IMLebanon

المسؤولون يشكون تآكل رواتبهم… فماذا عن الفقراء؟

جوني فخري – “العربية”:

تواصل الليرة اللبنانية السقوط الحرّ مقابل العملة الخضراء، ليلامس سعر صرف الدولار 15 ألفاً في السوق السوداء، أي ما يقارب 10 أضعاف السعر الرسمي البالغ 1500 ليرة.

وفي وقت عزا خبراء اقتصاديون الانهيار المتواصل لليرة اللبنانية إلى أسباب عديدة اقتصادية ومالية وسياسية لعل أبرزها عجز السلطة الحاكمة حتى الآن عن اتّخاذ الإجراءات اللازمة، تتآكل رواتب اللبنانيين وتتراجع قدرتهم الشرائية بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الاستهلاكية.

استراتيجية العجز

غير أن استراتيجية “العجز” هذه التي تتبعها السلطة انسحبت أيضاً على رواتب ومخصصات المسؤولين أنفسهم، من رؤساء ووزراء ونواب يتقاضون معاشاتهم وفق سعر الصرف الرسمي 1515 كما معظم اللبنانيين.

إلا أن “الفارق” بين هؤلاء المسؤولين والمواطن اللبناني العادي الذي كُوي بنار الغلاء وانهيار الليرة، أن معظمهم يملكون مصادر دخل أخرى “لا تعد ولا تُحصى” وملايين مُكدّسة تقيهم شرّ الدولار وتأثيره على أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية.

ثروات بالمليارات

فرئيس الحكومة الأسبق والنائب الحالي نجيب ميقاتي (ابن مدينة طرابلس أفقر المدن على البحر الأبيض المتوسط) يملك ثروة قُدّرت في السنوات الماضية بـ 3.3 مليار دولار، كذلك رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بثروة تُقدّر بـ 1.5 مليار دولار ورئيس الجمهورية ميشال عون بثروة قُدّرت بـ1.2 مليار دولار، وذلك في آخر تصنيف لمجلة مجلة “فوربس” الأميركية المتخصصة في العام 2019 و2020.

كذلك يملك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ونجله النائب الحالي تيمور عقارات وشركات غاز وبترول ونبيذ، وتقُدّر ثروته بمليار دولار.

أما رئيس مجلس النواب نبيه بري المتربّع على عرش السلطة التشريعية منذ أكثر من عشرين عاماً فتُقدّر ثروته بأكثر من 70 مليون دولار نتيجة استثماره في مشاريع إنتاجية وشركات وعقارات مع أفراد عائلته، كذلك رئيس الحكومة السابق النائب الحالي تمام سلام المقدّرة ثروته بملايين الدولارات.

ومن أصحاب الملايين أيضاً، نجل الزعيم الشمالي رئيس “تيار المردة” النائب السابق سليمان فرنجية، طوني فرنجية الذي تُقدّر ثروته بأكثر من ستين مليون دولار جمعها من استثمارات في شركات وعقارات، وأيضاً صهر رئيس الجمهورية رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل.

لكن بالعودة إلى أصل الراتب الشهري لهؤلاء المسؤولين، كيف أصبحت “أرقامه” مع انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، علما أن معظمهم يملك مصادر دخل أخرى؟

تقلّص راتب رئيس الجمهورية

فبحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين فإن رئيس الجمهورية الذي يتقاضى مخصصاً شهرياً قدره 12 مليونا و500 ألف ليرة (نحو 8300 دولار وفق سعر الصرف الرسمي 1515)، أصبح اليوم مع انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الواحد، يساوي 833 دولارا”.

كما أضاف لـ”العربية.نت” أن “رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء يتقاضيان 11 مليونا و835 ألف ليرة شهرياً (أي 7890 دولار وفق سعر الصرف الرسمي)، وأصبح اليوم مع تدهور سعر صرف الدولار 790 دولارا.

تراجع معاشات الوزراء والنواب: أما الوزير فراتبه الشهري 8 مليون و625 ألف ليرة أو ما يعادل 5750 دولارا وفق السعر الرسمي لليرة أصبح 557 دولارا اليوم، فيما يتقاضى النائب 11 مليونا و750 ألف ليرة شهرياً (8030 دولار وفق سعر الصرف الرسمي) فبات 733 دولارا.

وأشار شمس الدين إلى “أن انهيار سعر صرف الليرة انسحب أيضاً على رواتب المدراء العامين في الإدارات الرسمية، بحيث أن المدير العام الذي كان يتقاضى شهرياً 9 ملايين ليرة في الشهر (أي ستة آلاف دولار وفق سعر الصرف الرسمي) أصبح راتبه اليوم يساوي 697 دولارا”.

إجراءات ليست بمستوى الأزمة

وفي السياق، أسف شمس الدين “لأن الإجراءات التي تّتخذها السلطات ليست بمستوى الأزمة، مضيفا أنه “مع تواصل انهيار الليرة فإننا سنشهد إقفال مزيد من المؤسسات الخاصة والمحال التجارية في وقت سيرتفع معدل البطالة”.

راتبي كنائب لا يكفي

من جهته، شكا النائب عن حزب “القوات اللبنانية” وهبة قاطيشا من تدهور قيمة راتبه، قائلاً للعربية.نت “راتبي كنائب في البرلمان أصبح يساوي 800 دولار، ما يؤثّر ليس فقط على حياتي اليومية، وإنما أيضاً على التزاماتي تجاه الناس.

