IMLebanon

صواريخ لبنان: رسالة تضامن فلسطينية لا أكثر!

كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:

تتعامل القوى السياسية المحلية والجهات الرسمية اللبنانية والدولية الممثّلة بقوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان مع الصواريخ التي أُطلقت مساء أول من أمس من خراج بلدة القليلة في قضاء صور باتجاه إسرائيل على أنها تبقى في حدود تمرير رسالة تضامن فلسطينية مع الفصائل الفلسطينية في المواجهة مع الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وبالتالي لن تكون لها مفاعيل أمنية وعسكرية يمكن أن تهدد قواعد الاشتباك المعمول بها في الجنوب بين «حزب الله» وإسرائيل وصولاً إلى تعديلها ما دامت محكومة حتى إشعار آخر بتوازن الرعب بين الطرفين.

فالصواريخ التي أُطلقت من القليلة وسقطت في البحر قبالة الشاطئ في إسرائيل هي من نوع «غراد» عيار 122 ملم وتعد من مخلفات الحرب، وكانت تُستخدم في الحروب الداخلية في لبنان ولا تُحدث أضراراً جسيمة إلا في حال أن عددها تجاوز ثلاثة صواريخ تلك التي استهدفت الداخل الإسرائيلي وأُطلقت من منصّات خشبية كتلك التي كانت تُطلق منها في السابق مع أن إصاباتها ليست دقيقة.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أمنية لبنانية أن وحدات من الجيش اللبناني التابعة للواء الخامس المنتشرة في المنطقة التي أُطلقت منها الصواريخ عثرت في أثناء قيامها بتمشيط المنطقة بحثاً عن المنصات التي استُخدمت لإطلاقها على ثلاثة صواريخ من العيار نفسه في محيط مخيم «الرشيدية» للاجئين الفلسطينيين، كانت مجهّزة للإطلاق على مقربة من المكان الذي أُطلقت منه الصواريخ الثلاثة.

وكشفت المصادر الأمنية أن وحدات الجيش عثرت أيضاً على المنصّات التي تُستخدم لإطلاقها، وقالت إن مداها يصل إلى 18 كيلومتراً وإن أضرارها في حال انفجارها تبقى محدودة.

وفي هذا السياق، قالت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن الجهة الفلسطينية التي أطلقت الصواريخ مع عدم إعلان أي طرف فلسطيني مسؤوليته عن إطلاقها تدرك أن إصابات هذه الصواريخ تبقى محدودة وتنمّ عن رغبتها في توجيه رسالة تضامن مع قطاع غزة وأن «حزب الله» لا يمانع في إطلاقها، وربما لديه معلومات تتيح له لاحقاً تحديد الجهة التي تقف وراء إطلاقها، وعزت السبب إلى الحضور الأمني والشعبي للحزب في هذه المنطقة، وأن أحداً لا يستطيع أن يحرّك ساكناً ما لم يقرّر غض النظر عن إطلاقها.

وأكدت المصادر نفسها أن الحزب وإن كان لا يمانع، فإنه قرر أن يلوذ بالصمت لرصد رد فعل إسرائيل التي يبدو أنها ليست في وارد نقل المعركة من قطاع غزة إلى جنوب لبنان في مقابل قيام اللواء الخامس بحملات تمشيط واسعة قوبلت بارتياح من قيادة «يونيفيل» التي سارعت إلى الاتصال بالأطراف المعنية بالوضع في الجنوب وشملت قيادتي الجيش اللبناني و«حزب الله» والجانب الإسرائيلي التي أجمعت بناءً على رغبة القوات الدولية على ضرورة ضبط الوضع وعدم الانجرار إلى ردود فعل يمكن أن تؤدي إلى اندلاع مناوشات بين إسرائيل و«حزب الله».

ولفتت إلى أن قيادة «يونيفيل» مرتاحة لتجاوب الأطراف مع ضبط النفس بعد أن أحجمت إسرائيل عن الرد ربما لأنها ليست في وارد الدخول في مواجهة مع الحزب الذي يمارس ضبط النفس، رغم أنه لا يزال في حالة استنفار منذ مساء السبت الماضي، أي عشية قيام إسرائيل بإجراء مناورات عسكرية واسعة على طول حدودها مع لبنان.

ورأت أن قيام إسرائيل باستهداف شاحنة سورية بمحاذاة الحدود السورية مع منطقة الهرمل البقاعية يقع في سياق تمرير رسالة لمن يعنيهم الأمر بأن المواجهات الجارية في قطاع غزة لن تثنيها عن مراقبة ما يمكن أن يجري على الجبهات الأخرى، وبالتالي توخّت منها إعلام دمشق بأن عيونها شاخصة وتفرض رقابة مشدّدة، وهذا ما يبرّر استهدافها للشاحنة، رغم أنها بعيدة عن مواقع المواجهة الحدودية بينها وبين سوريا.

