IMLebanon

الحفاوة الفرنسية بقائد الجيش: رسائل في اتجاهات عدة

كتب عمر البردان في “اللواء”:

في الشكل وفي المضمون، كان الاستقبال الفرنسي لقائد الجيش العماد جوزاف عون استثنائياً بكل المقاييس، في سابقة أرادت منها باريس توجيه رسائل إلى المعنيين في كل الاتجاهات. فأن يستقبل الرئيس إيمانويل ماكرون الذي وجه عبارات قاسية بحق الطبقة السياسية، العماد عون في قصر الإليزيه، ويخصه بكل هذا التكريم وهذه الحفاوة، فذلك يحمل في طياته الكثير من الدلالات التي تعكس بوضوح مدى التقدير الذي تكنه فرنسا لرئيس المؤسسة العسكرية في لبنان الذي استطاع أن يكسب ثقة الداخل والخارج، بفعل حكمته في التعامل مع المفاصل الاستثنائية التي مر بها البلد في السنتين الأخيرتين، عكس الأداء المخيب، لا بل المزري للطبقة السياسية التي تمعن في تخريب المؤسسات وإغراق لبنان بالمحن، وليس أدل على ذلك عجزها الفاضح عن تشكيل حكومة منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، دون أن يبادر المعنيون إلى تجاوز خلافاتهم الشخصية، ووضع مصلحة البلد والناس فوق أي اعتبار آخر.

وبدا بوضوح أن الفرنسيين الذين ضاقوا ذرعاً من تصرفات المسؤولين اللبنانيين، أرادوا من خلال التكريم اللافت الذي حظي به قائد الجيش في زيارته باريس، التأكيد على أن لديهم كل الثقة بالمؤسسة العسكرية التي أثبتت بفعل السياسة الحكيمة التي يتبعها العماد عون، في اكتساب ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي، بعدما فقد المسؤولون السياسيون احترام وتقدير الداخل والخارج على حد سواء. كما أن الجانب الفرنسي الذي خص قائد الجيش بكل أشكال التكريم، وجه رسالة شديدة اللهجة إلى الطبقة السياسية الفاسدة، بأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي لا زالت تحظى بكل الثقة والاعجاب، بالنظر إلى دورها الوطني والريادي في حماية استقرار لبنان والسلم الأهلي فيه، ما يؤكد أن فرنسا ومعها المجموعة الأوروبية، تعلق أهمية كبيرة على الدور الوطني الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في لبنان، وأنها الوحيدة القادرة على الاستمرار في الفوز بثقة الشعب اللبناني الذي يقدر لقائدها الإنجازات الوطنية التي حققها لخدمة بلده في السنوات الماضية.

كذلك فإنه يمكن النظر إلى طريقة تعامل المسؤولين الفرنسيين، وفي مقدمهم الرئيس ماكرون الذي تعهد بتقديم المزيد من المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، على أن باريس التي ازدرت السياسيين اللبنانيين في أكثر من مناسبة، تعول على دور أكبر للعماد عون في المرحلة المقبلة، في ترسيخ دعائم الاستقرار والأمن في لبنان، توازياً مع إشادة أميركية لافتة بأداء الجيش اللبناني، واستعداد إدارة الرئيس جو بايدن للاستمرار في دعمه وتقديم المساعدات الضرورية له. وهذا يعكس توافقاً أميركياً أوروبياً على ضرورة العمل من أجل تقوية الجيش اللبناني، وتأمين كل مقومات دعمه بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة، ليتمكن من بسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية، وبما فيها الخاضعة لسيطرة “حزب الله”.

ويأتي الاهتمام الأميركي والأوروبي بدعم الجيش اللبناني، في وقت لا زال المجتمع الدولي على موقفه الحازم، وهو ما سمعه العماد عون من الرئيس ماكرون، بأن لا مساعدات سيحصل عليها لبنان، في حال لم يسارع المسؤولون إلى تشكيل حكومة تتمتع بمصداقية وبإمكانها تنفيذ الإصلاحات التي تطالب بها الدول المانحة، وإلا فإن لبنان سيبقى ينازع ويترك لقدره المحتوم، إذا استمرت سياسة اللامبالاة من جانب القوى السياسية التي تعطل تأليف الحكومة من أجل ضمان مصالحها، في وقت كل المؤشرات توحي بأن الفرنسيين جادون في السير بالعقوبات على عدد من المسؤولين الضالعين في التعطيل. على أمل أن تساهم جهود رئيس مجلس النواب نبيه بري في فكفكة العقد من أمام الولادة الحكومية بعد عودة الرئيس المكلف إلى بيروت. فكلما كانت هذا العودة قريبة، كلما أمكن العمل على تكثيف الجهود لإحداث الخرق المطلوب. بانتظار أن يقدم الرئيس المكلف تشكيلة جديدة من 24 وزيراً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، على أن تتكثف الاتصالات في الموازاة من أجل عقدتي وزارتي الداخلية والعدل، من خلال التوافق على إسمين من عدة أسماء لشغل الحقيبتين، لا يكونا استفزازيين، مع ترجيح أن تكون «الداخلية» من نصيب الرئيس عون، و«العدل» من حصة الرئيس الحريري. وقد علم أن عودة الرئيس المكلف مرجحة في الأيام المقبلة، في حين أكدت مصادره لـ«اللواء» أن «أي تقدم على الصعيد الحكومي مرهون بتنازل العهد عن الثلث المعطل، وإلا لن تكون هناك حكومة».