IMLebanon

التهريب “قضية”… ومكافحته تنفيذ للقرار 1701؟

كتب أسامة القادري في “نداء الوطن”:

في الشكل العام عند الحدود الرسمية اللبنانية ـ السورية، كلّ شيء يوحي بأنّ الحدود مقفلة أمام المواطنين العاديين، بناء على قرار الحكومة الصادر منذ نحو سنة في مواجهة فيروس “كورونا”، ولم تفتح الا في أوقات محدّدة، بناء على قرار يحدّد مسبقاً لعبور اللبنانيين القادمين من سوريا، سوى أمام سيارات حزبية معدودة وشبه يومية.

هذا الاقفال لا يعكس المشهد عند الحدود البرّية غير الشرعية، والتي تُعتبر مزراب هدر المال العام، خصوصاً أن عمليات التهريب تتمّ عبرها بشكل يومي، لتُنقل من لبنان الى سوريا آلاف الاطنان من السلع المدعومة عبر عشرة معابر غير شرعية من أصل 125 معبراً، تعمل على خطّها أكثر من 130 شاحنة وصهريجاً من أحجام متفاوتة، فيتمّ نقل المازوت والبنزين بأكثر من 70 صهريجاً، تتراوح حمولة الواحد منها بين الـ 15 الفاً والـ 20 الف ليتر، ونحو 12 شاحنة تنقل قوارير الغاز، و50 شاحنة تحمل مواد غذائية (سكر ورز وطحين وحبوب) واعلاف الابقار والدواجن، وكلّها سلع مدعومة.

في المقابل، تعتبر قوى الأمر الواقع أنّ مكافحة التهريب وسدّ المنافذ غير الشرعية مع سوريا هو استكمال للقرار الأممي 1701. هكذا نجحت هذه القوى في أن تطوّر التهريب من مشكلة حدودية بين لبنان وسوريا الى “قضية” تقلق مضاجع اللبنانيين عموماً، وتساهم في استعصاء الازمة الاقتصادية والمعيشية بأقسى شكل منذ تأسيس دولة لبنان الكبير، وتستمرّ باستنزاف ما تبقّى من المال العام، كما استطاعت أن تحوّل التجّار مهرّبين معروفين بالأسماء، عمدوا الى احتكار السلع المدعومة، من مواد غذائية ومحروقات تستورد بموجب اعتمادات مصرفية بسعر صرف دولار 1515، وجزء آخر بسعر صرف 3900 ليرة، فيما المواطن اللبناني يئنّ من الجوع والغلاء ويشتريها بسعر صرف السوق السوداء 10 آلاف ليرة.

ويجهد أحد الأحزاب في تحويل مكافحة التهريب عبر الحدود البرّية غير الشرعية قضية تهدّد أمنه الحزبي ووجوده، واعتبار أيّ تحرك للجيش اللبناني ـ فوج الحدود البريّة الثاني (مقرّه بعلبك) والثالث (مقرّه ابلح)، تحرّكاً يخدم القرار 1701، ويطيح بكل انجازات “التغيير الديموغرافي” ومسرحيات المشاكل الامنية التي وقعت منذ 2012 حتى اليوم.

وأكّد مصدر امني لـ”نداء الوطن” أنّ المشكلة “ليست في التهريب الذي عهدناه سابقاً، انما بالإسلوب وتوسّع المعابر وتطويرها لاعتماد الشاحنات والصهاريج، بدل البغال والدراجات النارية التي كانت تعتمد”. وأوضح أنّ عدد المعابر 125 معبراً، 70 منها تتعرّض بين الفترة والاخرى للاقفال من قبل فوج الحدود البرّية للجيش، ولا يزال بعضهم يعتمد على الدواب والدرّاجات النارية، وهذا لا يشكّل 10% من الكمّيات الضخمة التي تهرّب عبر المعابر المستحدثة حديثاً”. وأعاد ارتفاع عدد المعابر الى فترة بدء الازمة السورية، “وغالبيتها شقّتها قوى الأمر الواقع وأقامت فيها نقاطاً امنية لتسهيل الانتقال بالاتجاهين الى الداخل السوري”.

