IMLebanon

“فقاعة نووية” تثير رعب اللبنانيين

كتب حسين طليس في “الحرة”:

فيما كان اللبنانيون يترقبون مقررات المجلس الأعلى للدفاع بشأن إغلاق البلاد خلال أيام الأعياد وتمديد حالة التعبئة العامة بسبب الانتشار الكبير الذي يسجله فيروس كورونا، خرجت مقررات المجلس حاملة إليهم خبراً مرعباً معطوفاً على أسوأ كوابيسهم ومخاوفهم، انفجار المرفأ، بمواد نووية هذه المرة.

هكذا قرر أن ينتقل رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، من ملف انفجار المرفأ وتعويضاته إلى ما وصفه بملف “متفرع عن انفجار المرفأ”، ليعلن للبنانيين أن “هناك ملفا جديدا يشكل خطرا أيضا، وهو ما تحدث عنه التقرير الذي أعدته شركة “COMBILIFT” الألمانية، ويشير إلى مواد كيميائية خطرة موجودة في مستودع في منشآت النفط في الزهراني، وتبين بعد الكشف عليها من قبل خبراء في الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية أن هذه المواد هي مواد نووية عالية النقاوة، ويشكل وجودها خطرا، بحسب التقرير الذي وردني من الأمن العام”.

وعليه قرر المجلس الأعلى للدفاع “تكليف وزير الطاقة والمياه اتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الوزارات والمؤسسات المعنية، لا سيما الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية لتخزين المواد شديدة الخطورة، بعد سحبها من منشآت النفط أو أي أمكنة أخرى”.

رعب وهلع بين المواطنين

كان هذا الخبر كافياً لإثارة حالة من الهلع والرعب في صفوف المواطنين اللبنانيين، الذين لم ينسوا بعد مشهد انفجار مرفأ بيروت وسحب دخانه، لاسيما في منطقة قرى الزهراني، حيث سادت حالة من الخوف والقلق صفوف الأهالي، بحسب ما أكد رئيس اتحاد بلديات قرى الزهراني، علي مطر، في حين أكدت مصادر أهلية لموقع “الحرة”، أن بعض سكان المنطقة يفكرون بمغادرتها، أو غادروها بالفعل مؤقتاً، بعد شيوع الخبر، إلى حين نقل هذه المواد أو معالجتها.

إلا أن مطر أكد في اتصال مع موقع “الحرة” أن هذا الموضوع “مضخّم جداً، ولا داعي لكل هذا الخوف والقلق، فبعد اتصالات مع المجلس الوطني للبحوث العلمية، الذي يضم الهيئة الوطنية للطاقة الذرية، أكد أن لا خطر من هذه المواد فهي غير قابلة لا للاشتعال ولا للانفجار، وبالتالي الضجة المثارة حول هذا الأمر أكبر بكثير من حجمه”.

موقع “الحرة” تواصل مع الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية، د. معين حمزة، الذي شرح كامل ملابسات القضية، فبعد كشف مندوبي الهيئة الوطنية للطاقة الذرية، تبين أن هذه المواد عبارة عن أسيتات اليورانيوم، التي تعادل اليورانيوم المنضب، وهي غير خطرة ولا تشتعل ولا تنفجر. “يعود وجودها في منشآت الزهراني النفطية إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت تدير شركة Medrico الأميركية المصفاة النفطية”. هذه المواد كانت تستخدم في تطبيقات تتعلق بالطاقة الشمسية، وصلت إلى لبنان، بحسب الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، قبل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولم تخزن كمادة مشعّة في لبنان.

ويتابع حمزة أنه “بعد انفجار المرفأ صدرت تعليمات عن رئاسة الحكومة، بإجراء جردة كاملة لكل المواد الموجودة في المرافق العامة، وكانت منشأة الزهراني من بينها، حيث تم تسجيل هذه المواد كمواد غير مستخدمة، شأنها شأن كثير من المواد الكيميائية التي تصل إلى المختبرات ولا يتم إعادة استخدامها، فهذا لا يعني أنه يتم رميها في المجارير، بل يتم الاحتفاظ بها”.

الحكومة اللبنانية تواصلت مع الشركة الألمانية COMBILIFT التي أوكلتها مهمة التخلص من المواد الكيميائية الخطيرة التي عُثر عليها في مرفأ بيروت، وطلبت منها إزالة هذه المواد من مرفأ الزهراني، إلا أن الشركة الألمانية رفضت على اعتبار أنها تعمل على إزالة المواد الكيميائية فقط، وليس المواد المشعّة، بحسب ما يؤكد حمزة.

