IMLebanon

تحذيرات من “منتجات بيولوجية” إيرانية في لبنان

كتب حسين طليس في “الحرة”:

سريعاً كان رد القضاء اللبناني للإخبار الذي تقدم به مجموعة من المحامين ضد وزيري الصحة اللبنانيين المتعاقبين، الحالي حمد حسن والسابق جميل جبق، في قضية إدخال الأدوية الإيرانية إلى السوق اللبنانية دون إخضاعها للبروتوكول المعتمد والفحوصات اللازمة، حيث تم حفظ الشكوى المقدمة من قبل المدعي العام التمييزي غسان عويدات، في اليوم نفسه لتقديم الإخبار.

ولا يزال ملف “الأدوية الإيرانية” يتفاعل في لبنان، على الرغم من مرور أكثر من عام على إثارة قضية إدخاله إلى البلاد، عاد الملف إلى التداول الإعلامي مجددا، من باب الخطر الكبير الذي تمثله هذه “المنتجات” في حال استخدامها وترويجها دون اختبار تأثيراتها على صحة الإنسان، وفق دعوى تقدم بها مجموعة من المحامين ومعهم أطباء ونشطاء.

هي ليست أدوية إيرانية تلك التي دخلت إلى لبنان، ومن الخطأ علميا وصفها بالأدوية، هذا ما يجب على الناس أن تعرفه وتفهمه جيدا قبل أي شيء منعا للالتباس، هنا لا نتحدث عن أدوية عادية أو (جينيريك) كالتي تعرفها الناس وتستخرج من مركبات كيميائية أو نباتات، وإنما نتحدث عن شكل جديد كليا من العلاج البيولوجي الذي يقوم على خلايا حية ممكن أن تكون فايروس أو بكتيريا معدلة جينيا وظيفتها العلاج، ومن هنا تبدأ المشكلة”، تقول الدكتورة سوزان سربيه العضو المؤسس لمنظمة “أطباء القمصان البيض”، في حديثها مع موقع “الحرة”.

إخبار مفصل أمام القضاء

وكان قد تقدم، صباح الاثنين، عدد من المحامين اللبنانيين بإخبار أمام النيابة العامة التمييزية في بيروت موضوعه: “إدخال أدوية إيرانية الصنع بديلة (Bio similar) إلى لبنان بشكل مخالف لمعايير منظمة الصحة العالمية وللأصول والإجراءات القانونية والإدارية المعتمدة لتسجيل الأدوية والمستحضرات الصيدلانية في لبنان، أي دون تحليلها مخبريا في مختبر مرجعي، وبغياب المعلومات العلمية الكافية حول جودتها وسلامة محتوياتها وصحة استعمالها، مما قد يتسبب بوفاة المرضى وتعريض النظام الصحي الوطني لخطر أكيد نتيجة المضاعفات والتداعيات السلبية لهذه الأدوية”.

الإخبار المقدم من 13 صفحة، يفند الآلية المعتمدة من قبل وزارة الصحة في إدخال وتسعير واختبار الأدوية قبل السماح بتوزيعها في الأسواق واعتمادها من قبل الوزارة، حيث اختار لبنان الالتزام بمعايير منظمة الصحة العالمية كجهة مرجعية لتسجيل الأدوية “البیو مشابهة”، وبالتالي فرض على مستوردي ومصنعي هذا النوع من الأدوية إجراءات صارمة تسبق تسجيل الدواء المستورد أو المصنع، وتقسم إلى قسمين إداري وعلمي بهدف التأكد من التشابه بين الدواء “البيو مشابه” وبين البيولوجي الأصلي وسلامة استعماله.

وعلى الرغم من اعتماد هذه الإجراءات الصارمة، تفاجأ العاملون في القطاع الطبي بإدخال سريع وغامض لـ 13 دواء “بيو مشابه” إيراني إلى الأسواق اللبنانية وتسجيلها وتسعيرها، بحسب الإخبار، في عهد وزیري الصحة السابق جمیل جبق، والحالي حمد حسن

فبعد أن كان قد أصدر جبق قرار رقم 1/744 في أبريل 2019 بوقف قبول طلبات تسجيل الأدوية بحجة “ضغط العمل”، عاد الوزير واستثنى من المنع بالقرار رقم 1/2605 أدوية البیو مشابهة، كما أعطى لطلبات تسجيل هذه الأخيرة أولوية على الطلبات الأخرى.