وأكّد المصدر “أنّ مكافحة التهريب على طول السلسلة الشرقية، بدءاً من جبل الشيخ في الجنوب اللبناني عند الحدود مع الجولان المحتلّ عبر شبعا، مروراً بالحدود الجبلية في منطقة راشيا ونقطة المصنع الحدودية حتى وادي عنجر، جميعها معابر وعرة يحتاج عبور المهرّبين عليها لمشقّة لم تصل الحال فيها لاستعمال الشاحنات، وصولاً الى عرسال حيث استطاع الجيش ضبط الحدود بنسبة عالية جداً، فيما بقيت الحدود من اللبوة وصولاً الى وادي خالد في عكّار، هي المركز الرئيسي للتهريب بكمّيات كبيرة، حيث يركّز ثقل التهريب بين النقطتين في البقاع الشمالي، وذلك لأنّ مكافحة التهريب اصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقرار السياسي قبل الامني، فلا يمكن للجيش من دون قرار سياسي ضبط اقفال المعابر لأنّ أحد الاحزاب يعتبرها خطوطه الدفاعية، منها وبمحاذاتها تعبر الشاحنات والصهاريج من والى سوريا”.

وعن المساعدات البريطانية لمكافحة التهريب قال المصدر: “بريطانيا قدّمت مئة آلية مخصصة للاماكن الوعرة، وعتاداً وخبراء ومظلّيين ومدرّبين، كلّ ذلك جيد، ولكنّ الأهمّ، انه بقدر حاجة الجيش للمساعدات والعتاد والتدريب في ضبط الحدود، فهو بحاجة ايضاً لقرار سياسي من قوى الامر الواقع وإخراج الحدود من دائرة الأمن بالتراضي”.

أحد المهرّبين في البقاع الشمالي، وهو من المتضرّرين الذين يعتمدون الدواب والدراجات النارية يقول: “إن التهريب بالصهاريج والشاحنات سرقة، وجريمة، ما يحصل على الحدود ليس تهريباً نحن نهرّب كمية صغيرة لاناس بسطاء اما هم فيهربون لدولة بكاملها على حساب الفقراء”.

ويضيف: “نحن نعتمد التهريب لوجودنا في القرى الحدودية ولغياب فرص العمل، لكي نستطيع العيش لا للإغتناء. في اليوم ننقل نقلة واحدة على البغال، وفي افضل الحالات تكون نقلتنا حمولة لـ 15 بغلاً، طبعاً لـ 15 شخصاً، وبالتالي في افضل الحالات يستطيع البغل نقل ما زنته برميل مازوت واحد، وفي حال كانت مواد غذائية لا تصل الى مئتي كيلوغرام. ودائماً نتعرّض للتوقيف من قبل الجيش اللبناني ومن الجهة الاخرى من الهجّانة السورية، فيما معابر الشاحنات تدخل بمؤازرة امنية من الجانبين”. ويشرح بأنّ الشاحنات يتمّ تجهيزها في المنطقة بعد تجميع البضاعة في مستودعات ومخازن، ويقول: “نحن نشتري المازوت والبنزين من المحطات باسعار السوق السوداء، فيما التجار واصحاب الصهاريج يشترونها مباشرة من الشركات، اما المواد الغذائية فنشتريها من بعض التجّار في المنطقة”، ويلفت الى انه “حتى اثناء العاصفة الثلجية الاخيرة، ولتخطّي قرار سير الشاحنات والصهاريج خلالها، سلكوا طريق بيروت ـ الجنوب ـ النبطية ـ راشيا البقاع لتصل المنطقة حيث تمّ تفريغها في خزّانات وصهاريج معدّة للتهريب، فتمّ ادخالها بعد توقف العاصفة حيث قامت جرّافات حزبية بفتح هذه الطرقات. كذلك تمّ اعتماد طريق عكّار ـ البقاع الشمالي لتزويد اللصوص والتجّار بالمازوت والبنزين لكي لا يلفتوا الانتباه في البقاع الاوسط”.

