IMLebanon

المخرج للحكومة سياسي وليس دستوريًا… والمرجعيتان محكومتان بالتوافق

كتبت ماجدة عازار في صحيفة نداء الوطن:

أمام مأزق التأليف المستمرّ، ومساعي حلحلة العقد بعد حرب الوثائق والبيانات والصلاحيات بين بعبدا وبيت الوسط، هل يأتي الحلّ المنشود سياسياً أم بفعل مخرج دستوري ما؟ وماذا بقي من اوراق بعد في يد رئيس الجمهورية لاستعمالها في وجه الرئيس المكلف سعد الحريري للإطاحة بحكومة الاختصاصيين وتالياً بالتكليف؟ أم ان الرئيس المكلف سيحتفظ بالتكليف حتى نهاية عهد رئيس الجمهورية؟

سؤال طرحته “نداء الوطن” على الخبير الدستوري والوزير السابق زياد بارود، والخبير القانوني النائب السابق غسان مخيبر.

لم يُفاجأ بارود “بما نشهده اليوم، وهو كان أمراً متوقّعاً، إذ إنّ المسار الانحداري للأمور كان يبشّر بخلاصات كالتي نعيش، لأنّ نظامنا الدستوري مأزوم، وغياب المرجعية التي تتمكّن من حسم الخلاف أو التفسير أدّى ويؤدّي الى ما نعيش”.

فمن يفسّر الدستور إذاً؟ يجيب بارود: “حُجبت هذه الصلاحية عن المجلس الدستوري عندما أُنشئ عام 1990، علماً أنّ مشروع الحكومة يومذاك لحظ إناطة صلاحية تفسير الدستور بالمجلس الدستوري في التعديل الدستوري المقترح عام 90 ما بعد الطائف، ولكن عند مناقشة مشروع قانون التعديل في مجلس النواب اراد النواب حجب هذه الصلاحية عن المجلس الدستوري، واعتبروا أنّ من يفسر الدستور هو مجلس النواب، وبالتالي نحن اليوم امام هذه الاشكالية التي ظاهرها دستوري انما في الواقع المشكل سياسي وعميق جداً”.

ويلفت بارود الى أنّ “في الشقّ الدستوري هناك رأيان حول تشكيل الحكومة، طبعاً بالاضافة الى الثغرات التي لها علاقة بغياب المهل، فلا مهل للاستشارات النيابية الملزمة ولا مهلة للتشكيل، ففي غياب المهلة من يفسّر كيف تتشكّل الحكومة، علماً أنّه نقاش في غير محله على ما اعتقد، لأنّه واضح كيف تشكّلت الحكومات دستوراً وعرفاً منذ 1990. ودستورياً، لا يمكن تبسيط الأمور بأن يقول، مثلاً، الرئيس المكلّف لرئيس الجمهورية أنا أشكّل وأنت توقّع، فالفقرة 4 من المادة 53 من الدستور واضحة جداً والتفسير يصبح من باب لزوم ما لا يلزم، فهذه الفقرة التي تعدّد صلاحيات رئيس الجمهورية تنصّ على أنّه “يُصدر (اي رئيس الجمهورية) بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة”، ما يعني 3 أمور: أولاً، إنّ المرجعيتين محكومتان بالاتفاق، والاتفاق يعني، قانوناً، الشراكة في القرار، وعلى هذا الاساس تشكّلت كل الحكومات من 1990 الى اليوم بالاتفاق بين الرئيسين. ثانياً، إصدار المرسوم من قبل رئيس الجمهورية ليس إصداراً شكلياً أو أوتوماتيكياً، اي ليس من قبيل ما نسمّيه في القانون “الصلاحية المقيّدة”، (compétence liée)، فرئيس الجمهورية ليس في حالة التوقيع الحُكمي، بل ثمة صلاحية كاملة له، بمعنى أنّه لا يمكن تصوّر أن يعرض عليه الرئيس المكلف التشكيلة فيوقّع حكماً. تماماً كما لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يفرض على الرئيس المكلّف تشكيلة جاهزة. الرجلان محكومان بالتشاور وبالاتفاق. ثالثاً، منذ التعديلات الدستورية عام 1990 ما بعد الطائف وحتى اليوم تشكّلت الحكومات بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، حتى أنّ رئيس الجمهورية كان يختار وزراء والرئيس المكلّف كان يختار وزراء وكانا يتّفقان على التشكيلة برمّتها، فـ”شو عدا ما بدا هلق؟”.