ويكشف الإخبار أنه “بناء على تعليمات وإلحاح جبق، أعطت اللجنة موافقتها على تسجيل أدوية عدة دون استكمال ملفھا ولكن أصرت على ضرورة توفر شرط التحليل في مختبر مرجعي، الأمر الذي لم یتحقق حتى اليوم، مما یعني أن الأدوية الإيرانية المذكورة دخلت الأسواق اللبنانية قبل التأكد من سلامتها من خلال إخضاعها للفحوصات المخبرية المطلوبة.”

تؤكد الدكتورة سربيه أن “الوزير جبق ضغط على اللجنة من أجل تسريع عملية التسجيل كنوع من الأمر للجنة التي وافقت على قرار الوزير بشرط أن يخضع للاختبارات اللازمة في المختبرات المعتمدة. طارت الحكومة السابقة خلال الاحتجاجات ووصلت الحكومة الحالية بوزير الصحة الحالي حمد حسن، وفجأة وجدنا أن الأدوية التي تحتاج أقله إلى أشهر للاختبار والتسجيل والتسعير، قد باتت مسعرة على لوائح وزارة الصحة وفي الأسواق ومركز الوزارة لتوزيع الأدوية في الكرنتينا”.

وبعد جبق، ينص الإخبار على أن حسن، جاء لیكمل بالمسار عينه ولم یفرض إجراء الفحوصات المخبرية اللازمة على الشركة المستوردة. كما أنه حاول تبرير التسجيل السابق للفحوصات المخبرية للأدوية المذكورة خلال مؤتمر صحفي سابق له، قال فيه إن المصانع الإيرانية حائزة على شهادة تصنيع وفقا للمعاییر العالمية وبالتالي الایحاء بأن التسجيل أتى وفقا للقانون. فيما قامت مجموعة من الأطباء المعروفة بـ “القمصان البیض” بتفنيد ما قالت إنها مغالطات وزیر الصحة الحالي بهذا الخصوص.

“يدعي الوزير أن الأدوية قد خضعت للتحليلات اللازمة، لكنه حتى الآن لم يعرض أي دراسات أو نتائج مخبرية أو تحاليل تثبت كلامه على العلن”، تقول سربيه، وتنقل عن مصادر من وزارة الصحة قولها إن “الاختبارات التي يتحدث عنها الوزير أجريت في مختبرات إيرانية غير معتمدة لدى منظمة الصحة العالمية، وهذا ما لا يمكن أن يكشف عنه وزير الصحة”.

وتتساءل سربيه “يفترض بقانون الشفافية وحق الوصول للمعلومات أن يتم الكشف عن هذه المعطيات إذا كانت موجودة، لكننا لم نحصل من الوزارة على شيء، أين هي الدراسات التي يتحدثون عنها “شو شبح؟” ولماذا يمكننا قراءة الدراسات الأميركية ولا يسعنا قراءة دراسات إيرانية؟ ما الذي يخفونه ويخافون منه في ملفات هذه الأدوية كي يخفوها بهذه الطريقة؟”.

ولم تتوقف ارتكابات الوزیرین على التسريع بالتسجيل”، بحسب نص الإخبار، “بل تمثلت أيضا بالموافقة على تسجيل أدوية مرجح أن تكون آثارها الجانبية كارثية على الشعب اللبناني باعتبار أن الأدوية تستعمل في علاج الأمراض المزمنة والخطرة، من أهمها على سبیل المثال لا الحصر: التهاب المفاصل، التهاب المفاصل لدى الأطفال، أمراض جهاز المناعة لدى الأطفال، أمراض سیلان الدم، داء كرون، سرطان الدم، سرطان الغدد اللمفاوية، تصلب متعدد.”

وعليه تكون الأفعال المبينة أعلاه تقع تحت طائلة الملاحقة القانونية بالجرائم المنصوص عليها في المواد 376 و607 و608 من قانون العقوبات اللبناني، حيث طالب المحامون في الإخبار بملاحقة ومحاسبة الوزراء المعنيين والشركة المستوردة وكل من يظهره التحقيق فاعلا أو شريكا أو محرضا ومتدخلا.

يذكر أن جمیع الأدوية المذكورة مستوردة من شركة Lebiran ش.م.م والتي لم تستكمل ملفها وفقا للأصول قبل البدء باستيراد وبیع هذه الأدوية، ولم یتبین وجود أي قیود لهذه الشركة في السجل التجاري، بحسب الإخبار المقدم.

