IMLebanon

البترون في “عين” السرقات وعيون شبابها 10/10

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

يحوطها سور بحري طبيعي طويل كبير، كونته الكثبان الرملية، ودعّمه الفينيقيون ليحمي المدينة وضيعها… مدينة ولا “أروع” فيها آثار وقلاع واسوار ومنتجعات ونشاطات ومهرجانات وميناء وتاريخ وحضارة وقلوب بيضاء ورجال ونساء “شجعان”… وكان ما كان… فها هي اليوم، يوم حكم “الأقوياء”، قد أصبحت كثير من ضيعها مفتوحة على سرقات بالجملة، حتى القصعين والصعتر والقويسي في أحراشها وعلى الضفافي، تُعبأ في “أنصاص” الليالي في أكياس خيش، في سرقات منظمة، وتُرحّل الى جهات ما. قصة البترون قصة والحل: الأمن الذاتي؟

كلمة “الأمن الذاتي” تثير حساسيات كثيرة علماً أن عمل “الناطور” أمن ذاتي. ولنحسمها منذ البداية: الأمن الذي تقوم به البترون يندرج في مهام “نواطير الليل”.

ففي كل صباح خبر بشع جديد أو لنقل: انها أخبار بشعة جديدة. هذه حالنا من زمان. ومع كلِّ خبر أمنية: “الله ينجينا من الأعظم”. وتنبؤ: “الآتي قد يكون أعظم”. والحلّ؟ ماذا عن الحلول المقترحة لسرقات تحدث في لبنان والبترون يومياً بالجملة؟ نسمع إبن بلدة تحوم نبيل يوسف وهو يتحدث عن سرقات تحدث في قرى البترون يخجل حتى من ذكرها: “بطارية عتيقة. بطارية مولد كنيسة سيدة المعونات. بطارية مولد كنيسة مار يوحنا المعمدان. سرقة 22 إشارة تحذير للسيارات توضع على جنبات الطرق لصاحبها المتعهد حميد كيروز. سرقة ساعات وديجنتورات سنتر بوتريس في البترون حيث مقر اتحاد البلديات ومركز الضمان الإجتماعي. سرقة كابل اشتراك مولد بلدة كور. سرقة سيارة رباعية الدفع من نوع تويوتا لصاحبها ميلاد شاهين في مدينة البترون… وسرقة صعتر وورق عريش وعشبة القويسي المشهورة في أحراش البترون… وقوارير غاز… وتكاد لا تنتهي السرقات على أنواعها في بقعة ترتاح، أو كانت ترتاح بين أشجار الزيتون المباركة. أخبار السرقات تتلاحق. وهناك أصواتٌ قد بدأت تطالب بتوفير الأمن الذاتي بالتعاون طبعاً مع السلطات الأمنية المعنية.

تطويع من دون مقابل

المحامي، إبن كفيفان، حنا بيطار (وهو رئيس هيئة الطوارئ الشعبية في البترون) قال: “لا حلّ إلا بتطويع الشباب مجاناً في قرانا من أجل المراقبة والحماية تحت إمرة الشرطة البلدية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية كافة. لأنه إذا لم يصر ذلك فهذا معناه الإنحلال الكامل”. هو قدم بالفعل طلباً باسمِ الأهالي الى السلطات المعنية واتحاد البلديات والقائمقام بفتح باب التطوع المجاني للشباب في القرى البترونية من أجل المراقبة والحماية تحت إمرة الشرطة البلدية في الاتحاد بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وبغطاء شرعي. فأين أصبح الطلب؟ لا جواب حتى الآن. ويشرح: “هذا مطلب حقّ. فالمنطقة في خطر. ولا شيء يمنع ان تحصل حواجز تشليح في المناطق في ظل التفلت الحاصل من قبل لبنانيين او أغراب. فليقم شباب القرى بمواجهة كل المخاوف الحاصلة والتي قد تحصل”.

كلام المحامي حمّال أوجه. فهناك من سيقف ويقول: هذا أمن ذاتي مرفوض. وهناك من يسأل: وكيف لشباب القرى العزّل حماية الأرض؟ يجيب: “مطلوب من هؤلاء ان يكونوا كما النواطير، على ان يتم وصلهم بغرفة عمليات مشتركة لاتحاد البلديات. فإذا لاحظوا على سبيل المثال لا الحصر حركة مشبوهة في كفيفان عليهم الاتصال بغرفة العمليات التي تتصل بدورها بكل الفرق في القرى وبالمخابرات وجهاز المعلومات والدرك والجيش. وفي أقل من دقيقة تكون كل الأجهزة الأمنية قد أصبحت على علم بالحركة المشبوهة. فتعمد الى إقفال الطرقات”.

ما رأي رؤساء بلديات المنطقة في الموضوع؟

مراقبة بلا سلاح

رئيس بلدية كور روجيه يزبك يتحدث عن ثلاث سرقات حصلت في بلدته، هي سرقات صغيرة لكنها تشي بأن الأمن شبه سائب ويحتاج الى معالجة سريعة خصوصاً “أن الحرامي لا ينتظر”. ويشرح “علينا تأمين الحد الأدنى من الحراسة الذاتية، أو لنقل “النواطير”، ونريد مؤازرة الشباب في الموضوع وتأمين دوامات من قبلهم لحراسة قريتهم. ونحن، كبلدية، سنؤمن الكاميرات اللازمة لتدارك ما قد يحصل في الأيام المقبلة. وما نريد فعله ليس أمناً ذاتياً بل سلامة أهالي الضيعة. فنحن لن نقبل ان ننتظر “الأعظم” مستسلمين”. ويستطرد: “لدينا مداخل كثيرة للضيعة لكننا حصرناها بثلاثة. ويفترض وجود بين سبعة وثمانية شباب على هذه المداخل بلا أسلحة طبعاً لكن بعيون ثاقبة. ونحن ندرس حالياً كل الإحتمالات ونحاول توفير المال لهؤلاء الشباب. هو مال بمثابة “تكحيلة” او لنقل انه مصروف بسيط يساعدهم في إتمام المهام التي يفترض القيام بها في حماية الضيعة والضيع البترونية”.

