IMLebanon

بلدة القاع… قلعة الصمود المسيحي في البقاع الشمالي

كتب عيسى يحيى في نداء الوطن:

تضرب بلدة القاع البقاعية في جذور التاريخ وتسجّل في روزنامتها آلاف السنين التي مرّت عليها وعلى أهلها، فهي الوادي الفسيح الذي إحتضن قوافل الأستانة ودمشق وحلب في عهد فخر الدين الثاني، وعبرها جرّت ملكة تدمر مياه بلدة اللبوة إلى مملكتها عبر أقنية حفرت في الصخر لا تزال شاهدةً، ومنها نقلت غلال ومحاصيل الخير.

يتمسك أهالي بلدة القاع الحدودية المتربعة على مساحة 182 كيلومترأ مربعاً بأرضهم التي ناضلوا من أجلها وخاضوا عليها معارك الصمود والبقاء، تغمر جباههم الصلابة والشدّة والقساوة التي تحمل خلفها طيبة ومحبة تُرجمت بحسن العلاقة والجوار مع المحيط، حافظوا على كيانهم كحفاظهم على عاداتهم وتقاليدهم وبيوت الطين والقش التي تطالعك عند تخوم القرية وداخلها، إضافةً إلى أطلال القلعة التي بناها فخر الدين الثاني، ومطحنة الحبوب التي لا تزال آثارها ظاهرة على كتف النهر حيث شكّلت مقصداً للمزارعين يطحنون قمحهم الذي زخر به سهل القاع.

يشهد تاريخ بلدة القاع التي تشارك في جزء من حدودها الأراضي السورية على الويلات والمجازر التي إرتكبت بحق أهلها منذ الحرب الأهلية، حيث كان لشهر حزيران ذكريان أليمتان حلّتا على القاعيين بفارق ثمانٍ وثلاثين سنة، الأولى ليل 28 حزيران عام 1978 ذهب ضحيتها 26 شاباً من ابناء البلدة ووجهت الإتهامات يومها إلى الإحتلال السوري، والثانية في 27 حزيران عام 2016 خلال تفجير إرهابي وتسلل إنتحاريين إلى داخل البلدة ذهب ضحيته خمسة شبان وأكثر من خمسة عشر جريحاً، وها هي اليوم قلعة صمود المسيحيين في البقاع الشمالي تستعدّ على بعد شهر واحد لإحياء المناسبتين مصحوبةً بالتمسك بالأرض والعيش المشترك.

عاشت بلدة القاع شأنها كسائر البلدات البقاعية تحت خط النسيان والإهمال، لم تلحظها وأخواتها سياسات الحكومات المتعاقبة في عملية التنمية المحلية، حيث عملت بلديتها وفق المستطاع والإمكانيات المحدودة على وضع البلدة على سكة الإنماء وتوفير ما يلزم لبقاء أهلها في أرضهم ودعوة من هجروا خلال الحرب الى العودة، سيما أن الخلافات على الأراضي وأبرزها ما يعرف بمشاريع القاع ونزوح الآلاف من السوريين إليها شكلت هماً إضافياً على البلدية وفاعلياتها لتحصيل حقوق القاعيين.

أنجزت بلدية القاع خلال الفترة المنصرمة من ولاية المجلس البلدي العديد من المشاريع ولا تزال في طور إنجاز العدد الآخر منها، وفي هذا الإطار اوضح رئيس البلدية المحامي بشير مطر لـ”نداء الوطن” أن “عدداً من المشاريع المهمة والكبيرة أنجزت خلال ولاية المجلس البلدي بالتعاون مع المنظمات الدولية أبرزها: إنجاز بحيرة بسعة 185 ألف متر مكعب وتحضير أخرى لإنجازها بسعة 30 ألفاً، محطات طاقة شمسية لبئر المياه وتجهيز بئر آخر لدعم مياه الشفة، أقنية ري من الباطون المسلح بطول 15 كيلومتراً، بناء مركز المطالعة والترشيد الثقافي، إنارة للطرقات على الطاقة الشمسية، شبكة ري قمنا عبرها بمدّ ماء البحيرة إلى الأراضي الزراعية، دعم مزارعين عبر مؤسسة رينيه معوض وزراعتهم أرضهم وتوزيع شتول على أنواعها، إنشاء براد زراعي لحفظ الفواكه، وقريباً إفتتاح سوق للخضار، ناهيك عن فتح طرقات بالتعاون مع الجيش اللبناني للوصول إلى مراكزه إستفاد منها المزارعون إضافةً إلى شق طرقات بالتعاون مع وزارة الأشغال، وتأهيل ودعم المدارس ومساعدة التلاميذ في الأقساط والقرطاسية ودورات على إختلافها، وتأمين الأدوية ومساعدة الناس في التسجيل على منصة اللقاح والتعقيم المستمر ومتابعة حالات المصابين، كذلك نتابع موضوع الأراضي ومشروع الضم والفرز، إضافةً إلى تحضير مشاريع أخرى أبرزها المدينة الصناعية وتأمين فرص عمل لأبناء البلدة”.

ويضيف مطر بأن “مشاكل البلدية كسائر البلدات في ظل إنعدام السيولة وعدم قبض المستحقات، وهنا نعجز عن إصلاح آلية للبلدية قد تتعطّل، والموظفون منذ أربعة أشهر لم يقبضوا رواتبهم، ويُطلب منّا أن نواكب الكثير من الأعمال ونحن في أزمة بنزين ومازوت والبلدية لا تستطيع تحريك آلياتها”، مشيراً الى “أن السبب الأساسي في شحّ المحروقات هو التهريب الذي لا يزال ساري المفعول، ما ينعكس على تأمين المحروقات للمولدات والمياه للمزارعين”. ويستطرد بأن “البلديات التي تستضيف فيها نازحين سوريين تعاني مشاكل إضافية والمطلوب من الصندوق البلدي المستقل والجهات الدولية المانحة مساعدتها لتستطيع القيام بواجباتها تجاه أهلها والنازحين”، مشدّداً على أنّ “النازحين اليوم يأخذون كل المواد المدعومة وغيرها من أمام اللبنانيين، إضافة إلى السرقات التي تحصل وتقف خلفها عصابات من السوريين”، مطالباً الجهات الدولية بإعادة النازحين السوريين لا سيما كل الأشخاص الذين يدخلون ويخرجون من سوريا من دون اي مشاكل”.

وأكد أن العلاقة مع المحيط “جيدة ولا مشاكل مع أحد إلا مع من يعتدي على أرضنا ومائنا، فنحن لن نترك أرضنا مستباحة لمن يريد البناء وحفر الآبار، والأكيد أننا نختلف مع البعض بالسياسة ولكننا نتّفق بالهمّ الواحد والمعاناة المشتركة”.