IMLebanon

حرب العصر… اغتيالات معنوية بالجملة!

تأزّمت حالة وزير الصحة العامة الدكتور حمد حسن الصحية ليل أمس، بعد تلقّيه لقاح فايزر المضاد لفيروس كوفيد-١٩، ونُقل على الأثر إلى مستشفى الجامعة الأميركية حيث يوضَع حاليًا تحت المراقبة. وقد أكّدت مصادر مطّلعة وصول دفعة من اللقاح إلى لبنان بشكلٍ غير معلن قبل الموعد المُحدَّد، وإصرار الوزير حسن على أن يكون أول من يُحقن به!

لحسن الحظ هذا الخبر عارٍ من الصحة، وهو يشكّل مثالًا لعشرات الأخبار الزائفة التي تنتشر يوميًا ويترك بعضها آثارًا لا تُحمد عُقباها، في نفوس المتلقّين وعلى الجهات المُستهدفة.

Fake News أو الأخبار الزائقة: إنّها حرب العصر

تعاني المجتمعات كلها انتشار الشائعات، وهي ظاهرة بدأت تدخل في صميم عمل التنظيمات السياسية والمخابراتية، حيث تأكّدت فعاليتها في تغيير الأحداث في أمكنة وأزمنة محددة. لطالما كانت تُشَنّ الحروب وتُنظم الثورات والحملات لإسقاط دولة، أمّا اليوم فبات إنشاء حسابات تنشر الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي من الأسلحة الأشدّ فتكًا التي تُشن ضد دولة ما.

لماذا تشهد الأخبار الزائفة انتشارًا واسعًا في عصرنا هذا، وكيف يمكن مكافحتها؟

ظاهرة قديمة

«إنّ نشر الشائعات ظاهرة قديمة كانت تُستخدم خصوصًا في المواجهات بين الجيوش، وهي عبارة عن اختلاق أحداث أو شخصيات أو تحليلات خارجة عن الواقع، تشوّه الحقائق وتهدف أولاً وأخيرًا إلى إثارة البلبلة في صفوف الأعداء»، بحسب ما يشرح الكاتب والإعلامي روني ألفا.

من جهته يرى ناشر موقع Lebanon Debate ميشال قنبور، أنّ الـFake News غير مرتبط بوسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة (التلفزيون والإذاعة والجريدة ووكالات الأنباء المحلية والعالمية والمواقع الإلكترونية والصفحات المُحترمة المتخصصة)، بل يرتبط أكثر بوسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل. فهذان هما السببان الرئيسيان لانتشار الشائعات.

تدخل هذه الظاهرة إجمالًا ضمن خطط الاستيلاء على سلطة أو موقع أو الإضرار بسمعة شخصية أو نظام، وتشتدّ عندما يكون الاستقرار هشًّا، في حين تتراجع حين يتّسم المجتمع بالاستدامة والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

غالبًا ما تتركّز الشائعة على محورَين أساسيَّين في الحياة الاجتماعية: المحور السياسي والمحور الفني الاجتماعي. وفي كلتا الحالتَين تهدف إلى النيل من الطرف المستهدف واغتياله معنويًا.

يتحدّث الكاتب السياسي والأستاذ الجامعي طوني عيسى عن نوعَين من الشائعات: «المتعمَّدة وغير المقصودة. يكون الهدف من الأولى خدمة طرف أو جهة معينة (سياسية، اقتصادية، مالية…) وترسيخ أفكار تخدم هذا الطرف من خلال خداع الجمهور وخلق الصورة المُرادة. أمّا الثانية فتكون غالبًا بسبب ضعف الجهات المرسلة في ما خص الحصول على المصادر الحقيقية للمعلومات أو عدم قدرتها على كشف الحقائق».

 

مفاعيل الشائعات من السخيفة إلى الكارثية

من وجهة نظر مستشارة التواصل ندين ولسن نجيم، «الشائعة لا تصبح مشكلة إلّا حين تنتشر على نطاقٍ واسع فتجعل الناس يصدّقون حقيقة مزيّفة وغير محقّة، باستخدام الشكل المُنمَّق والصفحات ذات الأعداد الكبيرة من المتابعين وعوامل أخرى تعطي الشائعة مصداقية لا تستحقها. هذا الموضوع ليس رأيًا للمناقشة بل هو خطر على المجتمعات والدول، فهو يؤدّي إلى دمار دول وقيام أخرى، وإلى فشل أشخاص وقيام آخرين من غير الخيّرين للمجتمع».

