IMLebanon

قصر “بسترس” – فرع بعبدا: “صمت” فرنسي و”صفعة” سعودية!

بعد الانزلاق إلى الدرك الأسفل على مقياس الأداء الرئاسي والسياسي، وبعدما تهشّمت رمزية موقع الرئاسة الأولى تحت وطأة أداء عبثي هزيل حوّل رئاسة البلاد إلى أشبه بمنصة إعلامية لتراشق تهم “التزوير والكذب”… يمرّ العهد العوني بحالة متقدمة من الوهن وانعدام التوازن، حتى أضحى يسير على غير هدى في خطوات متعثرة واتجاهات متخبطة، متكئاً فقط على زنود وزناد “حزب الله” للصمود في معركة “أرذل عمر العهد”، على وقع تسارع عوارض “الموت السريري” عليه في عاميه الأخيرين.

وإذ لم يكن حبر “البهدلة” قد جفّ على حرب الأوراق والمستندات التي دارت رحاها أمس في عقر باحة القصر الجمهوري إثر خروج رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من لقاء بعبدا العاصف، عاد رئيس الجمهورية ميشال عون ليجني على نفسه باستجلاب “هزائم” ديبلوماسية إلى القصر، الذي تحوّل خلال الساعات الأخيرة إلى “فرع مستحدث لقصر بسترس في بعبدا”، كما وصفته مصادر نيابية معارضة، في معرض إبدائها الأسف “للانحدار بمقام الرئاسة الأولى إلى مستوى من العزلة بلغ حدّ استجداء السفراء لزيارة رئيس الجمهورية”، معتبرةً أنّ “رهان مستشاري القصر على استثمار صورة استقبال السفير السعودي والسفيرة الفرنسية وتظهيرها بشكل إيحائي يروّج لانفتاح الرياض على عون وتفهّم باريس لشروطه الحكومية، سرعان ما بدا رهاناً على سراب تحت وطأة التزام السفيرة آن غريو الصمت ورفضها التصريح إثر لقاء رئيس الجمهورية، وهي رسالة أبلغ تعبيراً عن الغضب الفرنسي من التعطيل العوني للمبادرة الفرنسية، بموازاة تلقي “صفعة سعودية” تجسدت بما عبّر عنه السفير وليد البخاري تجاه شكل الزيارة ومضمونها”.

ففي الشكل، حرص السفير السعودي على التأكيد على كون الزيارة أتت بناءً على دعوة تلقاها من عون و”لا يملك بروتوكولياً رفضها”، كما أوضحت المصادر، بينما في المضمون أتى تشديد البخاري على “وجوب احترام اتفاق الطائف وأهمية مضامين قرارات مجلس الأمن 1701 و 1680 و1559 والقرارات العربية والدولية ذات الصلة من أجل الحفاظ على استقرار لبنان”، بمثابة رسم المملكة العربية السعودية “لخطوط رؤيتها العريضة للعلاقة مع لبنان”، انطلاقاً من مرتكزات السياسة الخارجية التي تؤكد على “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، وفي ذلك رسالة مزدوجة موجهة باتجاه التصويب على انسياق العهد العوني وراء تغطية تدخل “حزب الله” في الشؤون الداخلية للدول العربية.

أما في الشأن الحكومي، وفي حين بدا بيان مكتب الإعلام في بعبدا ناقلاً لـ”مونولوغ” رئاسي عبر الإضاءة على “شرح عون للسفيرة الفرنسية الإشكالات التي رافقت مراحل تشكيل الحكومة، مؤكداً تمسكه بالمبادرة الفرنسية”، من دون أن يتضمن البيان “حرفاً واحداً” عن لسان غريو خلال اللقاء، آثر في المقابل السفير السعودي إيصال رسالة المملكة بنفسه داعياً إلى “ضرورة الاسراع بتأليف حكومة قادرة على تلبية ما يتطلع اليه الشعب اللبناني”، مع التأكيد على وجوب أن يعمد “جميع الأفرقاء السياسيين إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا من منطلق الحاجة الملحّة للشروع الفوري بتنفيذ اصلاحات جذرية تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان”.

وفي السياق عينه، شددت أوساط ديبلوماسية عربية على أهمية “تلقف المسؤولين اللبنانيين الرسائل المتقاطعة بين المجتمعين الدولي والعربي إزاء مرتكزات الحل في لبنان، ونوهت بأنّ موقف جامعة الدول العربية (أمس) تجاه احتدام الأزمة اللبنانية، يؤكد بأنّ اللبنانيين غير متروكين من قبل أشقائهم العرب ولا من أصدقائهم الدوليين، لكن يبقى على لبنان نفسه أن يعود إلى مظلته العربية والدولية والعمل على استعادة الثقة الخارجية به عبر إجراءات إصلاحية جذرية وسياسة داخلية وخارجية غير منحازة لمحور ضد آخر”. وبالمعنى ذاته، نقلت الأوساط أنّ الموقف السعودي واضح وصريح لناحية تأكيد الحرص على لبنان والجهوزية لمساعدته “في حال استعاد التوازن في أدائه السياسي وإلاصلاحي… وإلا فلا مساعدات سعودية ما لم تلمس الرياض تغّيراً جوهرياً في السياسة اللبنانية” بما يتماشى مع المصلحة اللبنانية العليا والمصلحة العربية القومية.

وكذلك على المستوى الأممي، كانت دعوة من القائمة بأعمال مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي إلى القادة اللبنانيين بضرورة “ترك خلافاتهم جانباً وتحمل مسؤولياتهم والاستماع إلى دعوات اللبنانيين اليائسة”، في وقت استرعت الانتباه المشاورات الهاتفية بين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والبطريرك الماروني بشارة الراعي، والتي أعرب خلالها غوتيريش عن “اهتمامه الشديد بالوضع اللبناني وبضرورة تأليف حكومة والحفاظ على لبنان بعيداً من الصراعات”.

وإذ استمع من الراعي لتصوّره حيال “عجز الجماعة السياسية في لبنان في وقت انتشر فيه الجوع والفقر وشارف البلد على الانهيار التام”، مؤكداً أنّ “اللبنانيين ينتظرون دوراً رائداً للأمم المتحدة” في معالجة أزمتهم، اطّلع الأمين العام كذلك من البطريرك الماروني على “الأسباب الموجبة التي دفعته إلى المطالبة بحياد لبنان وبعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان”، على أن يكون “للبحث صلة” بين الجانبين.