لذلك فإن ما يميز «حزب الله» عن معظم الأطراف المحلية يكمن في أنه يتعاطى مع أزمة تشكيل الحكومة والتطورات العسكرية التي يمكن أن يشهدها جنوب لبنان من زاوية إقليمية بخلاف الآخرين الذين يتعاطون مع الأحداث الجارية من زاوية محلية.

وبكلام آخر، يتعامل الحزب مع كل التطورات والأزمات على إيقاع المفاوضات الجارية في فيينا بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي برعاية أوروبية.

فـ«حزب الله» -كما تقول المصادر- لن يفرّط بأوراق القوة التي لا يزال يمسك بها، لأن فائض القوة الذي يتمتع به يجب أن يُصرف في مكانه الصحيح بخلاف ما يعتقد رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، أنه يراعيهما إلى أقصى الحدود ويحرص على تحالفه معهما، مع أن إصراره على تبادل «الخدمات السياسية» مع حليفيه يكمن في قطع الطريق على من يراهن على أن الحزب لا يمانع في أن يحرق ورقته اللبنانية لإراحة حليفيه.

وعدّت المصادر السياسية أن الحزب يتلطى وراء تصلّب عون وباسيل، فيما يرصد ما يدور على جبهة المفاوضات في فيينا ليقرر في ضوء ما سيترتب عليها من نتائج الموقف الذي سيتخذه لتمكين حليفته إيران من تسييل الورقة اللبنانية لتحسين شروطه.

وقالت إن إيران ليست بمنأى عن المواجهات الجارية في قطاع غزة وهي تنتظر من واشنطن أن تبادر للاتصال بها، وربما بطريقة غير مباشرة، والطلب منها أن تُسهم في التهدئة في القطاع لما لها من «مونة» على حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» اللتين تتصدران المواجهات ضد إسرائيل، ولفتت إلى أن إيران تراهن على الدخول كطرف في مفاوضات التهدئة وضبط النفس بوصفها الطرف الأكثر تأثيراً في القطاع.

وعليه، فإن «حزب الله» -حسب المصادر نفسها- يكتفي حالياً بالتضامن الإعلامي والسياسي مع «حماس» و«الجهاد الإسلامي» من دون أن يرفع من منسوب تضامنه باتجاه إعادة تحريك الجبهة الجنوبية التي ارتبطت أخيراً بجبهة المقاومة المرابطة حالياً على تخوم الجولان السوري المحتل وباتت متلازمة معها من الوجهة العسكرية.

كما أن الحزب يمارس أقصى درجات ضبط النفس، ما دامت إسرائيل ليست في وارد تحريك جبهة الجنوب ليس لانشغالها في قطاع غزة فحسب، وإنما لتقديرها للقوة الصاروخية للحزب، خصوصاً أن ما تملكه «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في القطاع ما هو إلا عيّنة صاروخية محدودة قياساً على ما بحوزة الحزب من صواريخ دقيقة.

ولفتت المصادر إلى أن جبهة الجنوب محكومة بالإبقاء على قواعد الاشتباك التي ما زالت سارية المفعول بين «حزب الله» وإسرائيل بعد حرب تموز 2006 وبمراقبة دقيقة من «يونيفيل»، وهذا ما ثبت من المناوشات الساخنة التي حصلت بينهما في أعقاب صدور القرار 1701 والتي لم تبدّل من واقع الحال على الأرض.

ناهيك بأن قواعد الاشتباك هذه محمية بتوازن الرعب بين الطرفين، إضافةً إلى أن الحزب ليس في وارد التفريط بورقة الجنوب وبالأخرى المتعلقة بأزمة تشكيل الحكومة ما ادم يراهن على صرفها في مفاوضات فيينا، خصوصاً أن الظروف الصعبة وغير المسبوقة التي يمر بها لبنان تفرض عليه ضبط النفس ما دامت المواجهة في قطاع غزة تبقى تحت السيطرة الدولية، لذلك لن تتفرع عنها مواجهات على الجبهات الأخرى، إضافة إلى أن الوضع الداخلي لم يعد يَحتمل الدخول في مواجهة مفتوحة نظراً لعدم قدرة الحزب على تغطية كلفتها المالية في ظل الحصار المفروض على لبنان وتراجع المزاج الشعبي الذي أخذه الانهيار المالي والاقتصادي إلى مكان آخر ولم تعد لديه هموم أخرى غير تأمين لقمة العيش لأكثر من نصف اللبنانيين الذين ينتظرون من الحكومة المستقيلة أن تؤمّن لهم البطاقة التموينية لسد احتياجاتهم بعد أن أخذ الجوع يدق أبوابهم، بينما تلوذ المنظومة السياسية بالصمت وتتصرف كأنها غائبة عن السمع.