استهداف سياسي؟

يشير المحامي مجد حرب لـ”الحرة” إلى إن “الهدف من الإخبار وقف التداول بالأدوية الإيرانية إلى أن تخضع للاختبارات اللازمة في المختبرات المرجعية، يحاولون تصوير المشكلة على أنه استهداف سياسي وكأننا نرفض الأدوية هذه لمجرد أنها إيرانية، ونريد منع دخولها إلى لبنان، وهذا غير صحيح، نحن نقول إن وزير الصحة سمح بإدخال هذه الأدوية بطريقة مخالفة للقانون وتهدد السلامة العامة، وكل ما نريده أن تخضع شأنها شأن جميع الأدوية من حول العالم للفحوصات التحليلية في المختبرات المرجعية، والمشكلة أنهم يدعون ذلك فيما الواقع معاكس”.

المشكلة، بحسب حرب، “أن هذا الدواء خطر إذا ما كان منسوخا بطريقة خاطئة قد يسبب مضاعفات تصل إلى الوفاة، وللتأكد من سلامته يجب أن يخضع لفحوصات متطورة في مختبرات مرجعية، والوحيد القادر على إجرائها والمدرج لدى وزارة الصحة موجود في إسبانيا ولم يتم إجراء أي فحوصات فيه، حيث دخلت الأدوية الإيرانية “خط عسكري” إلى لبنان مع ما يمثله ذلك من مخاطر صحية محتملة”.

ويضيف حرب “لا يمكن إنكار البعد السياسي للموضوع، لكن التسييس لهذا الملف الصحي بدأ مع الوزراء الذين سمحوا بدخول هذه الأدوية بطريقة مخالفة للأصول المعتمدة والقوانين لأهداف وغايات سياسية، الأدوية دخلت أصلا بطريقة سياسية، ولكن تسييس الموضوع مضر ولا يمكننا أن نقدم الولاء السياسي على حساب صحتنا والتضحية بسلامة أهلنا، أخذ الموضوع من الناحية التقنية الصحية هو ما يفيد ونأمل من القضاء أيضا أن يأخذها من هذه الناحية، وأن يخافوا على أهلهم ومواطنيهم كما نخاف على أهلنا ومواطنينا، خاصة أن هذه الأدوية بمعظمها تعطى عن طريق الحقن وبالتالي لا أعلم كم مريض في لبنان يبلغ بأي دواء يتم حقنه في المستشفيات، وبالتالي كلنا معرضون ليتم إعطاءنا هذه الأدوية ولنتحول إلى حقل تجارب بشري”.

لكن القضاء حمل ما لم يتوقعه حرب وزملاؤه وجميع المختصين المتابعين للملف، إذ قرر النائب العام التمييزي في لبنان القاضي غسان عويدات حفظ الشكوى المقدمة، معللا قراره “بعدم وجود ما يبرر اتخاذ أي إجراء قضائي فيها”.

وقالت الوكالة الوطنية للإعلام إن عويدات رأى أن “الشكوى لا تتضمن ما يشكل شبهة حول إقدام أي من الأشخاص المذكورين أعلاه، على إدخال أدوية إيرانية المنشأ، بقصد جلب منفعة شخصية، أو أن هذه العقاقير تشكل ضررا على صحة الإنسان”.

وأشار إلى أن “البت بقانونية قرارات وزير الصحة بإدخال أدوية إلى لبنان يخرج عن صلاحية النيابة العامة، لذلك تقرر حفظ الشكوى لعدم وجود ما يبرر اتخاذ أي إجراء قضائي فيها”.

الصحة ترد

“الحرة” تواصلت مع المستشار الإعلامي لوزير الصحة حمد حسن بعد تعذر التواصل مع الوزير، من أجل منحه حق الرد على ما يطاله من اتهامات، حيث اعتبر أن “هذا الموضوع تحدثنا فيه كثيرا وشرحنا أكثر من مرة في أكثر من مؤتمر صحفي، ولا جديد في كل هذا الملف”.

نسأله عن الاختبارات أين تمت ولماذا لا تعرض؟، فيقول “سبق وقلنا إن الاختبارات أجريت في مختبرات معتمدة من منظمة الصحة العالمية وكل عملنا يتم وفق معايير منظمة الصحة العالمية”.