أما حرب البيانات والوثائق والاوراق فكانت بالنسبة لبارود “جزءاً من التداول في تشكيل الحكومات منذ التسعينات وحتى اليوم، وانما في الكواليس، وليس في شكل علني كما يحصل اليوم، وليس في الامر شفافية أكثر، بل “بهدلة” اكثر لعقول الناس التي تطالب بحكومة قادرة لوضع حدّ للتدهور والانهيار”.

وهل لدى رئيس الجمهورية اوراق ليلعبها بعد؟ يجيب بارود: “لنفترض انه يستطيع توجيه رسالة الى مجلس النواب يطلب فيها مناقشة موضوع سحب التكليف، ولكن المجلس امام معضلة في هذا المجال لأنّ التكليف في رأيي خرج من يد مجلس النواب واصبح بيد رئيس الجمهورية، فالمادة 53 من الدستور تقول إن رئيس الجمهورية يسمّي رئيس الحكومة استناداً الى استشارات نيابية ملزمة، وبالتالي التسمية هي من صلاحية رئيس الجمهورية، وقد تمّت، وبالاستناد الى استشارات نيابية ملزمة، واليوم موضوع التكليف خرج من يد المجلس واذا اراد اعادة النظر فيه، فبالاضافة الى انه لا سابقة حصلت في هذا المعنى ولا نصّ في الدستور في هذا الصدد، السؤال هو: الاعتماد على ماذا؟ على نفس عدد الاصوات التي نالها الرئيس المكلّف لسحب التكليف أو النصف زائد واحد أو ماذا؟ هناك سؤال لا جواب عليه، وفي السياسة اعتقد أنّ هذا الموضوع سيطرح اشكالية اكبر بكثير من تلك القائمة اليوم لأنّه قد يفسّر على أنّه تعرّض لميثاقية ما… لذلك نحن امام مأزق سياسي بتعابير وخلفيات دستورية ولا مخرج دستورياً في الوقت الحالي، فالمخرج سياسي، واذا لم يعالج في السياسة في عمقه فعبثاً نحاول في الدستور”.

أما عن سيف العقوبات الاوروبية فيقول بارود “إنّ العقوبات الشعبية هي السلاح الامضى والافعل وليس العقوبات الخارجية، فأنا مع لبننة العقوبات، مع العقوبات التي تصدر عن الناس الذين يعانون، وأن تكون عقوبات معنوية في صندوقة الاقتراع، ولكن في الانتظار، اذا كان هناك من عقوبات اوروبية فهذا يعني ان الكيل طفح عندهم ولا نعرف وفق أي صيغة ستأتي وعلى من وتحت أي عنوان أو تأثيرها ومسارها، لأنّه ربّما بعض من تصرخ العقوبات، اذا جاز التعبير، في وجههم، آذانهم صمّاء، لأنّ المشكل سياسي وكأنّ الجميع معلّق على حبال انتظار ما سيحصل في المنطقة من توافقات”.

من جهته، يعتبر مخيبر أنّ “حل الازمة بتعديل دستوري هو هروب الى الامام، فاللبنانيون والبلد بحاجة الى حكومة بشكل سريع، واستمرار حرب الصلاحيات وحرب المستندات هو أدوات لجريمة موصوفة لقتل وطن، والمطلوب هو العودة الى المنطق والعقل، لأنّ الدستور بموضوع تشكيل الحكومة ترك لرئيس الجمهورية وللرئيس المكلّف أن يتّفقا على الحكومة والمخرج هو الاتفاق، وكل ما عدا ذلك هو اختراعات دستورية. هذه هي الازمة، ولا مخرج دستورياً في الحالة التي نعيشها اليوم لأنّ هناك إرادة دستورية كانت موجودة، بأن يُعطى هذان الشخصان حقوقاً متوازية الى حدّ كبير في تشكيل الحكومة، وهذا ما يضعنا في مأزق اذا كان هناك تشنج وعدم عودة الى شيء من المرونة التي تبدّي المصلحة العامة على المصالح الفئوية. فالحل اذاً في مرونة الاشخاص ووصولهم الى اتفاق تحت ضغط انهيار البلد ولا أرى حلاً آخر”.

