IMLebanon

الطبقة الوسطى “استودعت” لبنان وأهله

كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:

مع وصول نسبة الفقر إلى 55 في المئة لدى الشعب اللبناني، واتساع الهوة الإجتماعية بين طبقة ثري٘ة جداً وأخرى فقيرة ومهم٘شة، غابت الطبقة الوسطى التي لطالما شكلت صمام الأمان المجتمعي، والبيئة الفضلى للنمو والإستقرار. إلا أن مشكلة التفاوت الإجتماعي والإقتصادي لا تزال قضية غائبة رسمياً عن حسابات أصحاب القرار في لبنان، وتكاد لا تدخل ضمن سياسات الدولة المالية.

ليس جديداً على لبنان ظهور التفاوتات الإجتماعية وعدم المساواة بين الطبقات. ولا شك ان وباء كورونا أثر على سلوك الأفراد والعائلات والمجتمعات في تفاصيل حياتهم اليومية. وكان لتزامن الوباء مع الأزمة الإقتصادية، عدة انعكاسات سلبية، وخاصة على الفئات الفقيرة والمهمشة. ما أدى إلى مضاعفة التفاوت الإجتماعي. وما عزز هذه الظاهرة، تباطؤ الحكومة في إتخاذ القرارات بما يخص المساعدات والإحتياجات الإجتماعية والمعيشية. فارتفعت نسب الفقر، وخاصة الفقر المدقع إلى أعلى مستوياتها، ما دفع بالبنك الدولي إلى التحذير الجدي من نتائجها وانعكاساتها. وعلاوة على ذلك، يُعتبر لبنان من الدول التي فشلت في تضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء؛ ليس فقط في ظل هذه الازمة، إنما أيضاً في أيام الإنتعاش الإقتصادي و”العز٘ والبحبوحة”. ويعود ذلك إلى ثلاثة أمور أساسية تناولتها وناقشتها الندوة الإقتصادية التي أقامتها Malcolm H. Kerr Carnegie Middle East Center ، عبر تطبيق فيسبوك ويوتيوب، بمشاركة خبراء وذوي اختصاص. ومن هذه الأمور:

اتفاق الطائف

لم يحكم اتفاق الطائف في لبنان على المستوى السياسي فقط وإنما على المستوى الإقتصادي أيضاً. حيث تميزت المنظومة الإقتصادية السياسية بعد الطائف بالفساد والسياسات الإقتصادية والمالية السيئة، والتي ما زالت قائمة حتى اليوم.

المستوى التعليمي

التعليم هو المحرك الأساسي في تطور أي أمة، وبدونه يصبح المجتمع ضعيفاً. فهو يؤدّي إلى زيادة الدخل ويشكّل الرافعة الأساسية للترقّي الإجتماعي. ولكن العلاقة بين التعليم والترقّي الإجتماعي متعلقة بالظروف الإقتصادية. ففي لبنان لم تقتصر الأزمة الاقتصادية على تدهور الدخل وتزايد عدد الأسر الواقعة تحت خط الفقر، بل طالت أيضاً نوعية التعليم . فخسارة الدخل حدّت من قدرة الأهل على تسجيل أبنائهم في مدارس ذات نوعية جيدة، والتي باتت أكلافها عالية جداً. وقد أدى انتشار جائحة كورونا إلى بروز المزيد من التحديات، والحدّ من امكانية حصول الطلاب على تعليم نوعي. بحيث عمدت المدارس إلى التزام تقنيات تعليم جديدة تطبيقاً لقواعد التباعد الاجتماعي.

النظام الضريبي

يعاني النظام الضريبي في لبنان تشوهات عد٘ة، حيث بقيت السياسة الضريبية المعتمدة في السنوات الأخيرة مجرد أداة في خدمة السياسة المالية من دون جدوى. وأدت إلى خفض العجز في الموازنة، وذلك من دون الأخذ في الاعتبار الآثار الإقتصادية والإجتماعية لهذه السياسة.

