IMLebanon

عاصمة الشمال تحت مجهر سفراء دول الغرب

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

كأن عاصمة الشمال تنأى بنفسها عن الجدل البيزنطي المتعلق بالحكومة. تحاول المدينة ان تنفض عنها ترسّبات الماضي والعودة الى خريطة الاهتمام الدولي بعد ان فقدت الامل بابنائها من الوزراء والنواب والرؤساء السابقين. الاهتمام بطرابلس ليس محلياً كالعادة وانما هو اهتمام دولي لافت تجلى بالزيارات المتكررة للسفراء الغربيين اليها. خلال عقد من الزمن اي منذ أيام تنظيم “فتح الإسلام” العام 2007 عاشت طرابلس قطيعة مع الغرب، ولم يكن يأتي سفير لزيارتها الا بمواكبة امنية مدججة. لكن يبدو ان المشهد اليوم قد تغير تماماً، إذ افتتح سفراء الدول الكبرى والأكثر تأثيراً في لبنان زيارات متكررة للمدينة بدءاً من السفيرة الاميركية دورثي شيا الى الفرنسية آن غريو التي زارت طرابلس وعكار لثلاثة ايام متتالية، فالكندية والسويسرية والسويدية وصولاً الى حد دعوة السفيرة الاميركية زميلاتها السفيرات لحفل غداء على شرفهن في طرابلس. يحاول البعض ان يعطي لهذه الزيارات طابعاً استكشافياً وأمنياً لكن مما لا شك فيه انها تحمل رسائل سياسية مباشرة، فقد تجنب هؤلاء السفراء لقاء اي مسؤول سياسي في المدينة وأصروا على الاجتماع مع فاعليات اقتصادية ودينية ومدنية وركزوا اكثر على شخصيات من المجتمع المدني.

لم يكن الهاجس الأمني حاضراً في لقاءاتهم بل حاول هؤلاء استشراف المستقبل ومعرفة كيفية وآلية تفعيل اقتصاد المدينة ومرافقها ومرفئها ومشاكلها المزمنة من تهميش للمدينة الى الحاجات الغذائية والصحية الى الاهتمام الفرنسي الكبير بموضوع التربية والتعليم. ومن نافل القول ان فرنسا سبق وسددت اقساط 9000 طالب في لبنان في المدارس المرتبطة بالفرنسية، وللمرة الاولى في تاريخها تبرعت لمدينة طرابلس حصراً بأكثر من مليون يورو على سبيل مساعدات اغاثية غذائية وصحية.

واذا كانت الدول لا تقوم بأعمال خيرية بل ان تقديماتها عادة ما تراعي مصالحها وتطلعاتها، فيبدو ان طرابلس المدينة المتوسطية ذات المرفأ التاريخي الملاصقة لمرفأي اللاذقية وطرطوس المستثمرين من ايران وروسيا له اهميته الاستراتيجية بالنسبة لهم بدليل أن الشركة الفرنسية العالمية CMA- CGM استحوذت على حصص شركة Gulftainer، التي كانت تقوم بتشغيل رصيف الحاويات في مرفأ طرابلس. وثمة اهتمام من الاميركيين والفرنسيين بالمنطقة الاقتصادية الخالصة ومتفرعاتها في معرض رشيد كرامي الدولي حيث يدرسون احتمال استعمال طرابلس كموطئ قدم لحضور سياسي واقتصادي استثماري بتنافس او تكامل بين الدولتين الأكثر تأثيراً.

من باب التناغم مع المجتمع المدني وبعيداً من السياسيين، طرق الديبلوماسيون الغربيون ابواب عاصمة الشمال، وقد تقاطعوا على اللقاء مع الفاعليات السياسية والاجتماعية الاساسية في طرابلس ومن بينهم الدكتور خلدون الشريف حيث تم التركيز الاكبر على مشاكل المدينة وهمومها بشكل يطغى على القضايا السياسية في ترجمة واضحة لتوجهات بلدانهم. وكان واضحاً من خلال زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل ان الاميركي مهتم بالترسيم البحري ويوليه اهمية على ما عداه، في حين أن وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان تقصد البعث برسائل من خلال امتناعه عن لقاء اي مسؤول سياسي غير المسؤولين الرسميين، ولأسباب بروتوكولية، وهو حين استقبل الرئيس سعد الحريري بادره الى القول استقبلك كرئيس مكلف لتشكيل حكومة وليس كرئيس تيار سياسي. وعلى ما يبدو فان الحركة الديبلوماسية تلك في صدد التوسع مع استعداد المدينة لاستقبال السفير التركي الاسبوع المقبل، ما يمكن فهمه على انه رد على زيارة السفيرة الفرنسية بالدرجة الاولى، فيما تنتظر زيارة السفير السعودي وليد بخاري الى عاصمة الشمال جلاء ملابسات قضية تهريب المخدرات الاخيرة، فيما تؤكد فاعليات المدينة ان طرابلس لم تغب عن الرادار المصري.

تنسب بعض الاوساط السياسية الى المتضررين من حركة السفراء الاجانب تعريض أمن المدينة للاهتزاز خاصة مع ما جرى من احراق مكتب الكتائب ومستوصف تابع للقوات واطلاق قذيفة على جبل محسن ومحاولة النيل من أمن طرابلس للعودة الى المربع الاول لكن يبدو ان لا رأي سياسياً لبنانياً ولا اقليمياً يغطي اعمالاً من هذا النوع ما اتاح لمخابرات الجيش القاء القبض وخلال ساعات على منفذي هذه الاعمال.

يعتبر اهل المدينة ان طرابلس امام تحدّ اما ان تقدم نفسها بصورة جديدة وجدية وبشكل محترف واما ان تبقى حيث هي. يبقى ان موجة الزيارات الغربية لطرابلس تتزامن مع الاهتمام الدولي بالانتخابات النيابية المقبلة في لبنان حيث شرع المجتمع الدولي في رصد اداء القوى السياسية والفاعليات المدنية والاجتماعية لمعرفة مسار هواء طرابلس الانتخابي كما بقية المناطق في لبنان، ويمكن القول ان الحركة الانتخابية انطلقت فعلياً في الشمال دشنتها ماكينة تيار المستقبل الانتخابية التي شرعت في جمع المعلومات سبقتها حملة توزيع اللقاح الصيني ضد كوفيد 19 على عدد كبير من الاهالي وهو ما فسر على انه باكورة الحراك الانتخابي للمستقبل.