IMLebanon

“العقوبات الفرنسية ـ الأوروبية”.. مستبعدة

تدفع فرنسا في اتجاه تشديد الضغط الأوروبي على الطبقة السياسية اللبنانية لدفعها إلى التوافق على تشكيل «حكومة مهمة» توقف الانهيار وتمنع الانفجار. ويقود هذا «المسعى» وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي أجرى
نقاشا مع نظرائه الأوروبيين من أجل تحديد السبل التي تتيح للاتحاد الأوروبي زيادة الضغوط على الأطراف المسؤولين عن هذا التعطيل، وإذ يستمر لودريان في الضغط على الأفرقاء اللبنانيين لتشكيل حكومة بأسرع وقت، ويكرر تحذيراته من أن لبنان في طور التفكك والانهيار وشعبه يعيش في القلق والفوضى، ولا يمكن لأوروبا أن تتجاهل أزمته وانهياره، فإنه يلوح بالرافعة السياسية التي يمكن أن يشكلها الاتحاد الأوروبي، ومن شأنها أن تسمح ل‍باريس بالضغط على السلطات اللبنانية لتحريكها. وتشير معلومات إلى أن باريس تدقق في آلية فرض عقوبات إلى جانب الاتحاد الأوروبي ضد مسؤولين لبنانيين أو رجال أعمال يرتبطون بهم، والجديد هو أن تشمل العقوبات حظر السفر مع رصد حركة حسابات مالية للبنانيين تخضع لعمليات تدقيق هذه الأيام بعدما تم رصد تحريك أموال لأصحاب حسابات كبرى، بعضها تحرك من أوروبا وأفريقيا، وهناك تنسيق كامل بين هذه الدول في سبيل رصد ومراقبة حركة الاموال هذه وأسبابها. وهناك احتمال فرض عقوبات على أصحابها أو مرتبطين بهم، لاسيما إذا ما ثبت تورطهم بملفات فساد أو بتعطيل الحل في لبنان، انطلاقا من تعطيلهم عملية تشكيل الحكومة.

مصادر مراقبة للحركة الدولية بخصوص الملف اللبناني والمركزة هذه الأيام على مسألة تشكيل الحكومة، ترى صعوبة فائقة في آلية فرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين، وتستبعد احتمال العقوبات انطلاقا من قراءة سياسية تختصر بالنقاط التالية:

1 ـ الفرنسيون أخفقوا في دخولهم الصاعق على خط الأزمة اللبنانية وتلاشت مبادرتهم وتآكل زخمها ومصداقيتها. ربما أخطأ الفرنسيون في قراءة وفهم السياسيين واللعبة في لبنان وكيفية التعاطي معهم، أو ربما، وبكل بساطة، خدعهم السياسيون اللبنانيون وكذبوا عليهم. والآن يطرق الفرنسيون الباب الخاطئ عندما يحصرون الأزمة بالأسباب الداخلية ويتغاضون عن العوامل الخارجية. باريس تحتاج إلى ضمانات خارجية عجزت عن تأمينها حتى الآن، وما تزال واشنطن «تراوغ» ولا تريد منح الفرنسيين ورقة رابحة في الوقت الضائع، فيما طهران الخائبة من الموقف الفرنسي والأوروبي لم تقدم شيئا وأبلغت باريس تكرارا أن حزب الله معني وحده باتخاذ القرارات على الساحة اللبنانية.
وإذا صح أن فرنسا أبلغت «الرؤساء الثلاثة» بأنها لم تعد معنية بالاستمرار في عملية التفاوض غير المجدية معهم، وهددت بعقوبات لن تسبقها إنذارات هذه المرة، وتشمل تجميد أرصدة والامتناع عن منح «سمات دخول»، فإنها قد تكون وضعت نفسها أمام تحدي تنفيذ التهديدات وفي مأزق. فإذا لم تفرض العقوبات ستخسر ما تبقى لها من صدقية وتظهر ضعفها. أما إذا نفذت العقوبات فإنها ستخسر أوراقا وعلاقات ودور الوساطة باستعداء طبقة سياسية لها ارتباطات مع الخارج، وليست في وارد تفضيل العلاقة مع باريس وليس ما يحفزها على القيام بذلك.

2 ـ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لم تتشكل ولم تتبلور بعد، ومازالت تتصف بالإرباك وعدم الوضوح، خصوصا مع وجود ميل أميركي للتوجه شرقا (أولوية المواجهة مع الصين وروسيا)، ولإعطاء الملف النووي الإيراني أولوية إقليمية، ولبنان ليس في منأى عن نتائج المرحلة الأميركية الانتقالية، وليس موجودا في أولويات واشنطن وعلى جدول أعمالها لمنطقة الشرق الأوسط. وإذا كانت الإدارة الأميركية معنية بعدم انهيار الوضع اللبناني وتدعم المبادرة الفرنسية من هذه الخلفية، فإنها من جهة، لم تبلور أي رؤية لسياستها اللبنانية والعقوبات الأميركية بحق شخصيات لبنانية ستبقى معلقة لأشهر إضافية.. ومن جهة ثانية، لا تأخذ على محمل الجد تلويح الفرنسيين بفرض عقوبات على معرقلي تشكيل الحكومة اللبنانية.

وخير من عبر عن هذا الجو الأميركي ديڤيد شينكر (المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية) بقوله ان الفرنسيين تحدثوا عن العقوبات منذ انفجار المرفأ، وذكر الرئيس ماكرون في وقت سابق أن فرنسا ستعاقب من يعرقل تشكيل الحكومة ضمن المبادرة الفرنسية، لكن كل ما نراه هو العرقلة ولم نر أي عقوبات.

3 ـ الديبلوماسية البريطانية دخلت مؤخرا على خط الأزمة ومن خلفية تعزيز فرص مبادرة الرئيس نبيه بري ـ وليد جنبلاط الأكثر توازنا وقابلية للتطبيق، والعمل على تقريب وجهات النظر بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، على اعتبار أن تصحيح العلاقة بينهما هي «مفتاح التأليف»، وهو دور تنفرد لندن في أدائه في الداخل، ولا يخرج عن جوهر المبادرة الفرنسية الطامحة إلى تأليف حكومة بشكل سريع. وقبل فترة وجيزة، حاول الفرنسيون التقريب بين باسيل والحريري، لكن محاولتهم باءت بالفشل نتيجة لاتساع رقعة الخلاف أولا بين الرجلين، وعدم توفير أجواء إيجابية تخدم هذه التوجهات ثانيا، فعدلوا عن الفكرة مرحليا ريثما تتهيأ الظروف. وهذا يفرض أولا القيام بتوفير أجواء مشجعة مازالت غير منظورة، ومنها تهدئة الحريري، لاسيما بعدما تبين أن قضية خلافه مع باسيل تتجاوز المسائل السياسية الداخلية.