IMLebanon

الشعب يُترك لمصيره في مواجهة الذل وفساد مسؤوليه

كتب حسين زلغوط في “اللواء”:   

في الوقت الذي تقف فيه أرتال السيّارات على مدى ساعات امام محطات الوقود لتعبئة المحروقات، وفي الوقت الذي يقف فيه المئات من المواطنين امام الملاحم للحصول على اللحم المدعوم، وفي الوقت الذي فرغت فيه الاستهلاكيات الغذائية من محتوياتها، وفي الوقت الذي ارتفع فيه منسوب البطالة بنسبة خيالية، وفي الوقت الذي كثر فيه المتسولون من لبنانيين وغير لبنانيين على الطرقات، وفي الوقت الذي يتسرب فيه المئات لا بل الآلاف من التلامذة من مدارسهم لعجزهم عن تسديد الأقساط المتوجبة عليهم، نرى كبار المسؤولين وصغارهم يتصرفون على قاعدة صُم، بكم، عمي، لا يفقهون، وكأنهم يعيشون خارج مدار هذا العالم، في ظاهرة لا وجود لها حتى في بلاد الموز.

فهل يعقل ان ثلاثة أرباع اللبنانيين باتوا يعيشون تحت خط الفقر، والبلاد دخلت أتون الانهيار الكامل، فيما المسؤولون ما زالوا يتعاركون، ويتصارعون، على حصة وزارية من هنا أو هناك، من دون إعطاء أي أدنى اعتبار للمصير الذي يواجه هذا الشعب المسكين الذي تحمّل ما تحمّل على مدى السنين نتيجة فسادهم وسرقاتهم وسمسراتهم. إن ما يجري ليس إلا مقدمة لانفجار اجتماعي بات حصوله قاب قوسين أو أدنى، وإن هو حصل فإنه سيؤدي إلى انهيار الهيكل على الجميع، ولن تعود معه تنفع لا حكومة ولا من يحكمون.

يجزم القريب والبعيد ممن يطلعون على الوضع بأن لبنان ذاهب وبوتيرة لم تكن متوقعة إلى الانهيار الكامل، وبات انقاذه يحتاج إلى معجزة ربانية، وعدا ذلك فمن العبث البحث عن حلول ناجعة للأزمات التي تعصف به من كل حدب وصوب، في ظل وجود طبقة سياسية تتقن سياسة إدارة الظهر لمعانات الشعب، وتدير الأذن الصماء لأنين المحتاجين والمعوزين.

الاستياء الفرنسي بلغ القمة والدعم الدولي للبنان انخفض إلى ما دون الـ25 بالمئة

وفي هذا السياق، فإن مصدر دبلوماسي غربي يواكب كل الاتصالات والمحاولات الجارية للخروج من المأزق، يُؤكّد بأن كل الخيارات المطروحة إن من قبل المسؤولين في الداخل اللبناني أو من قبل الخارج ما تزال غير مجدية ولم تصل بعد إلى حدود الكارثة التي تواجه الشعب اللبناني بمختلف شرائحه، وهو يعتبر ان ما يجري اليوم لا يتجاوز كونه حرق مراحل بانتظار بلورة صورة المتغيّرات التي تنتظرها المنطقة، إن على مستوى المفاوضات الإيرانية – الأميركية بشأن الملف النووي، أو بالنسبة للمحادثات التي تجري بعيداً عن الأنظار بين طهران والرياض بهدف تبريد الأجواء في الأماكن الساخنة على مساحة العالم العربي، وكذلك بانتظار ما ستسفر عنه اللقاءات غير المعلنة التي تجري على الساحة السورية بين مسؤولين سوريين وسعوديين.

ويقول المصدر الدبلوماسي الغربي الذي كان يتحدث في جلسة امام اصدقائه ان قلبه على لبنان، وأنه خائف من ان يترك هذا البلد يواجه مصيره بنفسه بعد ان فشلت كل المساعي والمبادرات التي أتت من خارج حدوده لمساعده على الخروج من أزماته الاقتصادية والنقدية والسياسية.

وعندما سأل عن رأيه بزيارة وزير خارجية فرنسا إلى لبنان سارع إلى القول ان هذه الزيارة جاءت على «الفاضي»، ولم يحمل رأس الدبلوماسية الفرنسية إلى قصر الاليزيه أية ايجابيات من الممكن التأسيس عليها لإعادة احياء المبادرة الفرنسية التي أصبحت بحكم الميتة بالرغم من إصرار البعض على اعتبار انها ما تزال على قيد الحياة.

ويؤكد المصدر ان أفق الحلول في لبنان مسدودة، بالكامل وأنه لا يرى أي إمكانية لتأليف حكومة انفاذ تكون قادرة على الولوج في عملية إصلاحية كبيرة تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان في المدى المنظور، لا بل انه يتخوف من ان يؤدي الكباش الحاصل الآن إلى تأجيل الانتخابات النيابية أو التمديد للمجلس الحالي في حال حصل التأجيل أو التحديد فإن العالم سيتعاطى مع لبنان على انه دولة فاشلة، وان الدعم الدولي سيغيب، بعد ان انخفض خلال العام الماضي وهذا العام إلى حدود الـ25 بالمئة.

وإذ يعرب المصدر الدبلوماسي الغربي عن تخوفه من اللجوء إلى رفع الدعم الذي سيؤدي إلى فلتان الأسعار وازدياد حالات الفقر والعوز في لبنان، وربما يؤدي أيضاً إلى انفجار اجتماعي لم يشهد له لبنان من مثيل حتى إبان الحرب الأهلية، والحروب التي حصلت على أرض لبنان، فإنه في الوقت ذاته يرسم أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كان رفع الدعم سيحصل في عهد حكومة الرئيس حسان دياب الذي ليس في وارد القبول بحصول هذه الكارثة في عهده، سيما وأن رفع الدعم كما يقال عنه لن يتوافق والتقديمات الاجتماعية التي وعدت حكومة تصريف الأعمال باقرارها لمساعدة الشعب اللبناني على الصمود ولو لوقت اطول امام الأزمة التي تشد الخناق على رقبته.

وعن إمكانية المس باحتياط الخزينة يُؤكّد المصدر الدبلوماسي ان في ذلك مخاطر كبيرة، وأن القيام بهذه الخطوة سيكون بمثابة الرصاصة الأخيرة التي تطلق باتجاه رأس اللبنانيين، وفي ذلك مجازفة لا يمكن لأي فريق سياسي في لبنان ان يتحمل اوزارها، سيما وأن الشعب اللبناني لم يعد يتحمل الذل والقهر امام المصارف ومحطات الوقود وعلى أبواب المؤسسات الغذائية.