IMLebanon

مجموعات في الحراك: التدويل لا يُفيد ويستجلب حربًا داخلية!

كتب عمار نعمة في “اللواء”:

يحتل موضوع «تدويل» الأزمة اللبنانية الحيّز الأوسع هذه الايام في السياسة اللبنانية وقد انطلق من دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى مؤتمر دولي لرعاية الحل. تختلف المقاربات تجاه طبيعة هذه الدعوة وتخضع كما هي العادة لتفسيرات حسب الاصطفافات السياسية القائمة مع بدء قوى متعاطفة مع بكركي باحتضانها، بينما تتصاعد أصوات مقابلة رافضة لها لا بل محذرة منها في محاولة لحصرها في مهدها.

وسط هذا الاصطفاف، يلقى موضوع التدويل صداه في بعض اوساط الحراك الشعبي وبين مجموعاته وشخصياته المقربة من بعض الجهات السياسية وان كان تلميحا من دون دعوة مجاهرة بذلك. وكما انقسامات السياسيين، ترفض شرائح واسعة في الانتفاضة تلك الدعوة وهي اليوم أعلى صوتا من الاصوات الداعمة للتدويل كما انها أكثر حراكا وتأثيرا على الارض.

يستند القبول بالتدويل أولا الى التحقيق «العبثي» في موضوع كارثة المرفأ والاخطاء التي شابته حتى مع تعيين المحقق الجديد فيه، ويلفت المنتقدون النظر الى ان السلطة الحاكمة قد ألقت القبض على التحقيق. لكن الرأي الأعم لدى المتحركين على الارض في هذه القضية لا يزال يطالب اساسا بالحل الطبيعي المتمثل باستقلالية القضاء وتنفيذه عمليا عبر مجلس النواب خاصة وان السلطة القضائية هي السلطة الثالثة في البلاد في ظل فصل واضح للسلطات يؤكده الدستور اللبناني، كما عبر ضمان الآليات المستقلة ومنها التشكيلات القضائية.

ربما تكون خارطة الطريق للحل لهؤلاء نظرية وحتى طوباوية، لكن الاصوات التي تطالب به من داخل الانتفاضة هي الفاعلة على الارض وهي التي ترفض دعوات التدويل. ولذلك تفسيره حسب وجهة النظر هذه، كون العبرة تتمثل في ما آل إليه التحقيق الدولي السابق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والذي اتخذ وقتا طويلا وكلف خزينة الدولة اموالا طائلة، وأي تحقيق دولي جديد سيؤدي الى ذلك في دولة باتت مفلسة اليوم.

لذا يرفض الجو الحاضر في الشارع عند الحراك الاستخدام السياسي لمسألة التحقيق الدولي من قبل البعض، مع التأكيد على اللاثقة بهذا القضاء الحالي واللاثقة بالسلطة أو بالمنظومة الحاكمة.

ربما يقع الحراكيون في دوامة فارغة مع اعتبارهم ان مأساة المرفأ قد أعلنت صراحة عن سقوط الدولة في لبنان. لكن ذلك لا يمنع هذه المجموعات التي تواءمت مع حركة اهالي ضحايا المرفأ في التحركات على الارض برغم الظروف الصعبة واولها وباء «كورونا»، من رفض دعوة التدويل بصيغتها التي يطرحها البعض.

والواقع ان التدويل لا يفيد في منطقة متفجرة ما يجعل المراهنة عليه سرابا. وفي بلد قرر اركان الحكم فيه ان يشكلوا بيادق للخارج، فإن التدويل يصبح سلبيا وسط خلل اقليمي ودولي ومن شأن كل القوى الافادة منه في وجه الاخرى.

وفي لبنان سيؤدي هذا الامر الى استجلاب قوى خارجية، فإذا كان البعض مثلا ضد سيطرة ايرانية في البلد فلا يمكّنه ذلك جلب هيمنة اميركية والعكس صحيح خاصة مع وجود قوى مسلحة ستواجه اي تدخل خارجي ما سيؤدي بدوره الى حرب على الداخل وفيه وتدمير للبلد.

يريد الحراكيون مقاربة في السياسة بعيدة عن الفصل السابع في مجلس الأمن الدولي. الهدف طويل الأمد يتمثل دوما في تأليف معارضة سياسية جديدة وجديّة من مختلف مكونات قوى 17 تشرين تتفق على عناوين اساسية بعيدا عن التدويل، في اتجاه زعزعة هذا النظام او اجباره على التقهقر في بعض المسائل واهمها موضوع استقلالية القضاء ومنه تعبر البلاد نحو قضية مكافحة الفساد والتحقيق الشفاف في قضية المرفأ، وبالتالي يتساقط الفاسدون من خلال مؤسسات الدولة التي لا تريد المجموعات انهيارها فالدولة هي مؤسسات اولا قبل ان تكون سلطة.

وفي ظل اصلاح تدريجي يصبح البلد قادرا وبالتدريج على مناقشة موضوع السلاح بانفتاح للتوصل الى استراتيجية دفاعية جديدة تعالج الهواجس لدى الناس المختلفين في رؤاهم وجذورهم السياسية والثقافية عن صاحب السلاح وهو ما يفرض دورا على «حزب الله» نفسه على طريق إزالة تلك المخاوف.

هو اذا المشروع على الامد الزمني البعيد يراهن على محطة الانتخابات النيابية على طريق اسقاط المنظومة وتشكيل معارضة سياسية تؤسس بدورها لقوة داخلية حقيقية تعيد الثقة بالدولة نفسها.

واليوم يمشي الحراكيون بين الألغام، هم يخشون انفلات الشارع وهو ما اثبتته احداث طرابلس والذي تعلمه المجموعات تماما وتوفره كمثال على خروج الشارع من عقاله وتدخل السياسية والأمن فيه خارج اجندة الحراك الذي يحتوي على مجموعات واقعية وذات وعي سياسي لا تذهب في تحركاتها بالحماس وحده.

لكن ذلك بطبيعة الحال لن يمنع الحراكيين من الاستمرار في نضال الشارع وبذل الجهد لتصويب بوصلته، وهو ما شرع به الحراك في إطار مواكبة تحرك اهالي المرفأ وتفعيل حركة «القصاص الآن» وهو يدرس بعناية سلسلة تحركات اخرى. لكن هؤلاء يعلمون تماما انهم لا يختزلون برؤيتهم المجموعات كلها التي لها حق التعبير عن رؤيتها للحل عبر تدويل الأزمة والتعاطف مع دعوة البطريرك الراعي، وان يكن ثمة تحذيرات ممن قد يستثمر تلك الدعوة أو يتلطى وراءها.