ويتابع “المواد التي عُثر عليها ليست بالحجم الكبير، وإنما هي عبارة عن نحو ٧ كبسولات تبلغ زنة مجموعها نحو ١.٤ كلغ، كشفنا عليها بناء على كتاب موجه من مديرية النفط قبل نحو أسبوعين، واقترحنا عليهم إما الاحتفاظ بهم بعد توضيبهم في صناديق خاصة مصنوعة من مادة الرصاص، أو تسليمهم لمجلس البحوث الذي يحتاج هذه المواد في عمله وأبحاثه في مختبراته، فقرروا أن نأخذها نحن، وعليه سوف نرسل فريقا من الهيئة الوطنية للطاقة الذرية، لنقلها يوم الإثنين إلى مختبراتنا لاستخدامها كما نستخدم أي مواد إشعاعية أخرى وفق البروتوكول. وسنبلغ عنها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضمن موجوداتنا”.

ضجة لا داعي لها

يشير رئيس بلديات الزهراني إلى أن الناس باتت تعاني من فوبيا المواد الكيميائية بعد انفجار بيروت، وكلما سمعت عن مواد في مكان ما تبلغ عنها وتتخوف منها فيما أحيانا تكون مجرد مواد زراعية”.

وفي هذا الإطار، يؤكد أمين عام المجلس الوطني للبحوث العلمية أنه لم يكن هناك داعٍ لكل الضجة التي أثيرت حول الأمر، “لنكن منطقيين، لا يمكننا كلما وجدنا عبوة مواد كيميائية أو سمعنا عنها أن نثير كل هذه الضجة ومخاوف الناس، وإلا فلنفرغ المستشفيات والمصانع والمختبرات ومعامل الأدوية اللبنانية مما تحتويه من مواد كيميائية ومواد مشعة، فلا يبقى شيء في البلد بحجة أنها مواد خطرة، كيف سنقوم بإجراء أي صورة إشعاعية؟ هذا ليس منطقياً ولا يجوز تعميمه بهذه الطريقة، فهذه المواد موجودة من حولنا وباتت جزءا من حياتنا ومن الحضارة العالمية، كل ما هو مهم أن يتم حفظها واستخدامها وفقاً للأصول والبروتوكولات المعتمدة”.

مصادر أمنية تحدثت لموقع “الحرة” عن سخرية في الأوساط العلمية من كل المشهد الذي شهده لبنان اليوم، حيث أن هذه المواد موجودة في عدد هائل من المختبرات بين الأماكن السكنية والمدن حول العالم، ولا تمثل أي مخاطر طالما أنها محفوظة وتستخدم بشكل مناسب”. واصفة ما جرى بـ “استعراض بطولات لا قيمة له، فمنذ أن كشف على المواد كان معلوماً لدى الجميع أنها ليست مواد خطرة وأن معالجتها ستتم بالطريقة نفسها التي أعلنها اليوم مركز البحوث، كل هذه المعلومات كانت بحوزة الأجهزة الأمنية ووزارة الطاقة ورئاسة مجلس الوزراء، وبالتالي لا تفسير لطريقة المعالجة العلنية للموضوع بهذه الصيغة “الطارئة” التي أوحى بها المجلس الأعلى للدفاع إلا أنها استعراض رسمي يهدف للقول بأن الدولة لا تزال فاعلة، للتغطية على الشلل الذي يضرب كل المؤسسات فيها”.

وحذرت المصادر من أن هذا “اللعب بأمن المجتمع وتخويف الناس بهذه الطريقة سيعود بنتائج عكسية، لأن هذا الأسلوب يؤدي إلى مزيد من التأزم في الواقع الاجتماعي، في مقابل فقدان الثقة بالدولة وأجهزتها وأمن المواطنين في ظلها، ومن المعيب الاستهتار بأعصاب الناس وأمنهم في هذه الظروف”.

مكتب رئاسة الحكومة يرد

موقع “الحرة” تواصل مع مكتب رئاسة الحكومة اللبنانية، لوضعها أمام النتائج التي جاءت مطمئنة لا خطر منها بعكس ما أثاره رئيس الوزراء، وأمام الانتقادات والاتهامات التي طالته بـ”الاستعراض والمبالغة”، فكان الرد أن “النتائج التي كشفها مجلس البحوث ممتازة، وهذا هو الأهم. والمطلوب ألا يكون هناك خطر وأن يقوم كل طرف بمسؤولياته”.

وأوضح المكتب أن “كلام رئيس الحكومة وتحذيره من خطورة هذه المواد جاء استناداً لتقرير الشركة الألمانية ووصفها، وهو قد صدر قبل يومين، اليوم كشف مجلس البحوث وتبين له أنها ليست خطرة، وهذا عظيم، وبالتالي بات يتحمل المجلس مسؤولية تقريره بناء على كشفه وخبرته، وهذا أفضل من أن يحصل أي طارئ لا سمح الله دون أن نكون على علم به”.

ويختم المكتب متسائلاً “أين الاستعراض؟ النقاش في هذا الموضوع جرى في جلسة مغلقة لمجلس الدفاع الأعلى وفيه المداولات سرية وليس على الملأ وبالتالي لم يكن هناك إمكانية للاستعراض أصلاً، وليس صحيحاً أن الحكومة كانت علم بهذه المواد من قبل فالتقرير وصلها منذ يومين فقط وعلى هذا الأساس تم تقدير الخطورة، ولم يكن هناك معطيات سابقة”.