IMLebanon

حزب الله والتيار الوطني الحر وحسابات الحكومة والرئاسة… والدولة

أتى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه هذا الأسبوع في «ذكرى القادة الشهداء» على ذكر التيار الوطني الحر والتفاهم الموقع معه في مثل هذا الشهر قبل 15 عاما أي «6 فبراير 2006».

وقال نصرالله: تفاهمنا صمد وهذه نقطة ايجابية وهو حقق مجموعة من المصالح للوطن وللفريقين. لكن نحن لا نوافق على الطريقة التي تخرج بها بعض التصريحات الى العلن من قبل بعض مسؤولي التيار ونعتبرها أنها لا تخدم بل تقدم مادة للمتربصين والشامتين. واعتبر نصرالله أن «البيان الأخير للتيار فيه الكثير من الإيجابيات لكنه عندما قال انه فشل في بناء الدولة، فقد تم استخدام هذه العبارة من قبل المتربصين لهذا التفاهم، نحن ننزعج من هذه الطريقة واذا كان لدينا أي نقاش مع أي فريق نفضل أن نناقش داخليا».

هذه هي المرة الثانية منذ مطلع هذا العام يوجه فيها نصرالله عبارات اللوم والانتقاد الى التيار الوطني الحر. المرة الأولى كانت مطلع العام 2021 عندما صدر موقف من التيار ورئيسه جبران باسيل، يتصدى فيه لتصريحات أحد قادة الحرس الثوري الايراني أمير علي حاجي زاده، الذي أشار الى لبنان وغزة باعتبارهما يمثلان جبهة المواجهة الايرانية مع اسرائيل، فكان أن استدعى موقف باسيل ردا ضمنيا من نصرالله غامزا من قناة كل من يتهم المقاومة بالتبعية العمياء مؤكدا أن الدعم الايراني للمقاومة ليس مشروطا، وأن المقاومة هي الأكثر تحررا وقرارها بيدها في كل المنطقة، وانه لا رابط بين تصريحات زاده والرد الايراني على اغتيال اللواء قاسم سليماني وان زاده لم يربط بين الرد وطبيعته ومكانه، وانه سيكون من لبنان او من غزة. وعبرت أوساط قيادية في الحزب عن استيائها البالغ من مواقف صادرة عن رئاسة الجمهورية وعن التيار الوطني الحر تجاه دولة صديقة لم تقصر تجاههما.

لم يسبق أن وجه نصرالله مثل هذه الانتقادات بشكل علني وصريح الى التيار وقيادته. وأن يضطر الى فعل ذلك والتدخل شخصيا فهذا يعني أن هناك «خطبا أو عطبا ما» أصاب العلاقة بين التيار والحزب أو على الأقل آليات التواصل والتنسيق.

هذه العلاقة ستظل صامدة ولكنها فقدت زخمها وحرارتها، وتتكرر معها الإشكالات والتباينات الى درجة أن الوضع تطلب تشكيل لجنة مشتركة لصيانة تفاهم مار مخايل وتطويره وإدخال ما يلزم من تعديلات وإضافات اليه، ولكن هذه اللجنة (التي تضم النائب آلان عون والنائب سيزار ابو خليل عن التيار، والنائب حسن فضل الله ومسؤول الاعلام محمد عفيف والخبير الاقتصادي عبدالحليم فضل الله عن الحزب)، لم تعقد اجتماعا واحدا رغم مرور أكثر من شهرين على تأليفها.

نقطة الخلاف التي يجاهر بها التيار تتعلق بمشروع بناء الدولة وعدم انخراط الحزب في عملية إنجاح هذا المشروع. والمقصود بهذا الطرح، الذي انطلق بعد ثورة 17 تشرين في سياق البحث عن الأسباب التي أوصلت الى هذا الوضع المأزوم، أن حزب الله يتحمل مسؤولية ما لحق بعهد الرئيس عون من خسارة وإخفاق في إنجاز ما وعد به وتحديدا في مشروع بناء الدولة ومكافحة الفساد لأن الحزب استمر في تغطية حلفائه الذين صودف انهم في الوقت ذاته هم خصوم العهد. والمقصود أولا بهذا الكلام الرئيس نبيه بري الذي يعتبر نقطة خلاف اساسية بين الحزب و«التيار». فالتيار يريد من الحزب أن يمارس ضغوطا على بري لتقويض الدور السلبي الذي يقوم به في قيادة الحملة والمعارضة ضد عون وعهده. ولكن حزب الله لا يلبي رغبة باسيل وليس واردا عنده مجابهة بري والاصطدام به وتعريض الاستقرار في الطائفة الشيعية للخطر.

