف الصغار، وليس العكس”. وهذا ما يمكن الركون اليه من خلال تعطيل هيئة التفتيش لسنوات والامتناع عن دعوتها للانعقاد بالرغم من تعيين مفتش مالي عام جديد. في المقابل “نسمع رئيس التفتيش يعلن عبر وسائل الإعلام عن تحفظه عن إبداء أسباب هذا التعطيل صراحة، ليبقى سراً أبدياً محفوراً يتلاشى من دون فائدة في عالم الغيب”، يقول المصدر. “والفساد يستشري على مرأى منه ومن غيره من الأجهزة الرقابية، كلّ ضمن اختصاصه وصلاحيته”.

مفوضو الحكومة ليسوا أحسن حالاً

الأمور لا تقف عند حدود أجهزة التفتيش بل تطال المراقبين في الإدارات، أي مفوضي الحكومة. وبدلاً من المحافظة على حسن سير الإدارة وتبليغ الجهات المعنية عن المخالفات “يعمد مفوضو الحكومة ضمن إداراتهم إلى استلام خدمات إستشارية مخالفة للعقد خارج الصلاحية من دون التأكد من التنفيذ، وخلافاً لتوصية ديوان المحاسبة”، يقول المصدر. “ومن الامثلة: تمادي مفوض الحكومة لدى كهرباء لبنان في توقيع تعويضات نقل على مهام وهمية بهذه الصفة وبناءً على مستندات غير صحيحة، بعضها موقع ومختوم على بياض، ومن دون وجود أوامر مهمة قانونية. حيث تشارك مفوض الحكومة نفسه مع موظف آخر يتولى أيضاً مهمة مفوض حكومة، في لجنة شكلها الوزير من دون علم الرئيس المباشر، وجرى توقيع محاضر، اعترضت عليها مؤسسة كهرباء لبنان بسبب غياب ممثليها وأدت الى خسارة المؤسسة دعوى قائمة لدى مجلس الشورى وتكبيدها مليارات الليرات”.

المخالفات في المياه

الفضائح لا تقتصر على الكهرباء بل تمتد إلى المياه أيضاً. حيث يجري التحضير في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان لارتكابات جديدة لا تمت إلى حسن الإدارة بصلة. وبحسب المصدر المطلع “جرى العمل في المؤسسة على تحييد موظفة مرشحة تتوفر فيها الشروط القانونية لتولي مهمة المحتسب المالي للمؤسسة بالوكالة بعد شغور الوظيفة، واستبدالها بمستخدم مختص بالمعلوماتية لا يستوفي الشروط القانونية”. والهدف من ذلك برأيه “ضمان تغطية المخالفات المالية والهدر والعمولة والكسب غير المشروع على حساب المال العام، من خلال الجمع بين المسؤولية عن كامل النظام المعلوماتي والمسؤولية عن الحسابات والخزينة، وتعطيل الضوابط وشل الرقابة الداخلية”. في المقابل “تسكت مفوضة الحكومة في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان عن مخالفة خطيرة تمثلت بدفع مبلغ يتجاوز العشرة ملايين دولار تعويضاً عن أضرار غير مثبتة وغير مبررة، خلافاً للأصول ومن دون مراعاة موجب التحقق من توجبها وتحديد قيمتها. هذا إذا كانت هناك أضرار، لا سيما وأن هناك مؤشرات حول وجود مصلحة شخصية لمدير عام المؤسسة ورئيس مجلس إدارتها وصرف نفوذ”. والأخطر في ذلك برأي المتابعين والمطلعين في المؤسسة هو: “شراء صمت مفوضة الحكومة حول المخالفة، لقاء تسجيل أحد أفراد عائلتها على جداول رواتب اليد العاملة الشهرية، ومن ثم نقله إلى “لائحة مشفرة” عند انكشاف السر وشيوع الخبر. هذا فضلاً عن محاولة الحصول على موافقة ضمنية غير صريحة على دفع مبلغ العشرة ملايين دولار المذكورة، وذلك بتمريره خلسة ضمن قرار مجلس إدارة مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان رقم 17 تاريخ 16/1/2020، المتعلق بتصديق صفقة تقديم يد عاملة مختلفة للعام 2020 لدى المؤسسة. هذا وقد أعدت مفوضة الحكومة مشروع كتاب بالموافقة على القرار متجاهلة المخالفات التي ينطوي عليها ومتجاهلة ملاحظات المدير العام في الوزارة”.

الأخبار بمثابة إخبار

هذه المعلومات، عن مختلف المؤسسات الخاضعة لوصاية وزير الطاقة و”مونته” وتأثيره كالقاديشا والمنشآت، تعتبر بحسب معنيين “بمثابة إخبار للأجهزة الرقابية ولرئيس التفتيش المركزي، الذي حصر مراسلات وشكاوى الإدارات والإخبارات بشخصه ليتحكم بمسارها الداخلي، فـ”تنام” منها “ألوان” تستهويه وتفتح أخرى مكلف بمناكفتها.

ولتبدأ التحقيقات من آخر الأخبار حول المخالفات الناتجة عن عقد كهرباء لبنان مع كهرباء زحلة بعد مرور مدة السنتين المحددة له بموجب القانون 107/2018، ووضعه موضع التنفيذ من دون موافقة وزارة المالية واعتراضها على عدة بنود جوهرية منه”. وفي السياق نفسه يتساءل المصدر عما “إذا كان التفتيش المركزي قد أنجز مسح أضرار في الإدارات والمؤسسات العامة. وما هو مصير الوحدة التي أوجد لها العديد والتمويل اللازمين، ومن دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة لذلك؟ لكي تعمل على تحليل وتقييم الأضرار بوجود اللجنة المقرر تشكيلها من الجيش اللبناني والوزارات المختصة بموجب القانون 194/2020. أما كان الأجدى صرف جهود التفتيش المركزي على البت بملفات الإهمال والفساد في الجمارك، وكهرباء لبنان، والمستشفيات الحكومية… وغيرها من المخالفات والممارسات التي تستنزف المال العام وتمعن في تدمير أركان القطاع العام؟

أمام ما تقدم تظهر الحاجة الماسة إلى التدقيق الجنائي قبل فوات الأوان. فان يأتي التدقيق متأخراً، قد يعني فقدان المستندات بسبب الحرائق، أو تطايرها من النوافذ، وبعثرة ما يتبقى لطمس المخالفات وإخفاء الأدلة. وذلك على نحو ما حصل في مؤسسة كهرباء لبنان التي باشرت باستثمار نتائج إنفجار المرفأ.