IMLebanon

هاتف لقمان سليم ومسدّس القاتل

كتب نجم الهاشم في صحيفة نداء الوطن:

من الطبيعي أن يتجه التحقيق في جريمة اغتيال الباحث والناشط السياسي لقمان سليم نحو المنفّذين والمخطّطين وكشف تفاصيل التنفيذ، ولكن مع هذا الإتجاه يتمّ التركيز منذ تاريخ الجريمة على دليل، قد لا يكون دليلاً كاشفاً لها، وهو هاتف لقمان. كأنّ هذا الهاتف بات أهمّ من المسدّس الذي استخدمه القاتل في عملية القتل التي نفّذها بدم بارد. الهاتف موجود ولكن أين المسدس؟

إذا كان هاتف لقمان مهمّاً في محتوياته وداتا المعلومات إلى هذا الحدّ فلماذا رُمِي في المكان الذي يُفترض أنّه تمّ خطفه فيه؟

لقد تمكنت رشا شقيقة لقمان من تحديد موقع الهاتف عن طريق تطبيق خاص بالبحث عن الهواتف وتحديد أماكنها وكان على بعد نحو 300 متر من المنزل الذي كان لقمان فيه عند صديقه في نيحا قرب صريفا في منطقة صور. هل هو من رمى الهاتف وتخلّص منه أم أن الذين خطفوه تخلّصوا منه؟ لماذا كان مرمياً على هذه المسافة؟ هل انتظر الخاطفون لقمان تحت المنزل مباشرة أم على بعد 300 متر؟ هل أجبروه على السير معهم وهو يقود السيارة التي كان استأجرها أم أنهم أجبروه على الترجّل منها والصعود في سيارة أخرى، أو الإنتقال إلى المقعد الخلفي مثلاً من أجل التحكّم بحركته والسيطرة عليه؟

يتمتع لقمان بقوّة بدنية وهو في حالته السياسية والفكرية يعرف أنه محطّ متابعة ومراقبة ومعرّض للخطر. خطر القتل أو الخطف. ولذلك عندما تأخّر في الردّ على هاتفه اعتبرت شقيقته وزوجته أنّه في وضع خطر أو تعرّض لمكروه. لذلك لا يمكن تصوّر أنّ شخصاً واحداً كان يمكنه أن يسيطر عليه. على الأرجح كان في العملية أكثر من شخص يتمتّع كل منهم بقدرة بدنية توازي أو تفوق قدرة لقمان. ومن الطبيعي أنهم كانوا مسلّحين.

على الأرجح لم يتمّ خطف لقمان من تحت المنزل مباشرة. كان من الأفضل للمنفذين تركه يجتاز مسافة قصيرة قبل اعتراضه وتوقيفه. وعلى الأرجح أنّه لم يتمّ قتله مباشرة. لو كانت الغاية القتل فقط لكانوا قتلوه وهو في سيارته وتركوه في مكان الجريمة. نقله من نيحا في صور إلى العدّوسية قرب صيدا يخفي أموراً أخرى كان يريدها الخاطفون من عملية الخطف قبل تنفيذ القتل. لذلك على الأرجح كانت الخطة تقضي بالخطف ثم القتل.

لو افترضنا أن الخاطفين كانوا يبحثون عن معلومات موجودة على هاتف لقمان فلماذا لم يحتفظوا بالهاتف؟ هذا السؤال يقود إلى احتمال آخر. هل هم الذين رموا الهاتف أم أن لقمان هو الذي تخلّص منه من دون أن ينتبهوا له؟ هل من الممكن أنّه أثناء عملية الخطف ونزول لقمان من السيارة لنقله إلى مقعد آخر في سيارته أو في سيارة أخرى، قد رمى الهاتف من دون أن ينتبهوا له خلال هذه الثواني من عملية الخطف؟

حكي عن أن السيارة لم تكن تحوي جهاز تعقّب GPS. لم يكن ممكناً بالنسبة إلى الخاطفين أن يعرفوا ذلك إلا إذا كانوا يعرفون مسبقاً طبيعة تجهيزات السيارة التي سيستخدمها في تنقّلاته. وهم يدركون بالطبع أن السيارة التي يستعملونها خالية من هذا الجهاز وخارج التغطية. في هذه الحالة كان من الممكن أن يشكّل جهاز هاتف لقمان دليلاً على المكان بديلاً عن جهاز الـ GPS، إذا كان موصولاً عبر الإنترنت بالموقع الذي يحدّد مكان الجهاز في شكل دائم ويرسم خريطة سيره والأماكن التي يمرّ فيها ويزورها. وهذه الخدمة متوفّرة في معظم أجهزة الهاتف الحديثة. في مثل هذا الوضع يمكن أن يكون من مصلحة المنفّذين رمي الهاتف حتى لا يتمّ التعرّف إلى المناطق التي سلكوها وتوقّفوا فيها. بين هذا الإحتمال ومعرفة ماذا يحتوي هاتف لقمان من معلومات ماذا كان على الخاطفين أن يفعلوا؟ كان في إمكانهم مثلاً أن يكون معهم جهاز كومبيوتر في السيارة يمكنهم إجبار لقمان على فتح جهاز هاتفه وبالتالي تفريغ المعلومات الموجودة فيه على الكومبيوتر ورمي الهاتف.

إذا كان الخاطفون غير مهتمّين بهاتف لقمان فلماذا خطفوه وقتلوه وتركوه على مسافة نحو 30 كلم من مكان الخطف؟ أي معلومات كانوا يريدون الحصول عليها منه مباشرة وليس من جهاز هاتفه؟ وبالتالي إذا كان هذا الهاتف غير مهمّ للخاطفين فلماذا هذا الإهتمام الزائد به من بعض الإعلاميين والمحقّقين؟ أي معلومات يمكن أن يضيفها هذا الهاتف على التحقيق لتساعد في كشف القتلة؟ هذا احتمال لا يمكن كشفه إلا بعد تسلم الهاتف.

خلال المدّة التي مرّت على عملية الخطف يمكن أن يكون تمّ محو كل داتا المعلومات من الهاتف، ومن المراجع التي يمكن أن تكون تخزّن فيها لاستعادتها في حال محوها بطريقة خاطئة أو تلف الجهاز وشراء جهاز آخر. في حال كانت هذه المعلومات لا تزال موجودة هل يمكن أن تدل على الجهة التي نفّذت عملية الخطف والقتل؟ الأرجح بحسب المتابعة الملتبسة الخلفيات لهذه المسألة أنه قد يكون المطلوب مسح معلومات عن نشاطات لقمان واتصالاته وارقام الهواتف، التي يتواصل معها بالإتصالات أو بالرسائل وكشف ما إذا كانت هذه المعلومات تشكل دليلاً لإدانته، عبر تسريبها أو تتضمن تهديدات تلقاها يمكن أن تقود إلى القتلة.

ولذلك تتحوّل مسألة تسليم هاتف لقمان إلى الأجهزة الأمنية وكأنّها هي القضية المطلوب حلّها، بينما في الواقع من الطبيعي أن يبحث التحقيق عن المسدّس الذي استعمل في قتل لقمان قبل البحث عن هاتفه. هناك تكمن القضية.