الموقف من الرئيس سعد الحريري والملف الحكومي نقطة خلاف ثانية. لأن الحزب لم يؤيد عون في موقفه الرافض لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة ويميل الى وجهة نظر بري في تفضيل الحريري واعتباره الخيار الأنسب لرئاسة الحكومة. ولأن الحزب لا يجاري عون وباسيل في الموقف الداعي الى إحراج الحريري وإخراجه ودفعه الى الاعتذار، والكف عن الاحتفاظ بورقة التكليف في جيبه والاستقواء بها، حتى ان الحزب يمتنع عن ممارسة ضغوط على الحريري لحمله على التنازل لمصلحة عون ويعمد الى تفهم ظروفه ويقيم توازنا دقيقا بين الحريري وعون في مسألة الحكومة ان لجهة تحديد المسؤولية، مسؤولية التأخير والتعطيل، أو لجهة تحديد الأحجام والحصص بحيث إن الحزب لا يريد أن يعطي باسيل الثلث المعطل ويؤيد الحريري ويشجعه في هذه المسألة، بينما يبدي باسيل تململا ازاء هذا الموقف ولا يقتنع بضمانات يقدمها الحزب أو تأكيدات يصدرها بالتزام التعاون والتنسيق في الحكومة وبما يجعل أن الحاجة تنتفي الى الثلث المعطل وأن التمسك به يصبح غير مبرر. وفي هذا التجاذب حول الثلث المعطل ما يفيد بأن باسيل لا يثق في أن التحالف مع الحزب هو الضمانة البديلة لأي ثلث معطل أو ضامن يبحث عنه التيار.

الأمر لا يقتصر على معركة الحكومة وعدم تطابق الحسابات والمصالح فيها وإنما يتجاوز الى معركة رئاسة الجمهورية. وفي الواقع فإن معركة الحكومة هي ممهدة لمعركة الرئاسة ومن مقدماتها ومن يربح اليوم في معركة السراي يربح غدا في معركة الوصول الى قصر بعبدا والعكس صحيح. ولذلك تأخذ معركة الحكومة كل هذا الحجم وهذه الحدة وتبدو كما لو أنها معركة حياة أو موت وآخر معارك العهد، الذي لم يعد لديه ما يخسره وما يدفعه الى التنازل.

وما يريده رئيس التيار الوطني الحر من قائد حزب الله أن يقف معه في معركة الحكومة، وأكثر من ذلك أن يعطيه تعهدا أو التزاما من الآن بشأن الاستحقاق الرئاسي ودعم ترشيحه وفرصه في الفوز والوصول. ولكن الحزب لا يعطيه مثل هذا «التعهد الرئاسي» ولا يريد أن يقيد نفسه وأن يكرر ما فعله مع العماد ميشال عون عندما تعهد بوصوله أو ايصاله الى قصر بعبدا مهما كلف الأمر.
ما يصح مع عون لا يصح مع باسيل ولا ينطبق عليه، ثمة اختلاف في قيمة ومكانة الرجلين عند حزب الله واختلاف في الظروف ايضا، ظروف حزب الله والبلد وظروف المنطقة.

ولكن يبقى أن التحالف بين التيار والحزب صامد ومستمر حتى اشعار آخر بغض النظر عما اذا كان سيترجم في معركة رئاسة الجمهورية وكيف سيكون ذلك. فالحزب لا يتخلى عن حاله سياسية شعبية حليفة على الساحة المسيحية وعن استثمار سياسي بهذا الحجم. والحزب لا يتخلى عن باسيل والعلاقة معه خصوصا بعد العقوبات الأميركية التي فرضت عليه وشكلت نقطة تحول في مسار العلاقة مع إعلان باسيل حسم خياره باتجاه التحالف مع حزب الله الذي أظهر تعاطفا معه واحتضانا له بعدما اجتاز الامتحان الأصعب. وفي الواقع بات تحالف الحزب – التيار يشكل للطرفين حاجة مشتركة ومتبادلة: باسيل لم يعد لديه من حليف سياسي الا حزب الله ومن دونه يواجه عزلة خانقة وحصارا محكما. وحزب الله ليس لديه على الساحة اللبنانية حليفا أفضل من التيار وليس لديه على الساحة المسيحية خيار بديل.