IMLebanon

تحييد لبنان وصفة الخلاص

كتب مازن ع. خطاب في “اللواء”:   

يعيش لبنان سلسلة أزمات سياسيّة ومالية واقتصادية واجتماعية وصحيّة وبيئيّة وانسانيّة مستفحلة تدفع الوضع اللبناني الى انحدار حاد لم يَعد يحتمل المعالجات العشوائية المؤقتة في ظلّ انفضاض المجتمع الدولي والعربي عن المساهمة في مساعدة لبنان بسبب الوضع السياسي الهشّ الذي يُنذر بانحلال الدّولة، والصراع الداخلي الحاد والخطر، وتصاعد روائح الفساد والهدر، وتسارع وتيرة التراجع المالي، وانخراط بعض الأطراف اللبنانيّة في الصراعات الإقليميّة، أضف الى ذلك الانتهاكات المتواصلة للسّيادة اللبنانية.

ويبدو جلياً في يومنا هذا أنّ لبنان أضحى ساحة صراع وتصفية حسابات وصندوق رسائل الدّول عربيّةً كانت أو دوليّة، كما يبدو أنّ الخلاف الأوسع والأكثر قابلية للانفجار هو بين الطوائف والمذاهب بسبب التفاعلات المتمحورة حول الهوية الطائفية على حساب التقارب للتوجه نحو هويّة وطنيّة مشتركة، الأمر الذي أنشأ طروحاتٍ سياسيّةٍ بعناوين تقسيميّة مختلفة تدعو الى قيام كيانات ذاتيّة ومنها الفيدراليّة والكونفدراليّة والمثالثة وحقوق الطوائف واللامركزيّة المُقنّعة، وما يمكن ان يستجد من طروحات ناتجة عن المطابخ السياسية الداخليّة والدوليّة.

وفي ظلّ هذه الأوضاع سيكون من الصعب إيقاف انحلال الدّولة من دون توفّر وسائل جديدة ومبتكرة لإعادة الإدماج السياسي للأطراف اللبنانيّة كافةَ. الّا أنّ استعادة عافية لبنان تبدأ من اعتماد سياسة محايدة في التعاطي مع الخارج، وتحتاجُ الى حوار داخلي ليتم التوافق على أن يكون للبنان صوت موحّد في الامم المتحدة يُطالب بوضعه على خارطة الحياد، كما يحتاج ذلك الى توافق الجهات الفاعلة في المنطقة.

إذاً الحيادُ يستدعي اتّفاقاً وطنياً لتحييد لبنان عن سياسة المحاور الإقليمية والدوليّة وعدم انحيازه وانخراطه في الصراعات الخارجيّة تنعكس بضراوة على الداخل، مع ما يعنيه ذلك من سياسية محايدة في التعاطي وعقد الاتفاقات مع الخارج مهما كانت طبيعة المصالح والتجاذبات والصراعات بين الدول، ومن دون تأثّر لبنان بالإملاءات أو التمنيات أو التهديدات الخارجيّة، ووفق ما تقضيه مصلحة المواطن اللبناني وأمنه ورفاهيته

وطرح حياد لبنان لا يجب أن ينفي أو يتعارض مع التزامه بالإجماع العربي والقضية الفلسطينية وتنفيذ القرارات الدولية ومجلس الأمن المتعلّقة بلبنان. ويجب الثبوت على ثوابت ميثاقية تحفظ استقرار لبنان، وأهمّها التشديد على سيادة لبنان، والحفاظ على وحدة شعبه وعلى العيش المشترك، والتمسّك بالهويّة والانتماء العربي، وإعادة تجديد دور لبنان الجامع بين الدول العربية، علماً ان الحياد وعدم الانحياز لا يعني عدم دفاع لبنان عن أرضه وشعبه ومقوّماته وثرواته في حال تعرّضه للاعتداء من قِبل العدوّ الصهيوني الغاشم.

والواقع أنّ قرار تحييد لبنان وعدم انحيازه للمحاور الخارجيّة هو فعل ارادة من قبل جميع الاطراف اللبنانية ويحتاجُ اولاً الى اجماعٍ وطنيٍّ، وهذا الاجماعُ ليس قائماً حالياً ولن يحصل في ظلّ الاصطفاف الحاد لأركان السّلطة وتموضعهم كلّ في محور او مع دولة معيّنة، ما يجعل الأمر مستحيلاً في الوقت الراهن، إذ لا يُمكن اعلان التحييد بالقوة وغصباً عن أيٍّ من المكوّنات اللبنانيّة.

كما أنّ لبنان يستفيد من مساعدات دولية مختلفة يحتاجها للصمود، وهناك أحزاب تستفيد من تقديمات ماليّة وعسكريّة من بعض الدّول، وبعض الدّول الغربيّة وضعت شروطاً على مساعداتها وتُمارس ضغوطاً تتعلق بإيقاف دعمها للبنان في حال تعامله مع خصومها السياسيين والاقتصاديين وتحديداً إيران والصين. لذلك، لا يمكن اعتماد سياسة الحياد في غياب توافق أميركي – إيراني حول لبنان، وربّما اميركي – روسي، وأميركي – صيني.

في الخلاصة أنّ فكرة اتباع لبنان سياسة الحياد مستقبلاً، كي لا يعود عرضة لكافة أنواع الاملاءات والتدخلات والتأثيرات والايحاءات والتمنّيات الخارجيّة، تحتاج الى المزيد من التعمّق في ثنايا الموضوع وتشعباته وحساباته الدقيقة، وعملاً جدّياً مع كافة المكوّنات السياسيّة الطائفيّة لترسيخ ايمانهم بلبنان محايد، من باب المصلحة وفي الحدود المشار اليها آنفاً. أمّا طرح الموضوع في الوقت الراهن وفي ظلّ الانقسامات الداخليّة والصراعات الاقليميّة والدّوليّة قد يضع لبنان في مأزق داخلي ودولي اضافيّ هو في غنى عنه.