«تُراوح مفاعيل الشائعات وانعكاساتها على الأفراد والمجتمع بين النتائج الهزيلة والسخيفة وصولًا إلى النتائج الكارثية»، يقول ألفا. فعندما نشيع خبر مرض أو وفاة إحدى الشخصيات مثلًا، نعرّض أحيانًا مجتمعًا برمّته للخطر، لذلك فإنّ النتائج المترتبة على نشر الشائعة قد تصل إلى حدّ نشر الفوضى.

غالبًا ما تستمدّ الشائعات استمراريتها من بعض الأحداث المنطقية المترابطة التي يستعملها مُطلِق الشائعة ليضفي على خبره المزيَّف شيئًا من الحقيقة والموضوعية. وبالنسبة لقنبور، معظم الشائعات تستند إلى الحدث واللحظة الواقعة والمواضيع الرائجة، ويحاول مطلقوها ركوب موجة الحدث أو يستغلّون الوضع لتمرير رسائل لأهداف محدّدة وتعزيز انطباعات معينة لدى الناس.

هستيريا جماعية

تختبر ميريلا بو خليل (مراسلة أخبار ومعدّة فقرات في محطة MTV) حاليًا، تحدّي الأخبار الخاطئة أو الشائعة حول موضوع كوفيد- ١٩، فهي تعدّ فقرة الصحة والتقارير المتعلقة بكورونا. تنتشر في هذا الإطار فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل، فيصدّقها الناس الغارقون في وهم نظرية المؤامرة وخصوصًا في ما يتعلق باللقاح.

من هنا كان التحدّي كبيرًا، كل يوم خبر وخبرية: «سيتجسسون علينا من خلال اللقاح، إنّها مؤامرة دولية ضدّ لبنان، لن نأخذ اللقاح»… أعدّت ميريلا التقارير الدقيقة من خلال التواصل مع الجهات المعنية العاملة في هذا المجال، محليًا ودوليًا. وتقول: «المشكلة أنّ اللبناني يعتقد أنّه يعرف كل شيء وخبير في كل المواضيع، يرمي خبرًا من هنا ونصيحة من هناك على مواقع التواصل الاجتماعي التي بات الناس يصدّقونها عوضًا عن البحث عن المصادر الصادقة المتخصّصة، وهذا الأمر يتحوّل إلى هستيريا جماعية تزرع الخوف في نفوس الناس وتجرّدهم من المنطق».

كل فرد صحافي

لماذا نشهد اليوم تفاقمًا في نشر الشائعات بشكلٍ غير مسبوق؟

بالنسبة إلى طوني عيسى، «حوّل الإعلام الرقمي الجديد كل فرد إلى صحافي ومراسل ومرسل للمعلومات، فبات الجميع يتلقّون الأخبار ويرسلونها في الوقت نفسه. هذا الجمهور هو مزيج من فئات وشرائح مختلفة، لا يملك قدرة السيطرة على دقة المعلومات، وفي الكثير من الأحيان يضيع بالخرافات والأوهام والأساطير والمعتقدات والأيديولوجيا (العقيدة الفكرية أو الدينية أو الثقافية…)… هذا الانتماء يؤدّي إلى تفاعل الشائعة».

كورونا وملازمة المنزل

تلاحظ مستشارة التواصل ندين نجيم أنّه بحسب الإحصاءات، كان الناس يقضون بين ساعة وساعتَين في اليوم في «تصفّح» الهاتف أو ما يُسمّى Screen Time. لكن الأحداث العالمية الأخيرة وجائحة كورونا «سجنت» الكثيرين في منازلهم، فتضاعف هذا الوقت إلى ٨ ساعات يوميًا! فمن الطبيعي إذًا أن يتعرّض المستخدم لكمية أكبر من الأخبار (الصحيحة والخاطئة) ويقوم بتعليقات ومشاركات أكثر.

وقد تبيّن أنّ نسبة المستخدمين الذين تسجّلوا في Twitter خلال العام المنصرم زادت بنسبة لا تقلّ عن ١٧٪. ينتشر الخبر على هذا الموقع ٧ مرات أسرع من أي وسيلة إعلامية أخرى، والجمهور يريد معرفة الأخبار بشكلٍ سريع عوضًا عن مشاهدة المحطات الإخبارية ووسائل الإعلام التقليدية والحديثة الموثوقة. من هنا فهو يصبح أكثر عرضة لسماع الأخبار الشائعة أو حتى كتابتها ونشرها.

لماذا نقع بسهولة في فخ الأخبار الشائعة؟

تشرح الاختصاصية في علم النفس العيادي والمرضي غيلان البستاني أبو عقل أسباب وقوع الفرد بسهولة في فخ الأخبار المزيفة:

– إذا كانت المعلومات تؤكّد معتقداته وتتفق مع أفكاره، فهو قابل لتصديقها وترويجها أكثر من غيره، خصوصًا وأنّنا كبشر نعاني ضعفًا في التفكير النقدي الذي يدفعنا إلى تقييم الخبر قبل ترويجه. ما يعني بالتالي الثقة بصدقية المصدر من دون البحث عن الأدلة (اسم الكاتب، مصدر الخبر، الدراسة، الأسلوب…).

