IMLebanon

التهرّب من الانتخابات الفرعية: “بروفا” لتأجيل الانتخابات العامة؟

كتبت رلى إبراهيم في “الاخبار”:

مشروع مرسوم دعوة الهيئات الى الانتخابات الفرعية، وفتح الاعتماد اللازم لها، وصل يوم الجمعة الماضي من وزير الداخلية محمد فهمي الى رئاسة الحكومة. لكن لا فهمي ولا باقي أعضاء الحكومة متحمسون لإجراء هذه الانتخابات، وقد وجدوا المبررات اللازمة لذلك، رغم قيام الداخلية بواجبها. ثمة رزمة حجج تتسلح بها الحكومة لتبرير مخالفتها الدستور، أهمها وباء كورونا وعدم توافر الأموال للقيام بهذه العملية. في النتيجة، الانتخابات مؤجلة الى أمد غير محدّد.

أعدّ وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي مشروع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى الانتخابات النيابية الفرعية للمقاعد العشرة الشاغرة في مجلس النواب، وفتح الاعتماد اللازم لها، وأرسله يوم الجمعة الماضي الى رئاسة الحكومة. لكن فهمي نفسه أرفق بالمرسوم كتاباً ثانياً يستند فيه الى «رأي سابق لهيئة التشريع والاستشارات حول تعذر إجراء الانتخابات في حالة التعبئة العامة» التي تنتهي يوم 31/3/2021، داعياً رئاسة مجلس الوزراء الى الاطلاع واتخاذ القرار. اقتباس وزير الداخلية لرأي هيئة التشريع جاء خاطئاً، لأن الهيئة أبدت رأيها غداة انفجار المرفأ «في ضوء إعلان وتمديد حالة الطوارئ في مدينة بيروت» كما أوردت رئيسة هيئة التشريع والاستشارات القاضي جويل فواز في الاستشارة التي أعدتها بتاريخ 2/9/2020، ولم تأت على ذكر التعبئة العامة أبداً. يومها خلصت الاستشارة الى اعتبار حالة الطوارئ في بيروت، إضافة الى كتب مرسلة من وزراء الداخلية والصحة والتربية، تشكل جميعها استحالة أو شبه استحالة لإجراء العملية الانتخابية. فلما أرسلت الأمانة العامة لمجلس الوزراء كتباً الى الوزارات المعنية مباشرة بالعملية الانتخابية لبيان رأيها خلال 48 ساعة (عقب مشروع مرسوم فهمي الأول)، لسؤالها حول مدى توافر الجاهزية المطلوبة لإعطاء الموافقة على مشروع المرسوم، أتى ردّ الداخلية أولاً بوجوب تذليل المعوقات التالية قبل السير بالانتخابات: 1- معظم المدارس الواقعة في دائرة بيروت الأولى تضررت، وهي التي كانت معتمدة كمراكز اقتراع. 2- انتشار وباء كورونا من جرّاء انفجار المرفأ، فضلاً عمّا نتج عنه من عوارض نفسية. 3- تسديد أتعاب الملتزمين المشاركين في تنفيذ العملية الانتخابية بالدولار أو بالعملة اللبنانية فوراً. 4- عدم قدرة الإدارة على استيراد 5000 عبوة حبر. 5- وضع عدد كبير من العناصر الأمنيين من الجيش بتصرف وزير الداخلية لتأمين سلامة الانتخابات وأمنها وتأمين مؤازرة قوى الأمن الداخلي عند الطلب. 6- هيئة الإشراف على الانتخابات والبدل المقطوع لأعضائها الذي يفترض تحديده بموجب مرسوم بعد موافقة مجلس الوزراء.

بذلك، يبدو واضحاً أن وزير الداخلية يرى أنه يتعذر إجراء الانتخابات في ظل تلك الأسباب التي أعاد التذكير بها يوم الجمعة الماضي. وجاء رأي وزارة الصحة يومها بوجوب اتخاذ إجراءات التباعد وإجراء فحوصات PCR للموظفين الرسميين. أما من الناحية المالية، فقد سجل وزير المالية غازي وزني ملاحظات على مشروع مرسوم نقل الاعتماد من احتياطي الموازنة لناحية وجود بعض الزيادات غير المبررة، وأبرزها نفقات الصيانة للشاشات المستخدمة في أقلام الاقتراع وسلف المحافظين. وأضاف وزني أن وزارة الدفاع طلبت لحظ مبلغ 1,5 مليار ليرة إضافية للجيش فوق مبلغ 1,200 مليار ليرة مخصصة للحماية الاجتماعية ضمن السلفة المعدة للانتخابات. كل تلك الأسباب أعطت المسؤولين مبرراً لتأجيل الانتخابات الفرعية، وينتظر أن يستندوا اليها مجدداً في ردّهم على تأجيل هذه الانتخابات مرة أخرى الى أجل غير محدّد.