ويوضح أن المعابر التي تعتمد هذه الفترة “هي معابر جنتا، تصل الى دمشق وريفها عبر الشعرة، وعطيب الى الزبداني ومعدر، جميعها تعتبر عسكرية بحماية الحزب، منها تعبر شاحنات تهريب بالاتجاهين، وكذلك في القلمون هناك معبر البريج – القاع، وطريقا قارة بعلبك واللبوة، ومعبر الزمراني والجريجير ونحلة، عدا عن معبر فليطة عرسال، وغيرها معابر كثيرة كمعبر حوش السيد علي”.

من جهته عضو تكتّل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص والذي اثار نهاية العام الفائت ملفّ التهريب من خلال عرضه فيديو يوثّق ارتالاً من الصهاريج والشاحنات تعبر الحدود البرية غير الشرعية عند السلسلة الشرقية الفاصلة بين الحدود اللبنانية ـ السورية، يؤكّد لـ”نداء الوطن” بأنها “فضيحة متمادية ومستمرّة منذ زمن، اسمها تهريب المواد المدعومة عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية في لبنان”، ويطالب القوى الامنية والعسكرية والجيش اللبناني بـ”أن يصارحوا الشعب اللبناني، من هي الجهات التي تخالف القوانين اللبنانية التي تقهر الشعب اللبناني، وتهرّب مواده الاساسية المدعومة ليُحرم منها، وبدل ان تُعطى للشعب اللبناني، ويستفيد منها الجائع والفقير الذي ذهبت امواله وصودرت منه ليتم تهريبها الى خارج الحدود من أجل الربح المادي”.

ويختم عقيص: “المطلوب فعلاً مصارحة ومكاشفة تحتاج الى جرأة كبيرة، لأنّ هناك دولاً عدّة وآخرها بريطانيا قدّمت للجيش اللبناني تجهيزات عديدة ليتمكّن أكثر من ضبط الحدود، ونتمنّى ان يتم توظيف هذا العتاد لوقف التهريب، لان هناك ملايين الدولارات هُدرت حتى الآن لمصلحة فئات معينة نتمنّى فضحها أولاً وتوقيفها وجلبها الى العدالة واجبارها على التعويض”.

بدوره، رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة وصناعة وزراعة زحلة والبقاع طوني طعمه، أكد “ازدياد نسبة التهريب الى سوريا عن المراحل السابقة بعد عملية الدعم، وهذا ما أثّر سلباً على خزينة الدولة والاحتياطي الدولاري في البنك المركزي، وكذلك انعكس على برنامج الاصلاحات الذي قدمته الحكومة السابقة الى صندوق النقد الدولي”. وتابع: “أهم بند كان هو مكافحة التهريب، وسدّ 125 منفذاً غير شرعي، لأن التهريب عقّد الاصلاحات فالمستفيد الاكبر منه هو النظام السوري و”حزب الله” على حساب المال العام اللبناني”.

واعتبر طعمه “أن احد عوائق ضبط التهريب تكمن بعدم ترسيم الحدود، ما يصعّب الأمور على الجيش رغم ما يقوم به جاهداً”، وكشف “أن اكثر الأصناف التي تهرّب الى سوريا هي المازوت والبنزين والطحين والمواد الغذائية المدعومة، مثلاً كان لبنان يستورد سنوياً 8 ملايين ليتر من البنزين فيما حاجة السوق 4 ملايين. ولذلك يتم استنزاف الخزينة بما لديها من احتياطي الدولارات”.

وختم طعمه: “الدعم لا يحتاج الى ترشيد بقدر حاجته الى حماية، لذلك نرى ان الحلّ يكون بالبطاقة التموينية لكل مواطن لبناني بـ 300 ألف ليرة، هكذا يصل الدعم مباشرة للمواطن ويخفّف الهدر”.