IMLebanon

الحريري “يخلع” ثوب التنازلات و”يُنازل” عون برداء الإصطفافات

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

شكّل عام 2005 بداية دخول عوامل جديدة على السياسة اللبنانية، فبعد زلزال إغتيال الرئيس رفيق الحريري إختارت العائلة أن يكمل المسيرة نجله الرئيس سعد الحريري، في حين عاد الجنرال ميشال عون في 7 أيار 2005 من باريس ليفتح مرحلة مواجهة مع القوى التي ظنّ الجميع أنه سيتحالف معها.

خاض عون إنتخابات 2005 وخلق “تسونامي” مسيحياً، ومثله فعل الحريري الذي بات الممثل الأوحد للطائفة السنية، لكنّ الصراع بين الرجلين إنفجر في الإستحقاق النيابي وأكمل عند تأليف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، يومها اختار عون المعارضة غير راضٍ عن الحصّة الوزارية التي أعطيت له.

وكانت ورقة “تفاهم مار مخايل” المفصل الذي بدّل توازنات الساحة اللبنانية، فأُعلن الطلاق النهائي بين عون و14 آذار واختار الجنرال الإصطفاف إلى جانب “حزب الله” والمحور السوري – الإيراني.

لحظة إستلامه زمام القيادة، كان الحريري طريّ العود، لذلك فقد تمّ إختيار السنيورة لرئاسة الحكومة في العامين 2005 و2008، ليقرّر الحريري الدخول إلى السراي عام 2009 بعدما حصد الأغلبية النيابية، لكن إستدارة النائب وليد جنبلاط بعد اجتياح 7 أيار قلبت كل التوازنات، فانقلب عون وفرقاء 8 آذار على حكومة الحريري وأسقطوها في كانون الثاني 2011 عندما كان يزور الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، ليخرج عون بتصريح ناري ويقول قطعنا للحريري one way ticket.

ورغم كل أجواء النفور، فقد دار حوار عام 2013 بين “التيار الوطني الحرّ” وتيار “المستقبل” قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، لكن هذا الحوار لم يكتب له النجاح ودخلت البلاد مرحلة الفراغ الرئاسي.

حاول الحريري توجيه ضربة قاضية لأحلام عون الرئاسية عبر ترشيحه في خريف 2015 رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لكن موقف “حزب الله” المتمسك بعون وطريقة إخراج ترشيح فرنجية وإستفزاز الشارع المسيحي، من ثمّ توقيع ورقة التفاهم بين “التيار الوطني الحرّ” و”القوات اللبنانية”، كلّها عوامل أدّت لاحقاً إلى إبرام تسوية بين عون والحريري قضت بانتخاب عون رئيساً وعودة الحريري إلى السراي طوال عهد عون.

عاش عون والحريري، واستطراداً الحريري وباسيل، شهر عسل وبرز ذلك من خلال التحالف في الإنتخابات النيابية، لكن ثورة 17 تشرين 2019 بدّلت التوازنات مجدداً وأعادت العلاقة بين التيارين البرتقالي والأزرق إلى ما قبل تسوية 2016.

أكثر المتفائلين بصمود الحريري لم يكن يتوقّع من الرجل الذي عُرف عنه أنه رجل التنازلات والتسويات أن يواجه عون ومَن وراءه بهذه الصلابة، البداية كانت من طرحه معادلة “يا أنا وعون جوا أو برّا” في ردّ على معادلة باسيل “يا أنا والحريري جوا يا برّا”، من ثمّ كلامه العالي السقف من على منبر قصر بعبدا وكشف مضمون رسائل بعبدا بأسلوب عالي النبرة.

من يراقب سلوك الحريري في مواجهة عون وباسيل، يصل إلى استنتاج مفاده أن الحريري يستمدّ قوته من عوامل عدّة أبرزها أن الشعب كفر بالعهد وبسلوك باسيل، وأي شخص سيواجههما سيصطف الشعب معه.

أما النقطة الثانية فهي إصطفاف طائفته خلفه والتي تدافع عما يُعرف بصلاحيات رئيس الحكومة السنّي، في حين أنه يتمسك بشروطه من باب “هذا ما تريده الثورة”، أي حكومة إختصاصيين مستقلّة.

ويأتي التأييد لثبات الحريري من الخصوم قبل الحلفاء وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي لا يريد تأليف حكومة تكون الغلبة فيها لباسيل.

والأهم من هذا كلّه أن الحريري يتسلّح بمندرجات المبادرة الفرنسية وبدعم دولي كبير، فمن جهة هناك الفرنسيون والروس الذين يؤيدونه ولا يريدون إعطاء باسيل الثلث المعطّل، ومن جهة أخرى فإن الأميركي والسعودي لا يريدان حكومة يسيطر عليها باسيل و”حزب الله”.

وأمام إجتماع كل هذه العوامل، تؤكّد المعطيات أن الحريري مستمر في ثباته ولن يتنازل، عكس المرات السابقة، كما أنه متمسّك باستراتيجيته لأنه يعتبر تأليف حكومة بمواصفات عون وباسيل و”الحزب” ستؤدي إلى تمديد عمر الأزمة واستنزاف رصيده على الساحة السنية.