IMLebanon

لبنان نحو التأزيم.. والمواجهة مفتوحة

كتبت أنديرا مطر في “جريدة القبس”:

إلى المواجهة در. هذا هو عنوان المرحلة الراهنة في لبنان الذي خرجت به الجلسة النارية بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ليدخل لبنان مرحلة الخطر الكبير، على وقع تغييرات في تموضع القوى السياسية، وبالتوازي مع مسعى فرنسي باتجاه الأوروبيين والدول الخليجية للخروج بموقف منسق في مقاربة الازمة.

انطوى الشهر الخامس على تكليف الحريري بطلاق نهائي مع الفريق الرئاسي. قلب الحريري الطاولة بوجه الجميع، رافضا شروط عون واملاءات حزب الله، وهو حضر الى بعبدا حاملا معه مسلماته للتركيبة الحكومية: حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً، و من دون ثلث معطل لأي فريق.

وزع الحريري على الاعلاميين التشكيلة التي قدمها للرئيس عون منذ أكثر من 100 يوم، بعد أشهر من اتهامه بتقديم تشكيلة غير مكتملة. وأعلن اثر اللقاء الذي لم يدم سوى دقائق انه طلب من الرئيس ان «يسمع اوجاع اللبنانيين، ويعطي البلد فرصته الوحيدة والاخيرة بحكومة اختصاصيين تقوم بالاصلاحات وتوقف الانهيار، بلا تعطيل ولا اعتبارات حزبية ضيقة»، كاشفا ان عون ارسل اليه ليل الأحد تركيبة وزارية تتضمن ثلثا معطلا لفريقه، «فابلغته انني اعتبر رسالته كأنها لم تكن». لأن الرئيس المكلف «مش شغلتو يعبي أوراق» قال الحريري.

سيناريوهات كثيرة يتم التداول بها خلف الكواليس، منها اعتذار الحريري عن التشكيل واستقالة كتلته من المجلس النيابي، فيما يذهب فريق آخر لترجيح احتفاظه بورقة التكليف وربط اعتذاره باستقالة رئيس الجمهورية. كل هذه السيناريوهات مرجحة في وقت يشهد لبنان انحدارا سريعا على كل المستويات لم يعد معه شبح التفلت الأمني بعيدا.

توازيا، يبرز حرص فرنسي على انقاذ لبنان بأي ثمن. وحضر الملف اللبناني في اتصال أمس بين البابا فرنسيس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكذلك في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، حيث كان لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان موقف لافت ينتظر ان يترجم في الساعات المقبلة خصوصا بعد انفجار الخلاف بين عون والحريري.

لودريان طلب من نظرائه في الاتحاد الأوروبي النظر في سبل مساعدة لبنان الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، معرباً عن إحباطه من فشل جهود تشكيل حكومة جديدة في لبنان، وقال «لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقف مكتوف الأيدي ولبنان ينهار».

كلام لودريان يأتي امتدادا لما اعلنه الرئيس الفرنسي الخميس الفائت عن الحاجة الى مقاربة مختلفة للوضع اللبناني. ورغم ان الإجراءات التي ينوي ماكرون اعتمادها لا تزال ضبابية، فانها تندرج وفق ما هو معلن في زيادة الضغوط على المسؤولين اللبنانيين، وهي ستظهر تباعا وفقا لنتائج الاتصالات مع الاميركيين والأوروبيين، ولا تستثني الدول الخليجية للتنسيق في وضع آلية صلبة لاخراج لبنان من انهيار محقق.

وفق مصادر متابعة، فإن الفرنسيين لن يقدموا على أي اجراء احادي يكون مصيره الفشل. المصادر تشير الى ان احدى الأوراق التي تضعها فرنسا على الطاولة تتعلق بتبديل موقفها من تصنيف حزب الله الذي ستنحاز فيه الى الموقف الأميركي والأوروبي الى جانب مسار فرض عقوبات على شخصيات لبنانية، سياسيين وغير سياسيين، لهم علاقة بعرقلة تأليف الحكومة.

تخوف من اغتيالات

انهيار المساعي الحكومية فاقم قلق اللبنانيين المتوجسين من انفلات الأوضاع امنيا بعد بلوغ الازمة الاقتصادية والمعيشية دركها الأسفل. وبرزت في الساعات الأخيرة مخاوف من حصول عمليات اغتيال او جولات عنف على شاكلة 7 أيار 2008، وفقا لقاعدة يعرفها كل اللبنانيين عندما يقفل الأفق نهائيا في المواضيع السياسية. وعكست مواقع التواصل الاجتماعي هذه المخاوف حيث عبر المغردون عن خوفهم من عملية تطال الحريري او غيره من الأقطاب، وكذلك من لجوء قوى حزبية الى فرض هيمنتها بقوة السلاح، خصوصا في ظل إعادة تموضع سياسي برز في الأيام الأخيرة بعد موقف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله والذي مثل انحيازا واضحا للرئيس عون وفريقه، وكذلك بعد زيارة وليد جنبلاط الى قصر بعبدا، اضافة الى بيان حركة امل اللافت في توقيته ومضمونه، فقد طالب المكتب السياسي لحركة أمل الإسراع بتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين وفق المبادرة الفرنسية بعيداً عن الأعداد والحصص المعطلة.

وشكل البيان ردّاً مباشراً على موقف أمين عام حزب الله الذي دعا إلى حكومة تكنو سياسية، وكذلك على رئيس الجمهورية من خلال رفض اعطاء الثلث المعطل، بغض النظر عن حجم الحكومة أو صراع الأعداد. لكنه اظهر ان الخلاف بين مكوني الثنائي الشيعي يتجاوز الملف الحكومي الى ملفات اقتصادية ومالية ومعيشية تعمق الشقاق بين الطرفين.

هذا الخلاف ظهر في محطات سابقة في الموقف من حاكم مصرف لبنان الذي يصر نبيه بري على ابقائه في موقعه وفي مقاربة الازمة الاقتصادية، اذ يعتبر مناصر وامل ان حزب الله غير مستعجل لمعالجة الوضع المعيشي فهو يؤمن بيئته ماليا ومعيشيا ويدفع لعناصره بالدولار.

ولا تنظر حركة امل بعين الرضا الى موقف نصرالله الأخير الذي سارع رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل إلى تبنيه والترحيب به معلناً «البدء بمعركة محاربة الفساد» التي اعلن التيار الوطني مرارا انها تبدأ مع نبيه برّي.