IMLebanon

موقف “المستقبل” من خطاب الراعي: مع.. ولكن!

كان كافيا في الشكل والتوقيت، أن تضع كتلة المستقبل النيابية زيارتها الى بكركي في إطار جولة تقوم بها على مختلف المرجعيات الروحية والسياسية وبدأتها من دار الفتوى، وأن تعمد الى تمرير توضيح يفيد بأن الزيارة حُدد موعدها قبل إلقاء البطريرك بشارة الراعي خطابه «الناري» السبت الماضي.

كان يكفي ذلك للقول بأن زيارة كتلة المستقبل إلى بكركي ليست زيارة دعم وتضامن مع بكركي في مواقفها الأخيرة، وليست «زيارة قائمة في حد ذاتها»، وأن اللقاء مع الراعي لا يعني تبني مواقفه كما هي، وتحديدا تلك المتصلة بمسألتي «الحياد والمؤتمر الدولي»، ما يعني أن تيار المستقبل مع خطاب بكركي الجديد ولكن وفق قراءته ورؤيته وأجندته السياسية.

وبالفعل، فإن اللقاء بين الراعي ووفد المستقبل برئاسة النائب بهية الحريري لم يذهب في مضمونه الى طرح ومناقشة النقاط الحساسة الواردة في خطاب البطريرك، وإنما أتى على ذكرها عرضا ومن باب إظهار الدعم لسياسة بكركي ونهجها.

ولكن التركيز جرى على موضوع الحكومة وجولة الرئيس المكلف سعد الحريري الخارجية، مستعرضا نتائج هذه الجولة على صعيد الاستعداد لمساعدة لبنان فور تشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين غير حزبيين.

ووضع الوفد البطريرك في أجواء الجهود التي يبذلها الحريري للإسراع في تشكيل الحكومة، مؤكدا في هذا المجال على أن ملف الحكومة لم يشهد أي تطور جديد من شأنه أن يساعد على انتقال المشاورات الى مربع جديد، أو حتى على توجه الرئيس المكلف الى قصر بعبدا، ومؤكدا أيضا أنه لا يمكن توقع المزيد من التضحيات والتي يعتبرها البعض تنازلات من جانب الحريري، ليس لأنه يعاند وإنما لأنه مقتنع بأن المجتمع الدولي يمانع في تقديم أي تنازلات من شأنها أن تطيح بالأهداف التي تشكل الحكومة من أجلها.

وبالتالي، فإن الكرة في ملعب رئيس الجمهورية الذي عليه المبادرة الى خطوة للأمام، بدءا من التخلي عن الثلث المعطل مع استعداد الرئيس المكلف للانفتاح على أي تفاهم ومراجعة المعايير التي تضعها رئاسة الجمهورية، بشرط ألا تتعارض مع مقتضيات المبادرة الفرنسية وشروط المجتمع الدولي للمساعدة.

خرج وفد المستقبل ليعلن من منبر بكركي تشديده على التزام الدستور واتفاق الطائف نصا وروحا، وعلى التزام إعلان بعبدا كاملا (الإعلان الصادر في ختام حوار وطني جرى في عهد الرئيس ميشال سليمان).

وفي هذه الإشارة ما يعني أن المستقبل لا يتبنى فكرة الحياد كما يطرحها ويتصورها الراعي، وإنما يؤيد فكرة «تحييد» لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، وما يعني أن الحياد يعني أولا، وربما حصرا، إعادة لبنان الى الحظيرة العربية بشكل كامل، وأن الصراعات الإقليمية المشار إليها تختصر في الصراع العربي- الإيراني، لأن الصراع مع إسرائيل ليس مشمولا بمشروع الحياد، ولبنان ليس جزيرة وإنما هو جزء من العالم العربي وملتزم بقضاياه.

التمايز يظهر أيضا في موضوع المؤتمر الدولي الذي دعا إليه الراعي ويتفادى تيار المستقبل تحديد موقف منه، لأن لديه في هذا الموضوع تحفظات ويريد توضيحات.

وحتى أن نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش الأكثر حماسة وتأييدا لمواقف الراعي، يقول عندما يسأل عن رأيه في المؤتمر الدولي: «يجب أن نرى إذا كان ممكنا، وما إذا كان سيؤدي الى مزيد من الصراعات».