– عدم توافر الوقت وقلّة المعرفة بالأسلوب السليم للنقد، هي إحدى أسباب عدم التأكد من المعلومة. فقد لاحظت الأبحاث أنّ الإنسان يحتاج لمعرفة المعلومات بشكلٍ سريع، ويميل إلى العناوين الفضفاضة التي غالبًا ما تميّز الشائعات.

– لا يملك الفرد عادةً الصبر للقراءة بتمعّن وبشكلٍ سليم. فقد لاحظت الدراسات أنّ القارئ، وخصوصًا أمام كمٍّ كبير من المعلومات، يقوم بما يُسمّى التمرير السريع أي الانتقال من معلومة إلى أخرى بسرعة من دون قراءتها بشكلٍ دقيق. هذا الأمر ينتقص من فهمه الصحيح للمعلومات وبالتالي ينقلها بشكلٍ غير دقيق.

– الكسل المعرفي: إذا كانت المعلومات التي يقرأها الفرد لا تدخل ضمن نطاق اهتماماته فلا يتمعّن فيها ولا يدقّقها، ما ينتج عنه استنتاجات غير دقيقة.

– تستهدف الشائعات عواطفنا بشكلٍ عام وبالتالي تُعيق التفكير النقدي، فتولّد مشاعر الخوف والغضب في المجتمع. كما أنّ تكرار المعلومة نفسها بشكلٍ مطّرد يدعو أكثر إلى تصديقها حتى ولو كانت زائفة.

– الضغط الاجتماعي: يحاول الإنسان بشكلٍ عام التماثل بغيره ويميل إلى مجاراة الغالبية ليكون مقبولًا اجتماعيًا، وهذه الأكثرية تتمثل اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي. فنلاحظ كم من الناس يبحثون عن الـLikes والـ Shares لكي يشعروا ولو بصورة سطحية بالقبول، فيميلون إلى تسويق الشائعات بشكلٍ أكبر لهذا الهدف. ولا تبقى سوى الأقلية التي تعارض هذه الأخبار ولا تركب الموجة.

– هشاشة المجتمعات: تكون الشائعة عادةً دلالة على هشاشة بعض المجتمعات، فكلما انتشرت زاد معدّل الجهل والسطحيـة. فالفـراغ الفكـري والضغوطـات النفسيـة التـي نعيشها، تبعدنا أكثر عن الأخلاقيات وتجعل من الشائعة أمرًا مقبولًا وأحيانًا يكون ذلك لهدفٍ ترفيهي.

كيف نكافح الشائعات ونحدّ من انعكاساتها؟

يُجمع المتخصّصون في مجال التواصل والإعلام على أنّه من المستحيل الحدّ من الشائعات أو منعها، ولكن مكافحتها تحتاج إلى وعي كبير من قبل المؤسسات الإعلامية والمتلقّي على حدٍّ سواء.

 

إدارة الأضرار:

لا نستطيع إخفاء الخبر الشائع أو منعه، وإنّما يمكننا إدارة الأضرار الناتجة عنه Damage Control. من هنا أهمية سرعة الاستجابة بالطريقة والأسلوب والمكان الصحيح، فيتمّ تحضير استراتيجية للتواصل ولمضمون الردّ Communication and Content Strategy من خلال معرفة الجمهور المُستهدف.

إصدار القوانين:

تكاد الشائعات تكون جزءًا من الدورة الدموية للشعوب والمجتمعات منذ آلاف السنين، وبالتالي لقد اعتمدت الأنظمة والدول والشعوب أساليب محددة لمواجهة هذه الشائعات. منها إصدار القوانين الصارمة قضائيًا بحق كل من يطلق شائعة تؤثّر على مسار الرأي العام أو على الأمن القومي أو على سمعة شخصية معينة. فالشائعة تؤثر على ديمومة المجتمع واستقراره عندما يكون هدفها الاغتيال المعنوي لشخص محدد أو إحداث شرخ في تحالف دولة مع أخرى، أو تشييع خبر وفاة أو مرض شخصية محورية في الحياة الوطنية…

من جهة أخرى، غالبًا ما تعمد بعض المؤسسات الإعلامية إلى نشر شائعة معينة قد لا تكون على دراية بأنّها مفبركة، فيكون ذلك عن حسن نية وتقدّم اعتذارًا لاحقًا عن نشرها. ولكن حين تنشرها عن سابق تصوّر وتصميم لدافعٍ معين، عندها تصبح مساءلتها قضائيًا واجبة حتى لا تتمادى في نشر هذه الشائعات.

