IMLebanon

“الحزب” لم يسلّم الحريري أيّ اسم ولم يوافق على من سمّاهم

كتبت غادة حلاوي في صحيفة نداء الوطن:

إذا كان الغريق يتعلق بحبال الهواء فهذه هي حال اللبنانيين مع الحركة الديبلوماسية التي شهدها لبنان خلال الساعات القليلة الماضية. استبشروا خيراً بأي تحرك خارجي في اتجاههم حتى ولو تمثل بعودة السفير السعودي وليد بخاري الى مقر عمله، وسجلت له استقبالات أتت ضمن نطاق التعارف مع ديبلوماسيين جدد تسلموا مهامهم في غيابه. لكن حسناً فعلت بلاده بعودته التي تعد مؤشراً الى عودة ولو نسبياً الى الساحة. وبتفاؤل أيضاً رصدت العيون زيارة الموفد القطري، بانتظار عودة الموفد الفرنسي، ولكن الامنيات في كفة والوقائع في كفة.

بالوقائع وحتى الأبعاء لم يكن قد نضج بعد اي حلّ قابل للحياة يتعلق بتشكيل الحكومة. الخلافات المحلية بقيت تتسيّد المشهد، وتتمحور كما بات معلوماً حول: حجم الحكومة 18 وهي الصيغة التي يصر عليها الرئيس المكلف سعد الحريري وقدم تشكيلته الاولى على اساسها، او 20 وفق ما يرغب رئيس الجمهورية، مع الثلث المعطل، وحقيبتي العدل والداخلية. بموازاة هذه العقبات لا يزال غياب الثقة بين الرئيسين هو الطاغي والذي يحول دون اي تقارب بينهما. وفيما تتفاقم رغبة رئيس الجمهورية بضرورة اعتذار الحريري يصرّ الاخير على التمسك بتكليفه ويجول مستنجداً بالاصدقاء. تكشف مصادر الساعين أن المساعي المحلية فشلت في تأمين لقاء بين الرئيسين لتخفيض منسوب الثقة المفقودة، اما المساعي الخارجية فلم تتبلور بما يوحي بحلحلة.

حضر نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وغايته جس النبض حول امكانية المساعدة في حل عقد تشكيل الحكومة. اتت الزيارة بعد فك الحصار السياسي عن قطر ولتمثل اول نشاط لوزير الخارجية القطري خارج ملعب بلاده، وفي منطقة النفوذ السعودي. أكد خلال لقائه المعنيين ضرورة تشكيل الحكومة واستفسر من رئيس الجمهورية عما اذا كان يرغب لبنان بالمساعدة في هذا الملف فكان الجواب: “كثر الله خيركم، ننتظر عودة الحريري وزيارته القصر كي نتحدث وفقاً للاصول الدستورية”. مضيفاً: “كل تلك الجولات لن تفيده بشيء”. إستطلع القطري الاجواء وأعدّ تقريره وغادر. بعد المصالحة بات يعوّل على دور قطر في كثير من الملفات بالتنسيق مع الامارات. والدولتان لن تلعبا في ملعب السعودية بما لا يتناسب ورغبتها.

دولياً يتريث الفرنسي هو الآخر، وحركته ليست واضحة بعد. المؤكد الوحيد لدى المعنيين بالشأن الحكومي ان الفرنسيين حريصون على تشكيل الحكومة واستطاعوا انتزاع ما يشبه التفويض الاولي من الاميركيين للتحرك على الساحة اللبنانية. يعلم الفرنسيون ان بإمكانهم التحرك بسهولة في عهد الادارة الاميركية الحالية وفي ظل الاجواء الايجابية بينها وبين ايران. يحاول الجانب الفرنسي مجدداً لكن سماءه تبدو ضبابية وملبدة. بالأمس ساد أخذ ورد حول زيارة الحريري إلى فرنسا ولقائه رئيسها ايمانويل ماكرون، لكن قبل فرنسا ماذا فعل الحريري في الامارات ومن التقى وماذا عن تركيا وما يفعل فيها؟ وما سر الجفاء السعودي تجاهه؟

واضح أن العوامل الخارجية تبدو ضعيفة ولن تتّضح بين ليلة وضحاها ولذا يركز البعض على بث اجواء ايجابية عن قرب نجاح المساعي في سياق لا يخرج عن محاولة الضغط النفسي والرهان على أن المساعي الخارجية لا بد ان تثمر في نهاية المطاف.

في المقابل من غير الممكن ربط تشكيل الحكومة بالمفاوضات الاميركية الايرانية. يؤكد “حزب الله” وفق المطلعين على موقفه أن “هذه المفاوضات لا علاقة لها بالملف الحكومي. انطلق بايدن في الاساس من فكرة اعادة الاعتبار للاتفاق النووي، ولكن هذا لا يلغي ان العودة الى هذه المفاوضات تلزمها شهور، هذا اذا تجاوزنا ان موعد الانتخابات الايرانية في حزيران المقبل، وبالتالي فالقصة طويلة بما لا يفيد الربط بينها وبين تشكيل حكومة في لبنان”. ولذا فهو يؤكد أن “العنصر الخارجي غائب حالياً ويغلب عليه العنصر الداخلي” ما يعزز قناعته بأن التعطيل داخلي، “وغداً حين يقول عون انه يرضى بحكومة من 18 وزيراً او يرضى الحريري بالعشرين ويتفقان على العدل والداخلية تنتفي أسباب التعثر”.

لم يسبق وان سمع “حزب الله” من الرئيس المكلف ان ثمة مانعاً اميركياً بتمثيله في الحكومة في عهد الادارة الماضية، قد يكون الحريري قالها في مجالسه وقد يكون ذلك تبريراً للتأخير، لكنه لم يتبلغ ذلك رسمياً، والمسألة الثانية هي ان “حزب الله” لم يسلّم الحريري الاسماء المقترحة للحكومة من قبله. اجتهد الرئيس المكلف باقتراح اسمين ضمنهما التشكيلة التي اودعها عند رئيس الجمهورية لكن “حزب الله” لم يبد رأيه بشأنهما، لانه كان يعرف ضمناً ان صيغة هذه الحكومة لن يكتب لها النجاح لاعتبارات عدة، حتى الحريري كان يعرف ان تشكيلته لن تحظى بالقبول ومع ذلك حملها من باب التبرير ان التأخير ليس من عنده.

يمضي الرئيس المكلف وقته في جولات لن تجنبه ما ينتظره في بعبدا حيث رئيس جمهورية يتمسك بصلاحياته ولو على حساب ما تبقى من عهده… فهل ينجح ماكرون حيث عجز الحلفاء عن الجمع بين الرئيسين ويحدث خرقاً في الجمود؟