IMLebanon

زيارات خجولة إلى سيّدة المنطرة بلا احتفالات

كتب محمد دهشة في نداء الوطن:

لم تمنع جائحة “كورونا” ولا الضائقة المعيشية الخانقة التي يترنّح تحت وطأتها لبنان، ابناء الطوائف المسيحية من الاحتفال بالشهر المريمي الذي يبدأ مع شهر أيار ويرافقهم حتّى نهايته، حيث يشدّون الرحال الى مزارات السيدة العذراء ومنها “سيدة المنطرة” في بلدة مغدوشة في قضاء صيدا، يحتفلون بالقداديس ويرفعون الصلوات والتراتيل ويضيئون الشموع ويوفون الندور ويشترون التذكارات.

والاحتفال بالشّهر المريمي هذا العام في سيدة المنطرة اختلف عن سابقه من الاعوام المنصرمة، غاب الازدحام والفرح وحلّ الرجاء والدعاء، توقفت زيارة الوفود الجماعية عبر الحافلات الكبيرة أو من خلال المجموعات المنظّمة عبر مكاتب السياحة، واقتصرت على العائلات والافراد ومن مختلف المناطق اللبنانية، بعدما فتحت الكنيسة والمغارة، وسط اجراءات وقائية والتشدّد بارتداء الكمامة.

ويؤكد راعي ابرشية صيدا ودير القمر لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك المطران ايلي الحداد الذي يشرف على المقام لـ”نداء الوطن”، أنّ “ابواب المزار مفتوحة في الشهر المريمي، ولكن بسبب جائحة “كورونا” فاننا نلتزم بـ 30% من القدرة الاستيعابية مع اتخاذ الاجراءات الوقائية”، مشيراً الى أنّ “الاحتفالات خجولة هذا العام، اذ لن ننظّم اي ريسيتالات او حفلات دينية او موسيقية كما جرت العادة، وسيقتصر الامر على الاماكن الدينية وخاصة المغارة، مع تقليل الازدحام في الكافتيريا والكنيسة، اي أن الزيارة مختصرة وتقتصر على الصلاة والنذور واضاءة الشموع وسواها.

في العام 2016، وضع مزار سيدة المنطرة على خريطة السياحة الدينية العالمية ودخل على 400 ألف موقع جديد في السياحة الدولية، وادرجت وكالات السياحة ومكاتبها الموقع ضمن رحلاتها السياحية للبنان، ما شكل جذباً للسياح من الخارج كما هي الحال في بيت لحم وكنيسة القيامة في فلسطين، فيما يزوره اللبنانيون من كل المناطق والطوائف والمذاهب”.

وسط الباحة، وقفت العاملة الاثيوبية مريم تلتقط الصور مع مجموعة من رفيقاتها، قالت: “جئت من بلدة الغازية المجاورة حيث اعمل عند عائلة مسلمة لاحياء طقوس الشهر المريمي، أضأت شمعة ووفيت بالنذور، وآمل في أن يحل السلام وينتهي الخلاف في لبنان وتصبح الاوضاع الاقتصادية والمعيشية أفضل من دون جائحة “كورونا”، التي حرمت الناس من التلاقي كما في السابق”.

عند باب المغارة وقفت “تنام” الاثيوبية تتأمل المكان الى جوار رفيقتها، قالت: “جئت من السعديات من اجل الصلاة وإيفاء النذور، هنا أشعر براحة كبيرة. أحبّ لبنان ولكن اتمنى أن يعود وضعه كما كان عليه سابقاً لأنّ الحياة صارت صعبة كثيراً”.

داخل المغارة، جلست عائلة ديب من بلدة الصالحية في شرق صيدا تتلو الصلوات، وقال جوزيف: “إنّ المناسبة المريمية لا يمكن التخلي عنها مهما كانت الاوضاع، منذ خمس سنوات أواظب على الحضور الى هنا، ولكن هذا العام الحضور خجول بسبب جائحة “كورونا” وقد حرصت على ارتداء الكمّامات مع افراد عائلتي كي نعيش الفرح بعيداً من الهموم والشجون”.

في المزار، تنقّل الياس الحايك ابن بلدة مغدوشة من مكان الى آخر وكأنّه يتفقد الزوار، ويقول: “للاسف العدد قليل جداً بسبب جائحة “كورونا” التي فرّقت العائلات ومنعت التلاقي والاختلاط، ولكن الامر لن يدوم وسنعود الى حياتنا الطبيعية قريباً ونفرح مجدّداً بالرغم من كل المآسي والحزن الآن”.

ولا يخفي مدير المزار الارشمندريت سمير نهرا أسفه لما آلت اليه تداعيات جائحة كورونا”، ويقول لـ”نداء الوطن”: “في العادة تكون الجماهير حاشدة ولكن هذا العام حرموا من الاحتفالات، مثلما نحن محرومون من حياتنا الطبيعية بسبب تفشّي “كورونا” والاوضاع الاقتصادية الصعبة”، مضيفاً: “غابت زيارة الوفود الكبيرة والمجموعات عبر الحافلات، وبقيت زيارة العائلات والافراد ووسط اجراءات وقائية لمنع تفشّي الوباء”، منوّهاً بمنطقة مغدوشة “موقعاً ودوراً والتي تشكّل وجه لبنان الرسالة المتعدّد الطوائف والمذاهب وتكريس العيش المشترك والوحدة الوطنية”، وتمنّى “للوطن الحبيب أن يرجع اليه السلام من جهة، ونتخلّص من وباء “كورونا” من جهة أخرى، ونطلب من الرب أن نخلص من معاناتنا الصعبة السياسية والاقتصادية والمعيشية، لنصل الى برّ الأمان والسلام”.

سيدة المنطرة

في العام 2016، قرّرت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة الموافقة على ادراج سيدة المنطرة رسمياً على خريطة السياحة الدينية العالمية، اثر جهود وزارة السياحة اللبنانية وجمعية “على خطى المسيح في جنوب لبنان”، وبالتعاون مع ابرشية صيدا للروم الملكيين الكاثوليك برئاسة المطران ايلي الحداد.

سببان دفعا منظمة السياحة العالمية الى هذه الموافقة، الاول لأنّ مزار “سيدة المنطرة” هو مكان اصبح متفقاً عليه علمياً على انه من الأمكنة التي وطأها السيد المسيح، وانه كان يأتي الى ساحل صور وصيدا ومعه امه السيدة العذراء فكان يتركها وينزل ليبشّر في المدن الساحلية، فكانت تنتظره في مغارة مغدوشة التي اصبح اسمها مغارة سيّدة المنطرة. والسبب الثاني، لأنّ عدة بعثات ايطالية ثم بولونية وعلماء آثار لبنانيين حسموا بأنّ هذا الموقع أثري يعود الى ما قبل 2000 سنة، اي هي منطقة أثرية ببعديها التاريخي والروحي وامتداد للارض المقدسة من القدس مروراً بالجليل الى لبنان.