IMLebanon

هل يدفع الحريري وباسيل ثمن خصومتهما؟

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

خرج التنافس الحاد بين التيارين: “الوطني الحر” و”المستقبل” عن كونه خلافاً سياسياً مستحكماً بين الطرفين على تشكيل الحكومة، أو نزاعاً على حجم الحصص الوزارية وأنواعها الى كونه خصومة شخصية لدودة وحادة بين زعيمي التيارين لا تقل اعتباراً عما يحصل في السياسة، فتأزم الحل يتشارك في تعقيداته المتعددة الخلاف الخاص والعام بين حليفي الامس القريب في ادارة الحكم.

كان أغلب ظن المراهنين ان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان أتى الى لبنان بزخم روسي اميركي فاتيكاني انقاذاً لاتفاق الطائف ودعم تكليف سعد الحريري لتشكيل الحكومة، وأن محاولته ستكون الاخيرة والا فإن أزمة تشكيل ستحمل البلاد نحو مؤتمر تأسيسي بات على قاب قوسين او أدنى.

بعكس التوقعات ضاعفت زيارة لودريان عراقيل تشكيل الحكومة وصعّبت مهمة الرئيس المكلف، بعد أن كانت فرنسا أمله الوحيد بالمساعدة قبل ان تتحول الى طرف يمارس ضغوطه ليسد نوافذ الأمل امامه، ويتركه أسير المواجهة مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. فاذا كان استثناء لودريان باسيل من لقاءاته لاعتبارات فرنسية اميركية لم يعزز موقعه، فإن لقاءه بالشكل الذي حصل أضعف موقف الحريري.

يضاف فشل لودريان في الجمع بين باسيل والحريري الى فشل “حزب الله” وبكركي وروسيا وكل من حاول جهده لتنظيم تفاهمهما. بات الكل يسلّم ان أصل الازمة وأساسها مرتبطان بالعداوة السياسية المستحكمة بين الغريمين. خلال زيارته روسيا ورداً على اقتراح روسي رسمي لم يرفض باسيل لقاء الحريري وكذلك فعل مع الفرنسيين الذين تراجعوا عن عقد اللقاء، خشية انعكاس فشله في الملف اللبناني على الوضعية الانتخابية للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ومع “حزب الله” لا تزال المساعي مستمرة لاجل هذا الهدف لكن الحريري يرفض بالمطلق عقد اي لقاء مع باسيل، قبل ان يبادر الاخير الى التسليف بدعمه حكومة الحريري وتسهيل ولادتها. أصل العلّة ان الطرفين كليهما يتصرفان على انه في موقع الاقوى. إذ يعتبر باسيل نفسه من محور سياسي حقق انتصاره إقليمياً بما لا يجبره على تقديم تنازلات، بينما الرئيس المكلف في موقع المجبر على تقديم تنازلات ويتعاطى على هذا الاساس.

في المقابل يعتبر الحريري ان باسيل لم يسمّه رئيساً مكلفاً ويرفض منح حكومته الثقة فكيف يجتمع معه. وثمة بين المحيطين به من يشجعه على الذهاب أبعد في موقفه باعتبار ان رصيد باسيل لا شيء مقابل الحريري. الاول عليه عقوبات بتهمة الفساد، وهو لم يعد جبران الامس فلا أحد معه وعلاقته مقطوعة مع جميع القوى المحلية، هو رئيس ظل متحامل على الطائف والسنّة ويتخبط في مواقفه بدليل الملابسات التي ترافقت مع محادثات الحدود البحرية. وهل يتوجب على الحريري تقديم الطاعة لباسيل وهو لم يسمه ولا يريد منحه الثقة؟

واذا كان “التيار الوطني الحر” يرى صعوبة في ان تبصر حكومة الحريري النور بلا غطاء مسيحي، فالنظرة ليست ذاتها لدى مطلعين على أجواء “تيار المستقبل” الذي يعتبر ان الخطر على المسيحيين ليس بمنح تمثيلهم الثلث المعطل في الحكومة وانما في معالجة الوضع الاقتصادي لوقف نزيف الهجرة. وفي ظل التحولات في المنطقة قد يكون الحريري من وجهة نظر التيار الازرق رجل المرحلة بالنظر الى كونه شخصية منفتحة على الجميع، حتى ايران يهمها مجيء رئيس مقرّب من الاميركيين وليس العكس، وهو ترشّح على أساس إصلاحات واتفاق مع المجتمع الدولي.

طوى الحريري اعتذاراً كان قد طرحه في لحظة تعقيد وعاد متمسكاً بتكليف بات مستعصياً على اية شخصية سنية بديلة. باعتذاره ان فعل نكون امام ثالث رئيس حكومة سني ينسحب من مهامه، بعد الرئيس المكلف مصطفى أديب، رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب والرئيس المكلف سعد الحريري. عبء ثقيل يصعب على اي شخصية سنية ان تتحمله في ظل الفيتو المحضّر سلفاً ليسقط على اي ترشيح لا يخرج من عباءة الحريري ودار الفتوى. وهل من شخصية سنية ستتجرأ ان ترشحت على التفاهم مع باسيل أو الاجتماع به؟

يتّكل الحريري ومؤيدوه على تجربة دياب الحكومية الفاشلة للبناء على ان “حزب الله” وحلفاءه لن يعيدوا الكرة مجدداً بتشكيل حكومة لا تحظى بتأييد كل القوى، وان الرئيس القوي يلزمه رئيس حكومة قوي لا رئيس حكومة لا يمثل حيثية شعبية كبعض الاسماء المتداولة. داخل “تيار المستقبل” أصوات تلوم “حزب الله” لعدم ممارسة ضغطه على باسيل. لكن “حزب الله” وفي كل مرة ينصح فيها باسيل بالمرونة يسأله هل سمّيت وزراءك في الحكومة، يجيب نعم، فيقول اذا لماذا لا يعطى المسيحيون مثلما يعطى الآخرون؟ يعتبر “حزب الله” ان هناك حدوداً للضغط ويعترف بأنه ليس قادراً ان يضغط لا على الحريري ولا على باسيل و”لا هذا هو اسلوبنا ولا نعتمده”، مسلماً بأن المسافة صارت متباعدة بينهما. فهل يكون الحل رعاية دولية تجمعهما او تدفّعهما سوية ثمن الازمة خصوصاً وقد صار خصامهما عبئاً؟