IMLebanon

قهوة الإكسبرس متنفّس للناس والمطاعم للميسورين

كتب عيسى يحيى في نداء الوطن:

انقلبت حياة المواطنين رأساً على عقب وتبدلت أولوياتهم وخياراتهم وفق إمكانياتهم المادية التي تتراجع يوماً بعد يوم، وبات العديد منهم يحسب ألف حساب لمصروفه وكيف ينفق ماله، وأصبح الشغل الشاغل لهم تأمين الضرورات اليومية بعد أن تخلّوا عن نمط الحياة الذي كانوا عليه قبل الأزمة التي نعيشها.

سيفان مصلتان على رقاب الناس ويتحكمان بحياتهم اليومية: جائحة كورونا التي ألزمتهم منازلهم خوفاً من العدوى وخسارة الأحبة، والأزمة الإقتصادية والمالية التي نعيشها منذ سنة والإرتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الذي رفع معه أسعار كافة السلع والمنتوجات أضعافاً مضاعفة، وما بينهما البطالة التي طالت كل منزل ورب عائلة وشردت الكثيرين من أعمالهم، يبحثون عن أي عمل يمكن أن يؤمن دخلاً يسيراً يوفر متطلبات العائلة والأولاد، وعلى الطرف الآخر فئة تعيش يومياتها كما كانت عليه في السابق دون أن تتأثر بسعر صرف أو أزمة محروقات أو غيرها.

في بعلبك أرخت الأزمة بظلالها على البعلبكيين وتغيرت حياتهم حد الإنتفاضة الجذرية عليها، واختزلوا معها الكثير من المسلمات التي كانت قائمة قبل سنة، فالعادات الرمضانية إنتفت هذا العام يقول عمار لـ “نداء الوطن” مشيراً الى أن ما كان قائماً قد زال والمجد اليوم لمن يبقى صامداً يؤمّن قوت يومه، فالعادات التي كنا نعيشها تغيرت فنحن كعائلة إعتدنا خلال شهر رمضان على الخروج من المنزل أقله مرة في الأسبوع للسهر في أحد مطاعم المدينة والبقاء حتى السحور والإفطار كذلك خارج المنزل أكثر من مرة، وكلها اليوم أصبحت من الكماليات فالخروج والتنزه يكلف مئتي ألف ليرة وأكثر وهذا المبلغ نحضّر بها إفطاراً في المنزل على يومين أو ثلاثة، ونعوّض الخروج بـ “لمة العيلة” على ركوة قهوة ونرجيلة.

يقترن إسم رأس العين في بعلبك وبركة البياضة بمتنزه أهل المدينة الوحيد، حيث تتواجد المطاعم والمقاهي والإكسبرسات التي تقدم القهوة والمشروبات الساخنة، إضافةً إلى المرجة التي تفتح أبوابها أمام أهالي المدينة ومن خارجها أربعة أيام في الأسبوع، تقصدها المجموعات السياحية ورحلات المدارس والمتوقفة جميعها اليوم. هذا المتنفس الذي يقصده أبناء المدينة صباحاً لممارسة هواية المشي وقبل الإفطار للترفيه عن النفس وبعده للسهر، يضج يومياً بأعداد هائلة من السيارات حيث يتوقف السير من شدة الزحمة، ويبقى العديد من الشبان يجولون الطريق لساعات ويعاودون الكرّة ليلاً حتى يخيل للناظر بأن لا أزمة محروقات أو أي أزمة أخرى.

لا مراعاة لوباء كورونا ولا من يحزنون في محلة رأس العين ليلاً، حيث يشاهد معظم أهالي المدينة على الأرض يمارسون المشي دون الإلتزام بارتداء الكمامات، يقصدون الإكسبرس لشراء فنجان قهوة أو نسكافيه وغيرها بعدما فقدوا القدرة على إرتياد المطاعم والمقاهي. وفي جولة لـ “نداء الوطن” نصادف شباناً ما دون العشرين عاماً يشربون السجائر بكل فخر، يركبون الدراجات النارية ويمارسون هواياتهم في القيادة بين العابرين وعلى الرصيف وسط غياب للقوى الأمنية أو شرطة البلدية.

يشير علي ابن الثلاثين عاماً لـ “نداء الوطن” الى أن رأس العين هي الملجأ في ظل الأزمة، وقهوة الإكسبرس هي أقصى المستطاع الذي نستطيع أن نؤمنه للترفيه عن أنفسنا بعد إرتفاع الأسعار والغلاء وقلة العمل، ورغم ذلك لا نزال نستطيع شراء القهوة التي زادت خمسين بالمئة حيث أصبح سعر الفنجان ألف ليرة بعد أن كان خمسمئة ليرة.

بدوره صاحب أحد الإكسبرسات في محلة رأس العين منذ أكثر من عشر سنوات يشير الى أن الإقبال عليهم لا يزال كما هو، وأسعارنا لا تزال تناسب الناس وجيوبهم، وكل محل له زبائنه الذين يلحقون النكهة والطعمة المميزتين، مضيفاً أن أسعار البن والدخان والماء كلها ارتفعت بسبب سعر صرف الدولار ولكن أسعار فنجان القهوة والنسكافيه لم ترتفع كثيراً، فنحن من الناس وهمنا واحد، وعلينا أن نحافظ على متنفس الفقراء الوحيد المتبقي.

وفيما تشهد الإكسبرسات زحمةً أمامها بعد الإفطار تشهد المطاعم والمقاهي حركة إقبال من ميسوري الحال الذين لا يزال بإمكانهم دفع فاتورة مطعم زادت بنسبة 150 بالمئة، ويغيب عنها أصول التباعد الإجتماعي بين الطاولات، ليبقى الملفت إرتداء البعض للكمامة عند دخوله وخروجه من المطعم وينزعها عند تناول النرجيلة بالقرب من رفاقه.