IMLebanon

لا حلّ اقتصاديًا في ظلّ هيمنة “صانع المشاكل”

كتب خالد أبو شقرا في صحيفة نداء الوطن:

ارتباط الأزمة الاقتصادية بالوضع السياسي عموماً، ووجود “حزب الله” كفريق “مسلّح” بأجندة خارجية خصوصاً، أمر معروف، ولكن قياس تأثيره بأدوات فعالة وإثباته علمياً، ظل حتى الأمس القريب بعيداً من متناول الجميع. ولم تتضح العلاقة السببية بين وجود “الحزب” والانهيار المالي والنقدي، إلا مع دراسة علمية جديدة، قد تكون الوحيدة، للباحثة د. ليال منصور.

تنطلق هذه الدراسة من سؤال وحيد: هل تؤثر العوامل الجيوسياسية الإسرائيلية والإقليمية سلباً على الاستقرار المالي الداخلي، خصوصاً ان هذه العوامل متعلقة بشكل مباشر وغير مباشر بسياسات “حزب الله” وإيديولوجيته، التي لا ترتبط في دحر العدو فقط؟ إذا أظهرت السوق المالية اللبنانية استقلالية أو تبعية منخفضة – سببية للمخاطر الجيوسياسية الإقليمية، فتكون النتيجة سلبية. وبالتالي فإن بامكان الإصلاحات الاقتصادية والسياسات النقدية والمالية، وكذلك الإصلاحات القانونية الداخلية أن تكون الحل للأزمة. أمّا إذا أظهر السوق المالي اللبناني تبعية كبيرة، فان سبب الازمة يكون “حزب الله” والحل باقصائه كحزب عسكري عن النزاعات في المنطقة.

أدوات القياس الإقتصادية

بالإضافة إلى التحليل العلمي للمعطيات المبنية على أرقام شهرية منذ الإنسحاب الإسرائيلي في العام 2000، والإستناد على عشرات المراجع المحلية والخارجية، فقد اعتمدت منصور في تحليلها على أدوات جديدة كان أبرزها اثنان: Geopolitical Risks (GPR) أو مخاطر الوضع الجيوسياسي على الأسواق المالية والنقدية. و(FSI) FINANCIAL STRESS INDEX أو ما يعني “الإجهاد المالي”، الذي كانت منصور قد وضت له مؤشراً خاصاً في العام 2018، وصدر عن معهد الاقتصاد المالي في الجامعة الأميركية في بيروت. وهو يقيس حركة الأسهم والسندات ونسبة الفائدة، وكل ما يتعلق بارتفاع أو انخفاض الأدوات المالية والنقدية. كما اعتمدت على نموذج إحصائي “VAR” يستخدم لإلتقاط العلاقة بين كميات متعددة مع تغيرها بمرور الوقت.

يظهر التحليل البياني لمؤشر الإجهاد المالي FSI بين عامي 2006 و2018 ارتفاعات عالية في الأوقات المرتبطة بالتوترات الجيوسياسية الإقليمية حيث يوجد “حزب الله” في التفاصيل. وبحسب منصور فلقد “اتضح من خلال الدراسة ان كل المشاكل الداخلية المتعلقة بالتصنيف الإئتماني، واستقالة الحكومة وتأخير تكليف رئيس جديد أو التأخر بانتخاب رئيس للجمهورية… لم تتسبب إلا بأزمة مالية بسيطة بقيت تحت السيطرة. فيما كل الازمات المالية FINANCIAL CRISAS التي خرجت عن السيطرة نتجت عن الصراعات الجيوسياسية الخارجية وليست الداخلية”. وبالأرقام تستنتج الدراسة أن الأسواق المالية تستجيب بشكل واضح، سلبي طبعاً، في أوقات النزاع بين إسرائيل و”حزب الله”. وهذا ما يؤدي إلى استنزاف العملات الأجنبية في المصرف المركزي، وبالتالي إلى عدم الاستقرار وتوقع المزيد من الضغوط على النشاط الاقتصادي.

لبنان رهينة “حزب الله” وضحيته

من وجوده كجيش يحارب إسرائيل على الحدود الجنوبية للدولة اللبنانية، ضارباً بعرض الحائط القرارات الدولية وأبرزها 1559، مروراً بدوره الميليشيوي في التدخل عسكرياً بصراعات المنطقة، وصولاً إلى أخذ لبنان واللبنانيين رهينة محور خارجي… تتدرج مسؤولية “حزب الله” في الوضع الذي وصل اليه لبنان. وبحسب منصور فان “الدراسة تظهر ان الأخطار الجيوسياسية لدور الحزب لا تتعلق فقط بالحروب المسلحة أو الاعتداءات أو النزاعات الميدانية، بل أيضاً بالصراع في الاعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي”. وبغض النظر عما إذا كان “حزب الله” هو المبادر بافتعال المشاكل أو إسرائيل، فان النتيجة تكون واحدة، زيادة الضغط على الأسواق المالية وارتفاع الطلب على العملات الاجنبية. فيضطر المركزي الى التدخل بائعاً للدولار، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص مخزون العملات الصعبة وعدم الاستقرار المالي، ومن بعدها إضعاف النشاط الاقتصادي.