خمسة أشهر مرّت منذ دعوة الهيئات الناخبة، وستمرّ خمسة أشهر غيرها من دون أن يلتفت أحد في السلطة الحاكمة الى مخالفة الدستور. هي ليست المرة الأولى، بل ثمة مجموعة سوابق حصلت على مرّ السنين، سواء بقي المجلس إبان حقبة 1975-1990 يجتمع بـ 72 نائباً من أصل 99، أو عند عدم الالتزام بالمهل فور اغتيال الوزير بيار الجميل (حصلت الانتخابات الفرعية في المتن بعد 9 أشهر)، وصولاً الى عدم ملء مقعد النائب أنطوان غانم الذي اغتيل هو الآخر في العام 2007 وبقاء مقعد رئيس الجمهورية ميشال عون في كسروان شاغراً بعد انتخابه رئيساً منذ تشرين الأول 2016 الى حين إجراء الانتخابات في العام 2018.

يقول وزير الداخلية السابق زياد بارود لـ«الأخبار» أن «إجراء الانتخابات الفرعية غير مرتبط حصراً بقانون الانتخاب، ولكنه موجب دستوري بحسب المادة 41 من الدستور التي تقول بوجوب الشروع في انتخاب خلف في فترة شهرين بعد شغور مقعد نيابي». يجيب البعض هنا بأن البلد يمر بظرف استثنائي، الا أن بارود يسأل عمن يحدد ظرف البلد. فرأي هيئة التشريع والاستشارات بحسب القانون غير ملزم للإدارة، وانسحاب حالة الطوارئ على بيروت (انتهت حال الطوارئ بعد شهرين من الانفجار) لا يبرر عدم إجراء الانتخابات في باقي المناطق، لأن مسألة إجراء الانتخابات في يوم واحد ترتبط بالانتخابات العامة لا الفرعية. من هنا، ينطلق بارود الى الحجة الثانية التي يتذرع بها المسؤولون بأن الحكومة دخلت مرحلة تصريف الأعمال ولا يمكنها الاجتماع. فيؤكد أنه «يمكن لمجلس الوزراء الاجتماع لمرة واحد وعلى جدول أعماله بند واحد إذا كانت له علاقة بالموازنة أو الوضع الصحي والأمني أو الانتخابات، طالما لديها موجب يبرر اجتماعها». سبق لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن قامت بهذا الأمر لتعيين رئيس وأعضاء هيئة الإشراف على الانتخابات. من جهتها، تشير مصادر حكومية الى عدم إمكان فتح اعتمادات فيما الصرف يتم على القاعدة الاثني عشرية. وتلك مخالفة دستورية أخرى، وفقاً لبارود، «أولاً عبر عدم إرسال الموازنة في العقد الأول، وثانياً عبر إصدار القانون 213 الذي يتيح الصرف على هذه القاعدة من 1 شباط الى حين إقرار موازنة العام 2021 في الوقت التي سمحت فيه المادة 86 بالصرف على هذا الأساس لمدة شهر واحد». أما هيئة الإشراف على الانتخابات «فكان يفترض تشكيلها بعد انتهاء الانتخابات، وهي هيئة دائمة، علماً بأن ثمة رأياً سابقاً لهيئة التشريع والاستشارات يشير الى عدم لزوم هيئة الإشراف على الانتخابات في الانتخابات الفرعية». أخيراً، باتت السلطة تبحث عن نافذة تهرب منها من الالتزام بالدستور لإجراء الانتخابات الفرعية، بحيث طرح البعض فرضية سريان قانون تمديد المهل على الانتخابات. وهنا يوضح بارود أن المهل التي يحددها الدستور لا تعدل الا بالدستور لا بقانون. فتمديد المهل لا ينسحب على مواد دستورية، وهو السبب الرئيسي وراء إعداد الموازنة. تؤكد مصادر مطلعة أن الانتخابات الفرعية لن تجري في موعدها في ظل الظروف الحالية، متوقعاً أن يصار الى تمديد التعبئة العامة. ويضيف أن أحداً ليس مستعداً اليوم لخوض هذه المغامرة، بل سيتم إيجاد مبررات للتأجيل الى حين بلوغ مهل قريبة من تاريخ إجراء الانتخابات النيابية العامة، إن حصلت! ففي نظر بعض القوى في السلطة، التهرّب من إجراء الانتخابات الفرعية ليس سوى مقدّمة للتهرب من إجراء الانتخابات العامة بعد أقل من 15 شهراً.