وحمّل المنظومة الحاكمة مسؤولية “تجويع الناس”، فيما يتهم العديد من اللبنانيين جميع النواب والوزراء بالتسبب في تلك الأزمة وإن بنسب متفاوتة.

عملي كطبيب يعوّض

بدوره، لفت النائب عن “التيار الوطني الحر” ماريو عون لـ”العربية.نت” “أن وضع النواب لا يختلف عن وضع أي مواطن عادي، لأن رواتبهم كنوّاب تلاشت كثيراُ”.

ولا يعتمد عون على راتبه كنائب كما يقول، لأنه يعوّض خسارة جزء كبير منه من عمله كطبيب.

من جهته، أوضح النائب عن الحزب “التقدمي الاشتراكي” بلال عبدالله لـ”العربية.نت” “أن أزمة الدولار تُثقل كاهل الجميع، مضيفا “للتعويض عن خسارة أكثر من نصف راتبي كنائب ألجأ إلى سحب مدّخراتي من المصرف على رغم أنني أخسر من قيمتها”.

ومع أن النائب عبدالله يعاني مثل غيره من اللبنانيين من تآكل راتبه، إلا أنه يرفض شعار “كلن يعني كلن” الذي رفعه الثوار في انتفاضة 17 اكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد الطبقة السياسية الحاكمة، مشيراً إلى “أن هذا الشعار “خرب البلد”، لأن المسؤول الحقيقي عمّا وصلنا إليه هو من عزل البلد عن محيطه العربي منذ أربع سنوات”.

أما النائب عن “تيار المستقبل” محمد الحجار فأكد أنه لا يملك مصدرا آخر للعيش غير معاشه، قائلا لـ “العربية.نت” “إن تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار أثّر بشكل كبير على النواب الذين لا يملكون مصادر دخل أخرى وأنا واحد منهم، لأنني أُجبرت على الاستقالة من وظيفتي كأستاذ جامعي بعدما انتُخبت نائباً منذ سنوات”.

إقرار واعتراف

إلى ذلك، أقر بأن كل الطبقة السياسية مسؤولة عمّا وصل إليه لبنان، لكن هذه المسؤولية تتفاوت بين قوى سياسية وأخرى، قائلا “نحن في تيار المستقبل اعترضنا على قوانين عدة ساهمت في زيادة نفقات الدولة مثل سلسلة الرتب والرواتب وزيادة مخصصات القضاة، لأنها لم تؤمّن في مقابلها الإيرادات اللازمة”.

وفي الإطار عينه، قالت وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال لميا يمّين لـ”العربية.نت” “إن ما يُصيبنا نتيجة ارتفاع سعر الدولار لا يختلف عمّا يعانيه الشعب اللبناني. نحن نشعر معه، خصوصاً الفقراء وأصحاب المداخيل المتدنّية”.

كذلك، لفت وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه لـ”العربية.نت” إلى “أنه كغيره من اللبنانيين تآكل راتبه نتيجة انهيار سعر صرف الليرة”. وقال “تصاعد سعر صرف الدولار يؤثّر كثيراً على أسعار السلع. أنا أزور السوبرماركت مرتين في الأسبوع وألمس الارتفاع الجنوني بالأسعار”، علما أنه من واجب الوزارة مراقبة التلاعب بالأسعار من قبل التجار.

الله يساعد اللبنانيين

ولعل الأغرب أن الوزير المسؤول أقر بشكل غير مباشر أن ما باليد حيلة، قائلا “الله يساعد اللبنانيين على هذه الأوضاع.”

إلا أنه عاد وأوضح أن المخرج الوحيد للأزمة التي نتخبّط بها تشكيل حكومة سريعاً يليها عقد اتّفاق مع صندوق النقد الدولي والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة مثل الكابيتول كونترول وإقرار استقلالية القضاء”.

تراجع نمط الحياة ونوعيتها

من جهتها، شكت وزيرة المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال غادة شريم في تصريح لـ”العربية.نت” من تراجع نمط حياتها ونوعيتها مع تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار”.

وقالت “راتب الوزير أصبح كرواتب معظم اللبنانيين لا قيمة له، أضف إلى ذلك أنه لا يحصل على معاش تقاعدي كالنائب المُنتخب مثلاً على دورتين. كما أن الوزير وأثناء ممارسته لعمله الوزاري لا يحق له القيام بأي عمل آخر على عكس النواب”.

أكثر من 55% من اللبنانيين فقراء

وإن كان الوزراء والنواب يشكون، فماذا يقول المواطن “الغلبان”، لعل هذا السؤال الذي يتبادر إلى أذهان كل لبناني يستمع إلى شكوى مسؤوليه.

يشار إلى أنه مع استمرار تدهور سعر صرف الليرة تزامناً مع أزمة سيولة حادة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار، أصبح أكثر من 55% من اللبنانيين فقراء، وأكثر من 25% تحت خط الفقر، ما يعني أن دخلهم لا يكفي لتوفير الغذاء الصحي والسليم، وهذه النسب تتصاعد تدريجياً بالتوازي مع انهيار سعر صرف الليرة.