إذا كان المستقبل في صدد تأييد المؤتمر الدولي، فإن تأييده يكون من ضمن هدف محدد هو أن يكون مؤتمرا لتثبيت وحماية «نظام الطائف» خشية الذهاب في اتجاه نظام آخر ونحو «مؤتمر تأسيسي».

المؤتمر الدولي ليس أولوية عند الحريري وليس مدرجا على أجندته، ولا يشكل بندا على جدول أعماله وجولاته الخارجية.. الأولوية عند الحريري هي للعودة الى رئاسة الحكومة ولترؤس حكومة لا تكون مثل الحكومات السابقة في عهد عون، ولا تعطي باسيل دورا محوريا وشراكة مزاحمة.

ولذلك، فإن الحريري غير معني بالدعوات إلى «مؤتمر دولي» في الخارج، مثلما هو غير معني بالدعوات الى قيام جبهة معارضة وطنية في الداخل، لأن مشروعه وأولوياته في مكان آخر.

وطالما الأولوية للحكومة، يبقى الحريري مهتما بسياسة تفاهم وتعاون مع الثنائي الشيعي وسياسة «ربط نزاع» مع حزب الله، متفاديا الانخراط في أي مشاريع وخطط تشكل تحديا واستفزازا للحزب وتهديدا للعلاقة السنية- الشيعية التي حافظت حتى الآن على استقرارها، حتى في عز احتدام الصراع المذهبي في المنطقة.

ولكن يبقى أن الحريري مهتم بحركة بكركي، وهي الحركة الإيجابية الوحيدة الآتية من الضفة المسيحية، وتشكل عاملا مساعدا له في معركته الحكومية التي يخوضها مع رئيس الجمهورية.

الحريري يرى أن تسلم الراعي زمام المبادرة والموقف، وباتجاه جديد، يسحب «البساط المسيحي» من تحت أقدام رئيس الجمهورية ويضعف دوره وموقعه التفاوضي في الحكومة، ويضيف هامش الخيار والمبادرة أمامه ويضطره الى التنازل.

وثمة ملاحظتان على موقف الحريري من طروحات بكركي وعلاقته معها:

* الملاحظة الأولى: إن موقف تيار المستقبل يعبر عن الموقف السني العام طالما أن الحريري هو زعيم السنة وصاحب الأكثرية في مجلس النواب والأكثر تمثيلا، ولكن هناك مناخ في الطائفة السنية يذهب الى أبعد وأكثر مما ذهب إليه الحريري في دعم مواقف الراعي، ويصل الى حد تبنيها وتشجيع البطريرك على المضي قدما فيها، لأن الأولوية عند هذه القوى هي لمواجهة حزب الله والهيمنة الإيرانية في لبنان، خصوصا أن دور بكركي مؤثر وفاعل في هذا المجال، في ظل غياب أي مرجعية أخرى دينية أو سياسية مؤهلة أو راغبة في تولي هذا الدور القيادي.

هذه القوى التي اعتبرت سابقا من صقور المستقبل أو كانت تدور في فلكه (مثل فؤاد السنيورة وأشرف ريفي وأحمد فتفت ورضوان السيد وصالح المشنوق وآخرون) مؤيدة لطروحات الراعي ومشجعة على ثباتها واستمرارها.

وبعض هذه القوى كانت حاضرة في ساحة بكركي عبر وفود شعبية آتية من مناطق مختلفة، خصوصا من طرابلس.

* الملاحظة الثانية: البطريرك الراعي الذي فوجئ بردة فعل حزب الله الحادة والقاسية، وعمد الى إصدار توضيحات عاجلة بشأن نقاط وردت في خطابه وتفسيرات أعطيت لها، فوجئ أيضا بأن هناك من يدفع باتجاه توسيع الشرخ و«دق إسفين» بين بكركي وبعبدا، ويصور طرحه «الخارجي» بأنه ينطوي على رسائل في اتجاه الداخل، وقد أدرج في معارك التجاذبات وتصفية الحسابات السياسية، ولذلك، ستكون للبطريرك الراعي زيارة قريبة الى قصر بعبدا لتوضيح ما التبس وما أسيء فهمه أو تفسيره على صعيد موقف بكركي من رئيس الجمهورية والعلاقة معه.