“حزب الله” والمنطقة

المخاطر الجيوسياسية لنشاط “حزب الله” لا تقتصر على الحدود الجنوبية، إنما تتخطاها إلى العلاقة مع الدول العربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من نزاعه العلني مع السعودية، إلا ان الدراسة تؤكد ان هذه العلاقة ليست قوية بما يكفي لزعزعة السوق المالية اللبنانية. و”في هذه الحالة لا تؤدي إلى أزمة اقتصادية”، تقول منصور، “بل على العكس استنتجت الدراسة ان “المملكة” تساعد كثيراً في الوضع الاقتصادي من خلال الاستثمارات، والتوظيفات المباشرة وغير المباشرة والسياحة واستقبال عشرات آلاف اللبنانيين على أراضيها.. وغيرها الكثير من العوامل. إلا ان غضب الدول الخليجية من لبنان بسبب سياسات تدخل “حزب الله” وتنفيذه المخططات الإيرانية، أدى إلى مقاطعة لبنان منذ العام 2012 وزيادة الضغوط، ولو بنسبة أقل من الصراع مع اسرائيل، على الوضع الاقتصادي.

لا حل في ظل وجود “صانع مشاكل”

ما يتضح في هذه الدراسة، بحسب منصور، هو أن الإستقرار المالي في لبنان، كأغلبية الدول، هو الذي يؤدي إلى النمو الاقتصادي وليس العكس. وبالتالي فان كل الاجراءات التي من الممكن أن تتخذ لتطوير القطاعات الانتاجية والخدماتية ستبقى قاصرة عن حماية الوضع المالي والنقدي، وبالتالي الاقتصادي، طالما الصراع الجيوسياسي مع “حزب الله” مفتوح. وبرأي منصور فانه “مهما طورنا الاقتصاد وحافظنا على الاستقرار المالي، فان الازمة ستستمر طالما هناك “صانع مشاكل” يطيح بكل الإنجازات. فلا أحد يعرف بأي لحظة من الممكن أن يستلم الحزب دفة التوجيه ويتحكم بالسياسة، وبالتالي بالوضع الاقتصادي. وهذا ما يؤخّر عملياً المساعدات الخارجية”.

وبحسب منصور فانه “حتى لو سلمنا جدلاً بان مسيرة الإصلاح قد بدأت، وأنجز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتدفقت الأموال والمساعدات من “سيدر” وغيره من الدول، وأعدنا الاستقرار إلى سعر الصرف… فان استمرار وجود هذا الفريق الذي يشكل مخاطر جيوسياسية سيفرغ كل هذه المعطيات من مضمونها، ويؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى الوقوع بنفس المشاكل التي نحن اليوم في خضمها”. لذلك فان الحل الوحيد من وجهة نظرها هو “إقصاء “حزب الله” عن دوره المسلح، وحماية انفسنا من إسرائيل.

ذلك ان “حزب الله” هو “صانع مشاكل” على مستوى المنطقة وليس فقط في وجه العدو”. على مر السنين، تطور دور “حزب الله”، وأدت أنشطته غير القانونية في الغالب لعواقب وخيمة على الاقتصاد اللبناني. فهو يتخذ قرارات سيادية بالإضافة إلى أعمال محفوفة بالمخاطر في المنطقة، خاصة ضد إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، ثم يجبر لبنان واللبنانيين على دفع الأثمان.

وعلى الرغم من دراسة العواقب الجيوسياسية لهيمنة “حزب الله” وتحليلها على نطاق واسع في السياسة وعلم الاجتماع والجغرافيا السياسية، فانه من المرات النادرة التي تجرى فيها دراسة اقتصادية تجريبية كالتي خاضت منصور غمارها. حيث من المنتظر أن تتحول هذه الدراسة إلى مرجع وحجة لكل راغب في كشف الحقيقة العلمية، بعيداً عن الشعبوية والاسقاطات الكلامية غير المبنية على وقائع تجريبية. البحث الكامل موجود على الموقع التالي https://www.mdpi.com/1911-8074/14/3/94