IMLebanon

هل تكون المستوصفات وجهة الناس هذه الأيام؟

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

حتى الطبابة صارت محرّمة على الفقير، فبدل أتعاب معاينة الطبيب باتت بـ200 الف ليرة، أي توازي ربع معاش موظف بالحدّ الأدنى للأجور، إذ بات مستغرباً أن تسجّل ارتفاعات متلاحقة في شتّى القطاعات، وفي هذه العملية يصبح الموظف والمياوم الحلقة الأضعف، في مروحة السباق مع من يرفع سعره اكثر.

وفيما المواطن يحاول أن يمتص سيل الأزمات التي عصفت بيومياته، ويسعى لمحاربة وباء “كورونا” الذي يهدّد حياته هذه الأيام بعوارضه القاسية، سقط قرار رفع تعرفة الطبيب كالصاعقة، وكأنه لا يكفي الناس كلفة علاج “كورونا” المرتفعة، وإرتفاع أسعار الأدوية وفقدان معظمها، وكل السلع، حتى جاءهم قرار رفع تعرفة الطبيب بمثابة الضربة القاضية.

“شو بدنا نعمل اذا مرضنا”؟ “من يداوينا”؟ حالة تخبّط أصابت الناس جرّاء هذا القرار، وبات الكل يحسب ألف حساب لمرضه، غير أنّ هناك من قرّر العودة لدواء الأجداد، أي الاعشاب، والأكل البلدي الصحي الذي يخفف وطأة الامراض، والزحف نحو المراكز الصحية الاولية، إذ ستكون الأخيرة ملاذ الفقراء، الا إذا رفعت التعرفة داخلها، غير أنها وفق المعلومات ستبقى أوفر للناس، اذ توفر هذه المراكز شتّى أنواع الخدمات الطبية والصحية، إضافة الى تأمين الادوية والفحوصات والصور الشعاعية، وشهدت قبل عام تأهيل وتطوير كافة أقسامها في منطقة النبطية، وتستقطب مئات المواطنين، غير أن العين عليها، ولكن هل تلك المستوصفات مؤهّلة لاستقبال المرضى؟ هل هي مجهّزة ومطابقة لمواصفات الطبابة، ام ما زالت “دقّة قديمة” لم يدخلها التطور؟

لم تُحط القرى خلال السنوات الماضية المستوصفات بالعناية اللازمة، قلة هي التي طورت نفسها مثل مستوصف دير الزهراني الذي يعدّ بمثابة مستشفى مصغّر مجهّز بمركز للاشعة وعيادات لطب الاسنان ومختبر دم وعيادات لكافة الاختصاصات، على عكس مستوصف حاروف المغلق منذ سنوات عديدة. وبالرغم من الصرخات المتتالية لاعادة فتحه ليعالج الناس الفقراء، الا أنها لم تلق آذاناً صاغية، يقول ابناء البلدة ان “المستوصف بات حاجة ملحّة في هذه الظروف”، ويحمّلون “البلدية مسؤولية استمرار اقفاله”، معتبرين أن هذا الامر تقاعس خطير. لم تشفع استغاثات الاهالي بإعادة افتتاح مستوصف البلدة، لم يعر المعنيون هذا الصرح أهمية، اذ لم تحظ المستوصفات بإهتمام خلال السنوات الماضية، ربما اسهمت الأوضاع الاقتصادية بإبتعاد الناس عن المستوصف، على قاعدة “الطبابة مش منيحة داخله”، غير أن الطاولة إنقلبت، وباتت الحاجة له أكثر من ضرورية. فمع ارتفاع معاينة الطبيب الى الـ200 الف ليرة، يصبح المستوصف ملحّاً، إذ خرجت الأصوات المطالبة بإعادة افتتاح مستوصف البلدة، واعادة دعمه ليكون عوناً صحياً للناس هذه الأيام، فهل يستجيب المعنيون هذه المرة؟

على ما يبدو أن “غلطة عمر” البلديات في القرى انها لم تدعم المستوصفات، ولم تطورها، تركتها تصارع وحيدة حتى الاحتضار، وبدأ الكل “يأكل أصابعه ندامة” لاهماله هذه الصروح المهمة. لا ينكر احد هذا الخطأ، فالبعض يعيد السبب الى لجوء الناس للعيادات الخاصة طيلة الفترة الماضية، وعدم اقتناعها بالخدمات الصحية المقدمة، والبعض يضع المسؤولية على عاتق الجمعيات المدنية والبلديات التي اهملت الجانب الصحي. وفي المحصلة، معظم المستوصفات غير مجهزة، بالكاد تقدّم معاينة في معظمها، في وقت يعتبر المستوصف في معظم دول العالم مركزاً متخصّصاً يقدّم خدمات طبية سريعة، غير أن في لبنان لا يوجد اهتمام بأي قطاع، واليوم بدأت صرخات الناس تخرج.

يعجز محمود عن زيارة الطبيب، يعاني الاخير من التهاب في المفاصل، يحتاج الى فحوصات مخبرية وصور أشعة، وهي باتت تحتاج ميزانية عالية، يعجز عن تأمينها. كان يعتقد أن المستوصف مجهّز بكل هذه الاقسام، غير انه صعق، ما دفعه ليسأل عن سبب هذا الاهمال ومن يتحمّل مسؤوليته، ويقول “لم يعد امامنا خيار سوى مراكز الرعاية الصحية في النبطية، الحمد لله أنها مجهزة ولم يجر اهمالها أيضاً”. مصدر صحي يؤكد انه يوجد في منطقة النبطية ما يقارب الـ30 مركزاً صحياً ومستوصفاً 4 منها أساسية في كل من النبطية والمصيلح، وجباع ودير الزهراني وهي متطورة الى حد ما، قادرة على استقبال المرضى، غير انه يؤكد أنها قد لا تكون قادرة على استيعاب الاعداد الكبيرة من المرضى، اذ من المتوقع ان تزحف الناس تجاهها في ظل العجز عن ارتياد عيادات الاطباء، فالقلة هي الدافع لذلك. ولا يخفي المصدر الصحي أن المستوصفات الموزعة في القرى غير كافية، و90 بالمئة منها غير متطورة، ويؤكد أنه من المفترض العمل على دعمها وتطويرها، واعادة افتتاح المقفل منها، لأننا نتوقع أن تكون ملاذ الفقراء.