IMLebanon

في “طوفان” المبادرات الإنقاذية… هذا هو الحل

كتب العميد الدكتور علي عواد في “اللواء”:

ان المبادرات الانقاذية التي طرحت منذ اندلاع «انتفاضة العدالة 2019» وحتى اليوم اقتصر دورها على تحليل المعضلات الوطنية باطروحات توصيفية دون مواجهتها برؤية استراتيجية تنفيذية تعالج الخلاصة العامة بحلول واقعية ناجعة. وعندما يسهب هذا «الزعيم» أو تلك «المرجعية» في الضرب على المسمار الاعلامي لمبادرته لمدة طويلة وبجرعات تراكمية فقد يصبح مضمونها شبيهاً بـ«تنفيسة» تذهب بزخم الافكار وصلابة الارادات،فيخبو بريق المبادرة ويسترخي غضب الناس ولو لم يكن هذا «الزعيم» أو تلك «المرجعية» يقصدان ذلك.

لقد حذرنا سابقا ونكرر تحذيرنا اليوم من «الاغراق الاعلامي» الذي يجسده «طوفان» المبادرات الانقاذية المبتورة،هذا ما كنا نقوله دائما حول أهم احدى قواعد علوم الاعلام والاتصال. ونضيف اليوم رافدا لهذه القاعدة: بعد «الاغراق الاعلامي»، قد تنزلق المبادرة الى ما يشبه عروض «وادي المسك» وملهى «البحث عن الذات» لدريد لحام دون ان يقصد ذلك صاحب المبادرة. ألم يكن ذلك مصير كل المبادرات الانقاذية في لبنان منذ 17 تشرين الأول وحتى اليوم؟

هل يحتاج لبنان اليوم الى قرار دولي يضاف الى القرارات السابقة الموضوعة على الرّف وفي خزان الذاكرة؟ فالبعض يعتبره «مزحة» أو ترفا سياسيا أو مادة للحوار «المتآكل!»، هو يعني ويقصد ما يقول وسيتصرف على هذا الاساس،اذ هو يعلم ان الرف يتسع لمزيد. ماذا نرصد بالمقابل؟ نرصد  للاسف أن المنظمات والهيئات والمجموعات الدولية تغدق على لبنان مواقف طنّانة رنّانة حدّها الاقصى «السقف العالي» ،ولكن يبقى الوطن بلا سقف .. ويبرز السؤال: ما هو الحل؟

يبقى الحل عند الشعب! ان تجاربنا الغنية في لبنان،نعم الغنية ولن نتواضع، تسمح لنا بوضع نظريتين جديدتين في علم «ما بين الأمن والسياسة» :

١- النظرية الاولى: (ان حكم الارض هو لمن يستطِع ان يضع أقدامه عليها)…ان اية مبادرة انقاذية لا تقدم رؤية تنفيذية واقعية قادرة على تأمين موطيء «قدمٍ فعلي ومحسوس»  لأصحاب مواقف السيادة والعدالة والاعتدال وفكر دولة الحق والدستور، سترسّخ – عن غير قصد او عن عمد – أقدام التبعية والظلم والتطرف وحكم «فدراليات الاحزاب والمذاهب» .. فيتحلّل الوطن.

٢- النظرية الثانية: (ان «انهاك الذهنيات» هو اخطر اسلحة الحرب الباردة في لعبة الحكم بين موالاة ومعارضة شعبية). هذا السلاح استخدمته منظومة الحكم منذ ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩ وما تزال تستخدمه حتى اليوم ضد الأغلبية الساحقة من الشعب، ضد الافكار والارادات.. ونجحت. نحن نخشى أن تؤدي المضامين الاعلامية المتكررة للمبادرات الانقاذية الى «انهاك الذهنيات» دون ان تقصد ذلك. اذ ان هذه الحرب الباردة هي مزيج من اعلام وعنف مضافاً اليه «رشّة» أمنية صامتة لكنها سامة جدا..وكم هو مقيتٌ هذا الاعلام،ساحر شرير ذو حدود عديدة،أغلبها مقنّع!

نستخلص، الحل محصور بأمرين:

١- الحل الاول: استئصال قيصري،عنف وكثير من دماء في كثيرين وعند الجميع.هذا الحل يصطدم أيضا بأمرين :

بسؤال مركزي: من سيقوم به؟

بنهج ثقافة الحوار الانساني الذي كنا أول من نادى به وعمل لاجله فاطلقنا «اعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني 2015» من جامعة جنيف – سويسرا، وكان اول وثيقة علمية دولية انسانية شاملة تدعو الى ثقافة الحوار والاخوة والعدالة وفكر الاعتدال لحل النزاعات، والى نبذ العنف والكراهية بين المجتمعات البشرية لأجل ترسيخ السلام.

٢- الحل الثاني: وضع رؤية استراتيجية واقعية تعمل  وفق مسار «التراكم البعيد المدى» لبناء فكر الاعتدال والحوار لدى «الشعب اللبناني!»، توحيد بوصلته حول «استراتيجية أمن قومي « هادفة وميثاق واحد للمواطنة، ميثاق قادر على التغيير وبناء دولة ووطن، ميثاق لا يظلم حتى الخصوم في السياسة، ميثاق غير متطرف يؤمن بالعدل والمحبة والتواضع والحوار والأخوة الانسانية.. يتطلب هذا الحل مقوّمات عديدة في مقدمها الروحية العلمية والتضحيات و»النفس الطويل» لانتظار الحصاد في انتخابات حرة فعلا وديمقراطية فعلا ونزيهة فعلا وذات تمثيل عادل فعلا تحت سقف الدستور… ولكن: اي دستور!؟ اي قانون انتخاب!؟ اية حرية!؟ أية ديمقراطية!؟ واي حوار؟!.. ونحن امام منظومة حديدية تحكم بثلاثة فوائض هائلة: فائض قوة وفائض سلطة وفائض مال!، فتقضي على مفهوم الدولة وجوهر المواطنة لدى الناس. وألم تكن ثورة تونس هي الثورة الأكثر نجاحا (نسبيا) في «الربيع العربي « لأن الشعب كان يختزن في ضميره العام ارثا غنيا من المواطنة المتنورة؟

ويبرز سؤال مؤلم: أين «الشعب اللبناني!» من هذين الحلّين؟

لم يصب وطن عبر التاريخ بويلات ظالمة كما اصيب بها وطني المظلوم!