Fact Check:

من نافل القول إنّ الإعلام هو أرقى وسائل الاتصال والتواصل المجتمعية وأكثرها تأثيرًا، وبالتالي فإنّ المسؤولية الأساسية للإعلام، أكان تقليديًا أو تواصليًا (الإعلام الجديد)، تقضي بتفحّص المعلومة وإخضاعها لأنظمة كشف الشائعات لتفادي الوقوع في هذا المطب الخطير. وفي الفترة الأخيرة بات لجميع وسائل الإعلام Fact Check Methodology أو استراتيجية للتحقق من صحة الأخبار والتأكد من مصدرها وتتبّعها.

المسؤولية الكبيرة في الحدّ من هذه الظاهرة تقع أيضًا على عاتق إدارات وشركات مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل.

المواطن الصحافي والناقد:

المواطن مسؤول أيضًا، وعليه اعتماد حسّه النقدي والتوجّه إلى المصادر الإخبارية الموثوقة، وأن يكون خفيرًا في معالجة الكمية الكبيرة والهائلة من المعلومات الوافدة إليه من آلاف المنصات الإعلامية. هنا تؤدي الثقافة دورًا مهمًا وتسمح للشخص بإطلاق أحكام موضوعية على الخبر الذي يرده، فيصنّفه خبرًا زائفًا أو حقيقيًا. كان هذا عمل الصحافي، ولكنّنا اليوم في فضاء مفتوح ويمكن لكل فرد أن يكون صحافيًا ومراسلًا، وبالتالي عند تلقّي الخبر يجب تلقّيه بذهنية النقد لا اليقين، ووضع احتمالات عدم صحّته، والتأكد من حقيقته قبل تبنّيه ونشره.

في النهاية…

يقول رجل مخابراتي بريطاني سابق ما معناه أنّ الحرب اليوم ليست في البرّ أو البحر أو الجو، وإنّما هي حرب أونلاين. نحن في زمن، من يريد فيه الاستمرار في أي حقل أو اختصاص، يجب أن يحظى بمتخصّصين ومستشارين استراتيجيين يهتمّون بالتسويق الرقمي، لأنّ العالم محكوم بالإعلام الرقمي والشائعات.

لم يعد بإمكاننا الهروب من هذا الواقع، إنّه عصر التكنولوجيا والإعلام المفتوح، فعلى كلٍّ منّا أن يكون رقيبًا على معلوماته ومصادره وردة فعله على ما يتلقاه… فلا نكوننَّ أدوات تتحكم الفيديوهات التافهة والأخبار الكاذبة بعواطفها وميولها وآرائها، بل لنَكُن العملة التي يصعب التحكم بها! أحرارًا نعي ما نقرأ ونشاهد ونحكم على صحّته بالوعي والثقافة.

هل تعلم؟

– مدة انتباه الشخص على مواقع التواصل الاجتماعي هي بين ٧ و١٤ ثانية، وإن تخطّت المعلومة هذه المدة لن تلفت انتباه المستخدم ولن تصله بالتالي المعلومة الصحيحة.

– تستهدف الصفحات والأخبار الكاذبة الجيل من ١٣ وحتى ٢٥ سنة، فهو الجيل الأكثر قابلية للتلقين وتصديق المعلومات من دون البحث في خلفيتها والتحقّق منها. وهي تستقطبهم بالعناوين الفضفاضة والآسرة!

– كان الناس يقضون بين ساعة وساعتَين في اليوم في «تصفّح» الهاتف أو ما يُسمّى Screen Time. لكن الأحداث العالمية الأخيرة وجائحة كورونا «سجنت» الكثيرين في منازلهم، فتضاعف هذا الوقت إلى ٨ ساعات يوميًا!

مؤشرات للحكم

بعض مؤشرات الخبر الكاذب:

– صورة عليها Logo موقع معروف أو مؤسسة إعلامية موثوقة: غالبًا ما يستخدم ناشرو الشائعات هذه الطريقة لإعطاء أخبارهم مصداقية معينة. لذا عند تلقّي مثل هذه المواد الإعلامية، يجب التأكد منها من خلال العودة إلى المصدر وعدم تبنّيها وتناقلها ونشرها على الفور.

– ناشرو الشائعة يستخدمون Screenshot أو فيديو قديم، يعيدون نشره في وقتٍ معيّن لخدمة أهداف وأجندة معينة وضرب الطرف الآخر.

– قد تأخذ الشائعة أشكالًا متعددة كالدعاية والنكت الساخرة.