لكنه يرفض أن يكشف عن اسم المختبر أو الدولة التي تم فيها الاختبار، كذلك بالنسبة إلى الكشف عن نتائج الاختبارات معتبرا أن “البينة على من ادعى أن الاختبارات لم تتم، فليثبتوا هم ذلك، نحن لسنا متهمين أصلا وليست مهمتنا الإثبات لأحد، ومن كان يتهمنا ذهب إلى القضاء الذي رد قضيته بالكامل”.

من جهة أخرى، حاول موقع الحرة التواصل مع وزير الصحة السابق، لكن رقم جبق كان مغلقاً، وبالتواصل مع مستشاريه السابقين أجاب أحدهما بعدم الاختصاص بالملف، فيما استمهل الثاني للحصول على إذن مسبق قبل التصريح للإعلام.

المخاطر الغائبة عن القضاء

تقول سربيه “لنعتبر أن شركة أدوية معينة قامت باكتشاف (منتج بيولوجي) جديد، يتطلب السماح بدخوله إلى الأسواق نحو 20 سنة لإجراء التجارب في المختبرات، من ثم على الحيوانات، وبعدها يجب أن يخضع لاختبارات دقيقة على عينات واسعة ومتعددة من البشر لتبيان كيفية عمله على الأجسام وآثاره الجانبية إلى أن تكتمل كافة المعايير اللازمة لتسجيله وتوزيعه في الأسواق، وحين يتم نسخه من قبل شركات أخرى، يصبح اسمه “Bio similar”، وله شروطه الخاصة أبرزها أن يكون هناك منتج بيولوجي أصلي لينسخ عنه الشبيه”.

وتتابع “في حالة هذه المنتجات الإيرانية، المشكلة ليست إذا ما كان المنتج مناسبا أو مطابقا أم لا، المشكلة أن كافة المعلومات حوله غير متوفرة، لا معلومات حول الشروط المطلوبة بالدواء ولا ملف لها حيث لم يتم فحصها قبل إدخالها إلى البلاد لمعرفة مدى ملاءمتها، فاللجنة الفنية التابعة لوزارة الصحة لم ترفض إدخالهم بل قالت إن ملفهم ناقص، وطلبت دراسات تثبت أنه فعال ولا خطورة لآثاره الجانبية على صحة المواطنين، وعليه علق البت بالملف”.

الإخبار المقدم كان قد استخدم مثالا على تحذيراته، وهو تجربة سابقة في المكسيك، حيث عانى المرضى من هذا الواقع المریر، إذ سجلت السلطات هناك أدوية بیومشابهة، دون إجراء الفحوصات اللازمة، ثم اضطرت إلى سحبها من الأسواق بسبب المضاعفات التي سببتها.

تدعو سربيه كل المواطنين إلى “رفع الصوت اليوم، لأننا معرضون غدا أن ندخل المستشفى، وحين سيتم حقننا بهذه الأدوية لن يخبروننا مسبقا ولن يأخذوا إذنا من أحد”. تضيف سربيه “لقد وصلت أول دفعة من هذه الأدوية إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي، وبحسب ما يكشف أطباء من داخل المستشفى لم يجرؤ أي طبيب على وصفها بسبب خوفهم من أي مضاعفات غير معلومة للدواء، والأكيد أيضا أن الأدوية باتت الآن في الكرنتينا حيث بات المواطن المحتاج للدواء على نفقة وزارة الصحة، مجبور بالدواء الإيراني”.

طالما أن هذه “الأدوية” تفتقد للاختبارات اللازمة فإن مخاطرها مفتوحة على كل الاحتمالات فهي مجهولة الملف ولكن الخطر الأكبر لهذه العلاجات، بحسب ما تشرحه الدكتورة سربيه، هو أن المصابين بأمراض مستعصية ويتلقون الأدوية البيولوجية الأصلية، سيضطرون تحت ضغط انقطاع الدواء الأصلي في السوق اللبنانية إلى اللجوء للشبيه البيولوجي الإيراني المتوفر، وإذا ما تم ذلك ولم يستفد المريض من الإيراني أو تسبب له بمضاعفات، لن يعود باستطاعته العودة لاستخدام الدواء الأصلي اذا عاد وتوفر، فهذا النوع من العلاجات البيولوجية إن توقف استخدامه ينتج نظام المناعة في الجسم مضادات له ولا يعود بالإمكان استخدامه مرة أخرى، وهنا يعجز الأطباء عن إيجاد الحل للمريض الذي يصبح في مواجهة الموت البطيء”.