IMLebanon

تقلا شمعون: فلتعلّق المشانق!

كتب روي أبو زيد في “نداء الوطن”:

تجسّد أدوارها بصدق وذكاء وواقعيّة. تؤمن تقلا شمعون بوطنها وترفع إسمه عالياً بأعمالها وهي رقم صعب في الدراما يصعب تخطّيه. “نداء الوطن” التقتها فدار هذا الحوار العفوي النابع من القلب.

جسّدت دور الأم في مسلسلات عدّة منها “عروس بيروت” و”روبي”. كيف تقدمين هذه الشخصية بمشاهد مختلفة؟

أؤمن بأنّ الأشخاص غير متشابهين بالشكل أو الطّباع. من هذا المنطلق، تختلف شخصيات الوالدة من سياقٍ الى آخر. الدراما مرآة المجتمع لذا تتنوّع الأدوار التي أؤدّيها وأبتعد عن التكرار بما أقدّمه.

ألا تخافين من حصرك بدور الأم فقط؟

بالطبع لا، لأني أحرص على اختيار الدور بناءً على ما قدّمته سابقاً، ولا انتقي أي شخصية بسبب نجاحي فيها. برهنتُ حتى اليوم أنني أملك “المخيّلة الكافية” كي أحيك الشخصية بطريقة مختلفة وأثبتت أنّ لدور الأم مثلاً أوجهاً عدة وأنماطاً مختلفة. فشخصية رجاء في “جذور” لا تشبه عليا في “روبي” أو ليلى الضاهر في “عروس بيروت”.

كيف تحضّرين لشخصيتك وتغوصين في أعماقها؟

حين نؤمن بأنّ هذه المهنة تتطلّب إختصاصاً وبحثاً متواصلين كأي مهنة أخرى، يمكننا عندها الذهاب الى أماكن بعيدة في عالم الدراما. لذلك لست متعصّبة للأكاديميين في التمثيل لأني ما زلت أبحث عن اجابة السؤال التالي: “ماذا يعني أن أكون ممثّلة؟”. هناك مدارس كثيرة في الدراما وتيّارات مختلفة، يجب الإطّلاع عليها جميعها كي نبني هوية الشخصية التي نريدها والغوص في أعماقها. ورغم النجاح الذي يحقّقه الممثل، عليه أن يكون حذراً دائماً، ويعمل بجهد وكدّ ليؤدّي الشخصيات بكلّ واقعية، إذ ليس من السهل إقناع المشاهد بما يراه. أعتبر أنني نجحتُ مرّتين في تقديم دور الأم بكلّ صدقية: “عليا” في “روبي” و”ليلى الضاهر” في “عروس بيروت”.

لكنّ الشخصيّتين متناقضتان!

هذا صحيح، فالناس صدّقت أنّ “عليا” موجودة فعلاً، وتعاطف معها البعض وأرادوا زيارتها. كذلك، تتصل بي بعض الأمهات طالبةً دعم “ليلى الضاهر” في تربية أولادهنّ!

كيف تصنّفين واقع الدراما المحليّة؟

تسيطر الدراما العربية المشتركة على السوق بفضل المنصّات والمحطات التي تكفل انتشارها بشكل أكبر، على عكس الدراما المحليّة. إذ يسعى صنّاع المسلسلات الى التوسّع ودخول البيوت العربية كافة، ما يرتدّ إيجاباً عليهم ويطوّر في صناعتهم. اختلف الواقع اليوم مع الـ”PAN ARAB”، لذا أطلب من المنتجين والكتّاب والمخرجين أن ينظّموا ورش عمل للمحافظة على الدراما المحليّة التي تجسّد هوية مجتمعنا وتعكس خصوصيته.

لكنّ المسلسلات المحليّة لها بصمتها الخاصة كما لاحظنا في “غربة” و”حادث قلب” و”ع إسمك”.هذا ليس بجديد في الأعمال المحلية، إذ يبقى لهذا النوع متابعوه. لكني أحاول استشراف المستقبل لتعزيز الإستثمار في الدراما المحليّة كي تنتشر أكثر وأكثر ويبقى وهجها ساطعاً.

كيف يمكن تطوير الدراما المحلية غير المدعومة من الدولة والقائمة على مبادرات فردية؟

العنصر المادي رئيس وأساسي في تطوير هذه الصناعة، من هنا عتبي على المحطات: لماذا قدّمتم فتات الخبز للأعمال الدرامية المحليّة وأوليتم الأهمية القصوى للبرامج الأخرى؟ لماذا لم تستثمروا أموالكم بالشكل الصحيح؟ حين تشتري المحطات عملاً ما بمبلغ وفير، تتيح الفرصة للمنتج ليقدم الأفضل على جميع الأصعدة. حينها نرتقي في الدراما ونقدّم أعمالاً ذات جودة وصدقيّة عاليتين.

لماذا عليّ معاتبة المحطات في ظلّ غياب النقابات؟

الدولة لا تعترف بهذا القطاع، إذ لم تقرّ القوانين المناسبة لوضعه في الأطر الصحيحة. هذه الرجعية بحد ذاتها، وهذا الموضوع ينمّ عن جهل المسؤولين، هذا إن لم يكن هناك مؤامرة تحاك ضدّنا كي لا نصنع ذاكرة الشعوب من خلال أعمالنا الفنية.

