IMLebanon

باسيل ودمشق… وصفقة اللقاحات

كتب خالد حماده في “اللواء”:

انقرض صانعو السياسات في لبنان. كلّ ما لدينا من بقايا لا يرقى لاستعادة المبادرة أو لفت أنظار اللبنانيين، فالشعارات والعناوين المرفوعة أُفرغت من مضمونها وتحوّلت تعابير للتراشق الإعلامي ليس إلا. حقوق المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية وحكومة الإختصاصيين، وعناوين الإصلاح والإنقاذ والمؤتمر التأسيسي لم تعد ذات معنى، لأنّ حامليها هم مجموعة لصوص اختبروا على امتداد سنوات، وهم لا ينضحون إلا فساداً وعفناً وتعصّباً. بهذا المعنى نفهم استكانة قوى ومجموعات المجتمع المدني التي تبحث خارج الدولة المنحلّة، عن جهة صالحة  تحظى بالاحترام وتستحق الشكوى، فمواقع السلطة في لبنان وشاغليها أضحوا مجرد هياكل ميّتة ليس لديها ما يبرر وجودها أو ما يعطي قيمة لما تنطق به. وبهذا المعنى أيضاً نفهم دعوة البطريركية المارونية لانعقاد المؤتمر الدولي من أجل لبنان للخروج من المأزق، بعد أن أخفقت كل مساعي الحياد الإيجابي ومبادرات تشكيل الحكومة، والمطالبة  بالتحقيق الدولي لجلاء الحقيقة في جريمة تفجير مرفأ بيروت بعد أن ارتسمت معالم ومؤشرات الهروب من المسؤولية.

لمن تتوجه هذه البقية الباقية من السياسيين الذين يعتلون مواقعهم بمسمّياتها الجغرافية للإدلاء بمواقفهم التأسيسية؟ وهل يتوهمون أنّ لهذه المسمّيات وقعها على مسامع اللبنانيين أو تاريخها في القرارات الوطنية؟ هم يعتدون على عقولنا. إنّ العناوين التي يستعرضونها والمتعلّقة بالحياة الوطنية والتوازنات الداخلية إنما صاغها صانعو سياسات نجحوا في لحظة إقليمية دقيقة في وقف العبث والاستثمار وتوجيه الرسائل عبر المكوّنات المذهبية والطائفية اللبنانية، من الميثاق الوطني حتى وثيقة الوفاق الوطني في العام 1989. كلّ تلك التوافقات لم تكن سوى منتج صاغته قوى سياسية واعية مؤمنة بلبنان وبمصلحته الوطنية في لحظة دقيقة تعذّر فيها  تبيان الخط الأبيض من الخط الأسود. هذه التوافقات ليست عرضة للمساومة أو للتعديل لمجرد توهّم القوة أو القدرة على عقد توافقات خارجية أو لاستدراك إفلاس سياسي في عهد يأفل نجمه.

إنّ كلّ ما يمكن أن يضيفه اشتداد التراشق السياسي هو المزيد من إغراق الخارج في التفاصيل السياسية، التي كانت تترك عادة للتوافقات الداخلية التي اضمحلّت شيئاً فشيئاً حتى انعدمت في العهد القوي، بفعل الخطاب الطائفي واستعداء الأصدقاء الإقليميين، رعاة التوافقات الدائمين. إنّ ما يرومه التيار الوطني الحر وحليفه حزب الله ليس ولن يكون قراراً ينجزه توافق محلي أو غلبة فريق محلي على آخر، وهذا لا ينسحب فقط على تشكيل الحكومة والثلث المعطّل الذي ابتدأ شأناً فرنسياً ثم إيرانياً ثم أضحى مؤخراً شأناً دبلوماسياً روسياً. إنّ ما أسمته  موسكو «زيف الادّعاءات بتحصيل حقوق المسيحيين»، والرسالة القاسية إلى معرقلي ولادة «حكومة المهمة»، على لسان مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ليس اصطفافاً دولياً حول الرئيس المكلّف، بل هو تحذير من الإمعان في تجاوز الممنوع. وما استجابة حزب الله على لسان أمينه العام سوى تلقّف لهذه الرسالة التي يدرك حزب الله أنّ مفاعيلها تنعكس عليه في سوريا. هذا ما لا يستطيع جبران باسيل إدراكه لاختلاط الأولويات لديه بين التخلص من العقوبات الأميركية والأحلام الرئاسية وتعديل الدستور وأوهام القضاء على الشركاء في الوطن.

إنّ المبايعة التي أبداها الوزير جبران باسيل لكلّ من الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ومن خلفهما إيران، تنقصها الواقعية وهي تقتضي النظر إلى التحوّلات التي تشهدها سوريا بعيداً عن كلّ المزايدات المنبرية المحلية. إنّ الدور الروسي في سوريا يتعدّى رعاية مجموعة من التدخلات الإقليمية ومنها الإيرانية، هذا ما يؤكّده  الموقف المشترك لكلّ من وزير الخارجية الروسي سيرغاي لافروف وغير بيدرسن في لقائهما في موسكو، أنّ لا بديل عن الحلّ السياسي للأزمة السورية في إطار احترام سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها ووحدة أراضيها، كما ينصّ عليه القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن. وهذا ما تؤكده كواليس المؤسسات الرسمية الأميركية حيث يبدو أنّ ملف سوريا سيحجز لنفسه مكاناً في السياسة الأميركية الجديدة، من خلال قانون قيصر 2 الذي تبنّته الإدارة الأميركية السابقة والذي يتضمّن بنوداً جديدة مرتبطة بالتضييق على النظام في دفع رواتب عناصر الجيش السوري وتأمين السلاح له.

إنّ النظر إلى الدرسين المستخلصين من صفقة تبادل الأسرى بين سوريا وإسرائيل وهما، تسديد تل أبيب 102 مليون دولار أميركي ثمناً لشحنة من لقاح «سبوتنيك V» الروسي لصالح دمشق، مقابل الإفراج عن الفتاة الإسرائيلية، ورفض «ذياب قهموز» أحد الأسيرين السوريين في السجون الإسرائيلية المعتقل منذ عام 2016 ومحكوم بالسجن 14 عاماً، إطلاق سراحه وتسليمه للنظام مفضلاً العودة إلى حيث يقبع في سجن «النقب الصحراوي»، يدعو للتبصر عند الرهان على النظام السوري وحلفائه. إنّ شرف الأسر لدى العدو الإسرائيلي لم يمنح الأسير الإحساس بالطمأنينة بالعودة إلى منطقة نفوذ النظام فآثر البقاء في السجن، والاستفادة من أسر الفتاة الإسرائيلية لم يرقَ إلى تحقيق أي هدف معنوي.

فحذار أن لا يكون المراهنون على النظام السوري موضع ترحيب لديه، أو أن يدفع ثمنهم  صفقة من اللقاحات….