IMLebanon

العاملات الأجنبيّات: عاصفة الانهيار تهبّ مرتين

كتبت يارا سعد في الأخبار:

منذ بداية 2021، استقدم لبنان 600 عاملة منزلية مهاجرة بعدما كان الرقم يناهز الـ 17 ألفاً شهرياً. هذا الانخفاض «الطبيعي» نسبةً إلى الأزمة التي فتكت بالبلاد التي تملك تاريخاً طويلاً من «استعباد» العاملات المنزليات، يترافق مع انتهاكات «إضافية» لحقوقهن، ما يحمّلهن عبئاً مضاعفاً

لم توفّر الأزمة أحداً من المقيمين في لبنان، لكنّ وطأتها على العاملات الأجنبيّات كانت أكبر، كونهن «فئة هشّة ومستضعفة، وأيّ أزمة تعرّضهن تحديداً لمزيد من الانتهاكات» كما تقول الاختصاصيّة الاجتماعيّة في وحدة مناهضة الاتجار في جمعيّة «كفى» غنى العنداري. «وهذا ما شاهدناه عندما تُركت العاملات في الشّوارع وقرب سفارات بلادهن من دون مأوى بعد إغلاق مطارات العالم بسبب انتشار كورونا، وتوقّف أصحاب العمل عن دفع رواتبهن».

غادرت صفيّة لبنان بعد ارتفاع سعر صرف الدّولار وتوقّف صاحب العمل عن دفع راتبها. بعد ثلاث سنوات قضتها في العمل لديه، عادت إلى وطنها بمبلغ صغير، وبأمل أن «الكفيل» سيرسل إليها، تباعاً، أجرها الشّهري الذي كانت «تصمّده» معه منذ بدأت عملها. من بلدها، حاولت الاتّصال به مراراً، لكنّها لم تلق إلّا «البهدلة» قبل أن يحظر رقمها على تطبيق «واتساب».

صفيّة واحدة من كثيرات «أُكِل حقّهنّ» لأنّهنّ لا يعرفن إلى أيّ جهة يجب أن يتقدّمن لتحصيل حقوقهنّ، «فمن دون جمعيّة أو سفارة لن تقدّم العاملة دعوى ضد صاحب عملها»، تقول العنداري. «وحتّى العاملات اللّواتي لجأن إلى الجمعيّات لمساعدتهنّ على رفع دعاوى، لم يصلن إلى أيّ حلّ بسبب الوضع الاقتصاديّ. إنّه مسار طويل».

حاولت وزارة العمل التّدخّل بين أصحاب العمل والعاملات الأجنبيّات، «ووجّهنا العاملات إلى تقديم دعاوى على أصحاب العمل المتخلّفين عن الدّفع»، تقول المديرة العامة لوزارة العمل بالإنابة مارلين عطالله، «لكن، كنّا أحياناً نصل إلى حائط مسدود»، لأنّ امتناع البعض عن تسديد متوجّبات العاملات لم يكن بدافع «الاستغلال»، بل بسبب الوضع الرّاهن وتهاوي قيمة الليرة. بحسب عطالله، صاحب العمل الّذي لا يدفع للعاملة يوضع اسمه على «لائحة سوداء»، فلا يحقّ له استقدام عاملة جديدة ما لم يدفع كلّ استحقاقات العاملة القديمة.

التساهل مع انتهاك حقوق العاملات المُغلّف بـ «تفهّم» ظروف صاحب العمل ليس غريباً على الوزارة التي تقول إنها تنسّق منذ بداية الأزمة مع السفارات وهيئات المجتمع المدنيّ والدّوليّ والأمن العام لتأمين رحلات طوعيّة للعاملات وتسهيل الرّسوم أو تمديد المهل، إضافة إلى تطوير الخطّ السّاخن 1741 لتلقّي الشّكاوى، والتّدخّل الفوري في بعض الحالات، كتأمين ملجأ للعاملة. وفق عطالله، هذه الإجراءات أدّت إلى «حلّ عدد كبير من المشاكل»، لأنّ الّذين أبقوا على العاملة المنزليّة هم فقط من يمكنهم أن يدفعوا لها، أمّا الّذين فقدوا قدرتهم على الدّفع فخيّروا العاملة بين العودة إلى بلدها، أو الانتقال إلى صاحب عمل جديد. وقد انخفض استقدام العاملات الأجنبيّات إلى «600 عاملة شهرياً مع بداية السّنة الحاليّة، بعد أن بلغ ذروته سنة 2017 الّتي سجّلت استقدام 17 ألف عاملة شهرياً» بحسب نقيب أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل علي الأمين.

وإلى أولئك اللواتي غادرن من دون الحصول على كامل حقوقهنّ المادّيّة، هناك عاملات اضطررن إلى العودة إلى بلادهنّ مرغمات. حنان (اسم مستعار)، كانت مرتاحة في عملها، لكن مع ارتفاع سعر صرف الدّولار، صار راتب أصحاب العمل يساوي راتبها، فخيّروها بين أن تبقى في لبنان وتصبر عليهم إلى حين تحسّن الظّروف أو المغادرة. اختارت المغادرة بعد إصرار زوجها عليها للذهاب إلى دولة عربيّة أخرى تُدفع فيها الأجور بالدّولار. وهي اليوم تنتظر «على أحرّ من الجمر»، تحسّن الوضع الاقتصادي لترجع «فوراً» إلى لبنان.

ومع أنّ الأزمة الاقتصاديّة وانتشار فيروس كورونا، كانا عاملين أساسيَّيْن في تفاقم مشاكل العاملات، إلّا أنّ «مصدر» الغبن الثابت اللاحق بهن يبقى نظام الكفالة الّذي يسمح بـ«استعبادهن» واستثنائهن من قانون العمل. لذلك، يبقى الحلّ الأساسي، بمعزل من أي ظروف طارئة، هو «تغيير نظام الكفالة»، وفق العنداري مُشيرةً إلى أن «نموذج العقد الموحّد للعاملات الأجنبيّات الّذي وضعته وزارة العمل، لم يكن كما نريد تماماً، غير أنّه خطوة للأمام». إلا أن العمل بهذا العقد متوقّف في انتظار بتّ مجلس شورى الدّولة، بعدما قدّمت نقابة أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل طعناً فيه. ويقول الأمين: «نحن مع وجود عقد موحّد يحفظ حقوق العاملة، لأنّها ليست جماداً نستورده، لكنّنا طعنّا في العقد بسبب إشكاليّة الصّياغات وتحديد المسؤوليّات. السّفارات والدّول الّتي نستقدم منها العاملات لديها عقود مختلفة عن عقد وزارة العمل، فما أهمّيّة عقد موحّد في لبنان، فيما العقد مع الدّول مختلف؟».

تختم العنداري بأنه «حتّى تغيير النّظام غير الأخلاقيّ الّذي يعرّض العاملات للانتهاكات، يجب التّوقف عن استقدام مزيد من العاملات. ما نحتاج إليه هو التّعامل مع العمل المنزليّ على أنّه عمل له قيمته وتؤدّيه العاملة مقابل أجر، وليس حسنة من صاحب العمل».