حتى المسارح المتضرّرة من الإنفجار أعيد ترميمها بجهود فردية.

أنا تضرّرتُ من الوضع العام، إذ عمدت الى افتتاح مسرحي الكائن بـ”سنتر أبراج” في 22 تشرين الأول 2019، لكنّ الثورة اندلعت قبل خمسة أيام من الإفتتاح وفرملت جائحة “كورونا” وتردّي الأوضاع في البلاد مشاريعي. وها أنا أدفع إيجاراً شهرياً منذ سنة ونصف السنة لصالة جهّزتها بنفسي كي لا أخسرها، خصوصاً أنّ جميع الأعمال المفترض عرضها على خشبة مسرحي قد أُلغيت. وفي السياق نفسه، عمد بعض الجمعيات الى مساعدة الصروح الثقافية المتضرّرة، لكن حتى في هذا الموضوع هناك “إيد وإجر” ومحسوبيات. أردت التوسّع في هذه الحركة المسرحيّة ودعم المسرحيّين الجدد، لكن لم يلتفت أحد إليّ بعد كل الضرر وتوقّفي عن العمل.

ألا يخفّف ذلك من عزيمتك؟

أنا متفائلة دائماً إذ بعد العسر يسر، حتى إني لم أهاجر لبنان في أحلك الأوقات. همّي إيصال صورة بلدي الحضارية في الخارج ورفع إسمه عالياً. ممنوع أن نيأس من بلدنا وسنحارب الفاسدين وأعداء الثقافة والفن!

من الممثلة التي يمكنها حمل شعلة التمثيل في لبنان؟

لا أعلم إن كانت الشعلة محمولة أصلاً (ضاحكة). أضحى الإبداع نسبيّاً إذ نواجه مشكلة كبيرة تتعلّق بتراجع قيمة الأعمال الفنيّة المُقدَّمة. فظروف الحياة مقترنة بدرجة الإبداع لدى الإنسان. وكيف يمكن للفرد أن يطلق عنان تفكيره ويُبدع وسط تخبطه في الاوضاع الصعبة؟

هل من جزء ثالث لـ”عروس بيروت”؟

لا أعلم فالعمل تقرّر عرضه في جزأين. آمل أن تأخذ الجهة المنتجة مطالبة الناس في عين الإعتبار.

ما هو جديدك؟

أقرأ نصوصاً ممتازة بالنسبة إلي، خصوصاً أنني أتعاون مع جهةٍ منتجة داعمة وفريق عمل مهنيّ بإمتياز. كما أحضّر لعمل سينمائي سيُعرض في بلد أجنبي.

ستشاركين في عملٍ رمضانيّ؟

كلا، بل ستُعرَض أعمالي بعد الشهر الفضيل في محطاتٍ تلفزيونية، وعلى منصّات مواقع التواصل الإجتماعي.

هل حققت ثورة “17 تشرين” أهدافها؟

كلا، حتّى الساعة. لكنّ الثورة أدخلتنا في مرحلة جديدة عسى أن تنعكس إيجاباً علينا. يجب أن نتعاون لمحاربة السارقين والفاسدين، وعلى القضاء أن يحاكمهم ويعلّق مشانقهم.

ما الذي تعلّمته من تجربة “كورونا”؟

أؤمن أنّ بعد الصلب قيامة، فمرحلة “كورونا” بشعة جداً، لكنها ساهمت في جمع أفراد العائلة وتعاونهم لتخطّي هذه الجائحة فضلاً عن مشاركة بعضهم البعض الأمور الحياتية كافة. بدأنا نلتفت الى البيئة والأرض، فنطوّر قطاعات لم نعرها أهمية في وقت سابق كالصناعة والزراعة مثلاً.

 

في طفولتي، كنت أرى والدتي وجاراتها يستيقظن باكراً لانهاء الأعمال المنزلية ثمّ يجتمعن سويّاً وتستكمل كلّ سيدة اعمالها اليدويّة. وكنّ “يسلّقن” فتعرّفت على كل أنواع الأعشاب من “قرص العنّة” و”الهندبة” وغيرها. أما اليوم فعاد بعض الأطفال الى الطبيعة في قراهم بسبب الدراسة عن بُعد لذا أنا “أسلّق” في ضيعتي وأصطحب أولاد أشقائي معي فنمشي في الطبيعة ونعرّف أطفالنا على مكنوناتها. فرحتُ كثيراً لدى رؤية الفنانة سيرين عبد النور تعلّم ابنتها الطبخ، وأيقنتُ أنّ الرسالة التي أوصلتها مهمّة جداً. إذ مَن مِن الأمّهات تنبّه لهذا الموضوع بوجود مدبّرات المنازل؟ علينا توعية أجيالنا كي نعيد بناء مستقبلنا.

كلمة أخيرة؟

الشعب موجوع. من السهل مغادرة الوطن وفقدان الهوية ولكني أدعو الجميع الى التسلّح بالصلاة والإيمان والصبر. لن نترك وطننا. خسرتُ وعائلتي كلّ شيء خلال الحرب، وكان أشقائي يبيعون علب الدخان والكبريت على الطرقات ليؤمّنوا لنا لقمة العيش وأنا فخورة بهم.