وبدراستها حول تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء في لبنان، اعتبرت الباحثة ليديا أسود أن “النخب السياسية والتجارية في البلاد هم من تسببوا بذلك، وقاموا بتقسيم القطاعين العام والخاص في البلاد في ما بينهم”. موضحة أنه “على الرغم من ضرورة إجراء تغيير سياسي ومؤسساتي، إلا ان إعادة تصميم النموذج الإقتصادي للبلاد الذي يمكن أن يكون عبر الإصلاح المالي لا يقل الحاحاً”.

وبحسب أسود فقد توزع الدخل على جميع القاطنين في لبنان بين عامي 2005 و2016 ، على الشكل التالي:

  • أغنى 10% من السكان يحصلون على ما بين 49 و54 % من الدخل القومي السنوي.
  • الطبقة الوسطى تشكل 40% من السكان، وتحصل على 34% من الدخل القومي السنوي.
  • أفقر 50% من السكان، يحصلون على ما بين 12 و14% من الدخل القومي السنوي.

وعلى هذا الاساس اعتبرت ان “أسباب هذا التفاوت، تعود للضريبة غير المباشرة، أي الموجّهة إلى المواطنين بالتساوي بغض النظر عن مستوى المداخيل. الأمر الذي سؤدي حتماً الى ترسيخ اللامساواة الإجتماعية. إضافة إلى ان الإيرادات المالية في لبنان منخفضة جداً بالنسبة للدول الأخرى، وان معظم دخل رأس المال لا يخضع للضريبة. وإذا تم فرض ضرائب عليه فسيكون بأسعار منخفضة وثابتة”. ومن هنا إقترحت عدة إصلاحات ومنها: وضع ضريبة دخل عامة على جميع مصادر الدخل معاً وبمعدلات تصاعدية. زيادة معدلات الضرائب على أعلى المداخيل. فرض ضريبة على ثروات أغنى اللبنانيين لمرة واحدة لغرض تمويل الإغاثة الطارئة التي تشتد الحاجة إليها. فرض ضريبة سنوية على الثروة بجميع أشكالها، لا سيما على الممتلكات المبنية من أجل زيادة الإيرادات. وأخيراً والأهم، محاربة التهرّب الضريبي.

المشكلة سياسية

في المقابل اعتبر الخبير الاقتصادي توفيق غاسبار أن “مشكلة لبنان الأساسية ليست إقتصادية بل سياسية. فالدولة كانت وما زالت تحت الإحتلال. الأمر الذي يمنعها من أن تمارس عملها بشكل طبيعي. ويرى غاسبار ان “الإصلاح الذي اقترحته ليديا أسود من المستحيل أن يُطبق في لبنان”. من جهتها توضح أسود وجهة نظرها وتقول :” بدون تغيير سياسي وإصلاح اقتصادي جاد سوف تتسارع دوامة الهبوط في البلاد، ويتفاقم التفاوت في الدخل والثروات، ما سيؤدي إلى اضطرابات اجتماعية”. وفي عبارة “قد تلقى آذاناً صاغية عند السياسيين لانها تتكلم لغتهم” ترى أسود أنه “إذا لم يتم سن تدابير إقتصادية وسياسية صارمة وفورية، لن يتبقى شيء من ثروات هذا البلد وموارده لنهبها”.

الواقع مرير

وأمام هاتين الوجهتين واقع مرير لا يمكن الهروب منه، “فلبنان لم يبدأ حتى الآن بأي إصلاح”، تقول ممثلة البنك الدولي حنين السيد، “وسيكون الأمر صعباً في السنوات القادمة، أي من 5 إلى 10 سنوات”. والحل الأنجع برأيها هو “بالإستثمار في رأس المال البشري كمحرك اساسي لتحسين الإنتاجية والنمو الإقتصادي”.

في النهاية يبقى الأمر متعلقاً بالطبقة السياسية، التي لم تظهر منذ انفجار الأزمة أي قدرة أو رغبة في معالجة المشكلات الاجتماعية والإقتصادية. والتي يبدو أنها مستمرة في لامبالاتها رغم تخطي لبنان كل الخطوط الحمراء.