IMLebanon

الطائفية أداة هدم وفساد وإفساد

كتب ريمون ميشال هنود في “اللواء”:    

يقول الدكتور اسكندر بشير في كتابه الطائفية في لبنان إلى متى؟ بأن وثيقة الوفاق الوطني 1989 تصدت للطائفية عندما حل بند الهيئة الوطنية العليا لالغاء الطائفية السياسية ضيفاً سعيداً هانئاً على الدستور الذي بدوره عقد قرانه عليها فأصبحت ركناً أساسياً من أركانه وباتت ابنته المدللة وعموده الفقري والمعول عليها انقاذ الوطن من أخطر انواع الفساد والأمراض النفسية، الطائفية.

لقد انقضى 32 عاماً تقريباً وتلك الهيئة لم تُشكل والسبب أن بعض الزعماء الطائفيين مصرين على الاستمرار بشد العصب الطائفي لشارعهم بهدف ابقاء عنصر الشباب في حالة استنفار دائم تؤهله وتخوّله التصدي لوهم يدعى المس بحقوق الطائفة!!

وعنصر الشباب هذا يشبه تماماً الانسان الساذج في أوروبا إبان القرن التاسع عشر والذي قال عنه الفيلسوف فريدريك نيتشه بأن رجل الدين يستطيع السيطرة عليه عندما يفلح في اقناعه بأنه كتلة من الخطايا والذنوب والآلام والحطام ليسوقه بعدها كالنعجة إلى مؤسسته الدينية فيصبح الكاهن بالنسبة اليه الملهم والقائد والزعيم والمخلص.

وفي الكتاب عينه وتحديداً من الصفحة 43 حتى الصفحة 53 يقول الدكتور بشير بأن الدستور الذي أنهى جنون الحرب أي اتفاقية الطائف تعرض للظلم لأنه مازال يخضع لضغوط هائلة من قبل كل من لا يزال مصراً على اعادة صلاحيات رئيس الجمهورية،إلى رئيس الجمهورية وكل من لا يزال أسير عشق نصرة التوازنات الطائفية واحتضانها، وكل من يتعمد اهمال التربية والتنشئة الوطنية، وكل من لا يزال يقف حائط صد أمام التواقين إلى الفصل بين المناصب العامة والمجالس الطائفية بهدف اصدار التشريعات الجديدة ضد التمييز والتفرقة، وهذا ما نص عليه الدستور.

أما أستاذ القانون الدستوري الدكتور زهير شكر فيؤكد على أن الدستور قد نص في المادة 95 منه على الغاء قاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة باستثناء وظائف الفئة الأولى حيث تكون المناصفة.

ويضيف الدكتور شكر بأن مبدأ الغاء الطائفية السياسية قد سرى مفعوله خلال السنوات الأولى عقب اقرار وثيقة الوفاق الوطني، لكن وللأسف الشديد فإن الطائفية عادت وتكرست لاعتبارات عدة.

وفي هذا السياق فإن للدكتور شكر تجربة شخصية خلال تلك السنوات الاولى، إذ يوضح أنه كان رئيساً للجنة الفاحصة لرؤساء الدوائر في الدولة اللبنانية عام 1992، عندما تم اجراء مباراة.

وإثر صدور النتيجة حينها لم يكن هناك أي أثر لتوازن طائفي ما والمراسيم أقرت فوراً تطبيقاً للفقرة ب من المادة 95 من الدستور والقاضية باعتماد الاختصاص والكفاءة باستثناء وظائف الفئة الأولى.

كما أن هناك تجربة شخصية أخرى خاضها الدكتور شكر تشير إلى الغاء الطائفية السياسية خلال السنوات الأولى التي تلت اتفاق الطائف، إذ يوضح شكر أنه في العام 1994 جرت مباراة أخرى بهدف تعيين سفراء وكانت اللجنة مؤلفة من 20 استاذاً والدكتور شكر كان نائباً للرئيس بينهم.

أجريت المباراة وفقاً لمبدأ الكفاءة وكانت النتيجة 15 بينهم أكثر من 8 مسلمين، ورغم ذلك لم يتأخر اقرار المرسوم يوماً واحداً واليوم يقول شكر يجب العودة إلى المادة 95 من الدستور والاعتماد على معايير الاختصاص والكفاءة وعدم تخصيص أي وظيفة لأي طائفة.

والمؤسف أنه بعد تلك السنوات الاولى التي تلت الطائف عاد الصراخ ليتعالى مطالباً باعتماد المناصفة في كل الوظائف بعيداً عن مبدأ الكفاءة والاختصاص فيما ذهب البعض للمطالبة باعادة تفسير المادة 95 من الدستور.

ومحزنٌ للغاية أنه في عهد الرئيس عون المسمى بالعهد القوي مازال حبر قلم الرئيس محجماً عن التوقيع على ارسال الفائزين في امتحانات وظائف الفئتين الثالثة والرابعة إلى وظائفهم رغم أن هاتين الفئتان لا تخضعان أبداً لمبدأ التوازن الطائفي كما ورد في الدستور.

ولا شك أن تصرف الرئيس عون هذا ليس إلا ضرباً بعرض الحائط للدستور وهو الذي أقسم على الحفاظ على مندرجاته!!

وياليت الرئيس يتذكر بأن الرئيس الأسبق الياس الهراوي رحمه الله كان قد دعا في رسالته إلى مجلس النواب بتاريخ 19 آذار 1992 إلى تأليف الهيئة العليا لالغاء الطائفية السياسية في لبنان، كما أن الرئيس الأسبق ميشال سليمان كان قد طرح بتاريخ 21 تشرين الثاني 2009 تشكيل الهيئة الوطنية كمقدمة لالغاء الطائفية السياسية، فضلاً عن أن الرئيس الأسبق اميل لحود كان قد قال بتاريخ 25 تشرين الثاني 2020 بأن بناء لبنان العصري لا يبدأ إلا بقانون انتخابي يعتمد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية، لذا كم يحزن المرء المتنور عندما يسمع من العونيين ان خلال العهد أو قبله شعارات المطالبة دوماً بقانون الستين والقانون الأرثوذوكسي عوضاً عن اقرار قانونٍ يصل بنا في المستقبل إلى اعتماد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية خارج القيد الطائفي.

أما القانون البرلماني الأخير فلم يكن إلا من قبيل التفصيل على مقاس التيار البرتقالي والقوات اللبنانية.

وكلمة حق تقال يجب أن نقر المادة 95 كي نصل إلى بناء الدولة المدنية اللا طائفية حتى يصبح كل شيء في المحصلة النهائية خارج القيد الطائفي، وكي نكرم الرئيس عمر كرامي رحمه الله الذي قال يجب اعتماد النظام الرئاسي بدلاً من النظام البرلماني في الانتخابات الرئاسية وعندها يكون هناك رئيساً واحداً ينتخبه الشعب ولا تعود الرئاسة بالتالي محصورة بطائفة واحدة.

متى تدرك أحزاب اليمين المسيحية بأن الطائفية داء ذميم يضني النفوس ويجب أن تُحطم بالمطارق والفؤوس؟

لقد بات مؤكداً بأن أكثر من ثلاثة أرباع اللبنانيين لن يسيروا درب الجلجلة من أجل تكريس نظام فيديراليات الطوائف في لبنان بشكل رسمي وعصبه حكم الازقة والزواريب الفئوية، بل سيمضي أبناء شعبنا إلى ما يريدون إلى وطن عربي لبناني لا طائفي يعيش فيه شعب حر سعيد.