أما وأنّ الانهيار حصل والمرونة تبدو شبه مستحيلة والكيمياء بين الرئيسين مفقودة، فهل يحتفظ الرئيس المكلف بالتكليف الى اجل غير مسمى ويبقى رئيس الجمهورية على موقفه؟ فيجيب مخيبر: “هذا التعنّت جريمة موصوفة من الطرفين، ومطلب الناس أن يعود هذان الشخصان ومن يمثّلان الى المنطق والمرونة، وإلا كانا مسؤولَين مباشرة عن انهيار البلد، والتاريخ والشعب لن يرحمهما”.

أما لجهة من يشكّل ومن يوقّع، فيقرّ مخيبر “بوجود ثغرات في الدستور وكان من المفترض ان يُمنح المجلس الدستوري صلاحية تفسيره لحل مثل هذه الاشكاليات القانونية، انما عدم منحه مثل هذه الصلاحيات ترك التفسير على غاربه لمتولّي السلطات، وفي هذه الحالة لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف. والدستور لم يحدد مهلة زمنية لتشكيل الحكومة ما ترك ايضاً المجال مفتوحاً للرئيس المكلف ان يستمر في عملية التأليف الى ما شاء الله. والدستور لم يضع ضوابط حتى لرئيس الجمهورية في ممارسته لصلاحيات قبول أو رفض التشكيلة التي تُعرض عليه من الرئيس المكلف، وبالتالي الدستور لم يتضمّن ضوابط لتسهيل اتخاذ القرار، وحلّ الثغرات الموجودة اليوم وسط الازمة هو هروب الى الامام”.

ويضيف: “الدستور فرض على الرئيسين ان يتفقا وهذه اصعب الحالات، لأنّ لا حلول مؤسساتية لفرض التوافق سوى الانهيار، الاداة الاخرى هي تعطيل عمل البلد، بمعنى تصريف الاعمال بالمعنى الضيق هو وسيلة ضغط دستورية موضوعة، وبالتالي التعطيل هو احدى الادوات التي تفرض على الرئيسين الاسراع في الاتفاق لانهما يكونان المسؤولين عن تعطيل البلاد، والمؤسف بانه اتُّبعت ادوات للتوسّع بممارسة الصلاحيات بما فيها ما يسمى الموافقات الاستثنائية لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وهذه هرطقة دستورية وهي اداة للتحايل على تصريف الاعمال بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال، وهي واحدة من ادوات الضغط، فطالما هناك من يعتبر بأن البلاد يمكن ادارتها بالحد الادنى تستمر المفاوضة على حافة الهاوية، وما نشهده اليوم هو مفاوضة على حافة الهاوية، فيعتبر كل طرف انه ما زال لديه متّسع او بعض الوقت لتحسين شروطه وهذه جرائم دستورية موصوفة، لأنّ بلداً يُقتل في هذا الاستمرار في عدم قبول المرونة، وفرض التفاوض المفتوح بفعل الثغرات الموجودة والتي تفرض مرونة وتنازلات متبادلة وهذا ما لا يحصل، لأن كل طرف يتشدّد في مواقفه ولا يحيد عنها والوقت يمرّ ولا حل سوى بـ”زرب” الرئيسين في غرفة واحدة وعدم السماح لهما بالخروج الا بعد تشكيل حكومة، والا فليستقل كلاهما لأن كيل الناس طفح فما يجري غير مقبول”.