IMLebanon

ارتفاع في معدّلات الاضطرابات النفسية واستهلاك المهدئات

كتبت كارين اليان في صحيفة “النهار”:

بين كورونا والوضع المعيشي والوضع الاقتصادي والأمني في لبنان، يجد المواطن نفسه غارقاً في بحر من الهموم حيث ليس ثمة في الأفق ما يوحي بالإيجابية. أمام الضربات المتتالية والعتمة المحيطة، ليس سهلاً على المرء أن يحافظ على صلابته، فتبدو صحته النفسية يوماً بعد يوم أكثر هشاشة وأكثر عرضة للاضطرابات. معدلات هذه الاضطرابات النفسية ارتفعت بشكل مخيف أخيراً وتستمر بالارتفاع تدريجاً، فيما تترافق هذه الزيادة مع ارتفاع في معدلات استهلاك مهدئات الأعصاب التي يجد فيها المواطن اللبناني السلاح الفاعل، لا بل الوحيد، في مواجهة كل ما يتعرض له من ضربات. اتجاه المواطن اللبناني إلى اللجوء إلى هذه المهدئات عشوائياً ليس من العادات الحديثة، إنما الجديد هو الارتفاع الكبير في معدلات استهلاكها.

هل من ارتفاع لافت في معدلات الإصابة بالاضطرابات النفسية؟

يبدو واضحاً بحسب رئيس الجمعية اللبنانية للطب النفسي الدكتور سامي ريشا أن ثمة زيادة واضحة في معدل الاضطرابات النفسية في البلاد نتيجة الازمات المتتالية وانتشار الوباء من ضمنها. واللافت خصوصاً ارتفاع معدلات الحالات التي كانت موجودة ومستقرة بفضل العلاجات في مرحلة سابقة فعادت وتأزمت بسبب هذه الظروف وتراجعت الحالة، إضافة إلى الحالات المستجدة من الاضطرابات النفسية التي لم تكن موجودة أصلاً وارتفعت ايضاً حالاتها بشكل ملحوظ.

فالمعدلات اليوم مرتفعة أكثر بكثير مقارنة بالصيف، كما كانت في الصيف مرتفعة مقارنة بأشهر سابقة، فثمة ارتفاع مطرد، وفق ما يظهر عيادياً، لكن لا تتوافر الأرقام والإحصاءات للأعداد الدقيقة. واللافت، وفق ما يشير إليه ريشا الارتفاع الملحوظ في معدلات الاضطرابات النفسية بين الأطباء والممرضين الذين يلجأون إلى العلاج النفسي بشكل لافت مقارنةً بالسابق. فلم تكن هذه الارقام موجودة سابقاً ضمن هذه الفئة. كما أنه ثمة ارتفاعاً ملحوظاً أيضاً في معدلات الإصابة بالاضطرابات النفسية بين فئة الشباب والطلاب والمراهقين بشكل أهم من ظهورها بين فئة الذين هم أكبر سناً، وقد يكون لانتشار الوباء وظروف الحجر دوراً في ذلك. أما أهم الأعراض التي يعانيها من يواجهون هذه الاضطرابات فهي القلق والأرق والكوابيس والاضطرابات الغذائية.

هل زاد معدل استهلاك المهدئات عشوائياً أيضاً بين المواطنين؟

معدل استهلاك المهدئات عشوائياً ومن دون إشراف #طبيب اليوم، كما يوضح ريشا، أكبر بكثير من السابق. واللافت، على حد قوله أن كثراً يحضرون إلى العيادة للمعالجة وقد تناولوا مسبقاً المهدئات ويسعون إلى التأكد من خلال الطبيب ما إذا كان ما يتناولونه مناسباً. علماً أن الـXanax والـLexotanil من اكثر الأدوية شيوعاً من تلك التي يتم تناولها عشوائياً إما باستشارة صيدلي أو صديق أو اي شخص كان، فيما يبقى الطبيب الاختصاصي المخوّل بشكل اساسي لوصف هذا النوع من الأدوية.

مما لا شك فيه أنه يمكن تناول مهدئات هي غير مناسبة للشخص، مع ما لذلك من مخاطر ومنها الإدمان عليها. إذ أنه في تناول المهدئات خطر الإدمان عليها وثمة أصول لتناولها بإشراف الطبيب الذي يحدد النوع والجرعات والطريقة. كما ان لهذه الأدوية آثاراً جانبية أخرى فهي تؤثر سلباً على الذاكرة والوعي.

ويشدد ريشا على انه لا يمكن تناول هذه المهدئات لأكثر من 3 أو 4 اشهر كحد أقصى ضمن الخطة العلاجية المتكاملة التي يضعها الطبيب. فمن المؤسف أن كثراً من اللبنانيين يجدون في المهدئات الحل، لكن في الواقع لم تكن المهدئات يوماً حلاً بل يشبهه ريشا بالـ”عكاز” الذي يمكن الاستعانة به حتى الوصول إلى بر الأمان ضمن استراتيجية علاجية كاملة. يضاف إلى ذلك ان لكل شخص ولكل حالة نوعاً من العلاج الذي لا يمكن ان يطبق على الكل عشوائياً.

لكون المهدئات ليست الحل، ما الذي قد يساعد؟

من المؤكد أن المهدئات ليست حلاً ولا يمكن تناولها عشوائياً، وهي لن تحل المشاكل التي يمكن مواجهتها. صحيح أن الطبيب قد يلجأ إليها في فترة معينة لكنها حتى ليست دائماً الحل الأول والمعالجة النفسية لا تستند إليها بشكل أساسي في الخطة العلاجية. في ظل #الأزمات المتتالية والصعوبات التي يواجهها اللبنانيون، يدرك الكل أن معالجة الازمة بذاتها أو تجنبها قد لا يكون ممكناً لاعتبارها تمس شؤوناً حياتية أساسية، تضاف إليها ظروف الحجر وانتشار الوباء الصعبة.

يدعو ريشا قدر الإمكان إلى عدم اللجوء إلى المهدئات عشوائياً لأنها ليست الحل، وإن كانت جزءاً منه أحياناً بإشراف الطبيب. في المقابل، يدعو إلى التركيز على ممارسة الرياضة بأنواعها لأنها تبقى من العناصر الأساسية في المعالجة النفسية، إضافة إلى التأمل والاسترخاء. تضاف إلى ذلك أهمية الحفاظ على روتين الحياة المعتاد الذي كان متبعاً في السابق، فيساعد ذلك في التهدئة من الناحية النفسية إلى حد كبير.