لا بدلاء عن الدولة

ما يراه رئيس بلدية كور لا يوافق عليه رئيس بلدية محمرش، شوقي عطيه، وهي بلدية مستحدثة منذ خمسة أعوام، إذ يعتبر عطيه ان السرقات التي تحدث في البترون ليست بالحجم الذي يتحدث عنه البعض “فهناك 76 ضيعة في البترون حصلت سرقات في بعضها وواجب الهيئات الأمنية المختصة الدفاع عن الأهالي لا قيام الشباب بالمهمة لأن ما حدث في منطقة كفتون مع الشباب الذين دافعوا عن ارضهم مروع. حدثت جريمة ذهب ضحيتها ثلاثة شبان. فماذا قد يردع من تكرارها في اي ضيعة اخرى يناط بشبانها حمايتها؟ نحن لا يمكننا ان نكون بدلاء عن الدولة فلتتفضل وتقوم بمهامها. فلديها الأجهزة الموكلة بالحماية. فأنا، والكلام الى رئيس بلدية محمرش، لا استطيع ان اتحمل سقوط نقطة دم من شبابنا. أما إذا أراد هؤلاء المراقبة فليفعلوا لكن ليس بصورة مشرعة. فليسهروا على شرفة البيت وليبلغوا الاجهزة الأمنية عند اي طارئ لا أكثر ولا أقل”. تتعدد الآراء، تتضارب حيناً، لكن الواقع شبه واحد: اللبنانيون خائفون ويبحثون عن حلولٍ ذاتية لحماية أنفسهم. والكرة تبقى في أيدي الأجهزة الأمنية التي عليها مهمة فرض هذه الحماية.

تحوم وشكا

ثمة تجربة حدثت في تحوم في البترون. هناك، مع إزدياد خوف الأهالي من التفلت الأمني وتجول الغرباء ليلاً اوحصول بعض السرقات طالبوا البلدية بتأمين حراسة ليلية. ومعلوم ان وضع البلدية المالي دقيق كما جميع البلديات، ولا إمكانات لبلدة تحوم، كما لسواها، توفير وتمويل الحراسة الليلية. وقد تبرع بعض أبناء البلدة للبلدية بكلفة الحراسة. وهنا يقول نبيل يوسف: “أتصور أنه يكفي تطوّع ستة أو سبعة شبان كل ليلة بالحراسة مداورة من الساعة الثامنة حتى الساعة السابعة صباحاً يجولون على طرقات البلدة في سيارة البلدية بدون توقف. وهذا ما طُبق. وهناك منتجع سياحي في الضيعة وضع حارساً ليلياً للانتباه على سيارات الزبائن ومحيط المنتجع. وحراس البلدية على اتصال دائم مع الحارس وأرقامهم مع جميع أبناء البلدة وهناك مجموعة على الواتساب تضم جميع شباب البلدة تقريباً. وعند مشاهدة اي سيارة غريبة يتم التواصل بين الجميع فتصل سيارة البلدية. ومع الحراس تعليمات بعدم التواجه مع احد والاتصال بالاجهزة الامنية. وهذا التدبير ضبط الوضع بنسبة تصل الى 90 في المئة. وهذه التجربة يمكن أن تعمم”. في كل حال، كفرعبيدا طبقت هذا التدبير بعد أن وصل موسى السرقات أيضاً إليها. ومثلها شكا. أرز فدعوس من شباب شكا شارع بدوره مع شباب البلدة الى ان يشكلوا دعماً للعمل البلدي، وإيماناً منهم جميعاً بضرورة تآزر كل الأفرقاء، من القطاعين العام والخاص، في مواجهة “سواد” المرحلة. هؤلاء الشباب يسهرون ليلياً مع ثلاثين عنصراً بلدياً لتوثيق كل الحركات التي تحصل، ويسرحون على الطرقات في شكل حضاري ونظامي، تحت إشراف البلدية، على الا يتعاطوا مع أحد إلا “من يمدّ يده الى مال سواه” فعند “الحزة” هذه مسؤولية الجميع.

هؤلاء الشباب يُشددون “للمرة الألف” أنهم لا يشكلون حركة ولا تنظيماً داخلياً لكنهم يساندون البلدية التي أصبحت قدراتها محدودة. نفس “الفورمول” (المعادلة) تطبق في اكثر من بلدة وضيعة بترونية خصوصاً أن الآتي قد يكون “اعظم”.

نعود الى تحوم، يتحدث نبيل يوسف “عن محاولة البعض فتح الكنائس “الفرداوية” (المعزولة) ووكلاء الأوقاف في البترون إنتبهوا لهذا الأمر وأخذوا بعض الاحتياطات. والقرى بحاجة الى دعم الأهالي المليئين من اجل تمويل خطوات الحماية. وبالفعل فقد موّل احدهم ذلك بدفع الف دولار (13 مليون ليرة).

السرقات متنوعة. لكن، ماذا عن سرقات ورق العريش والقصعين وعشبة القويسي في البترون؟ هي سرقات تُشكل ظاهرة. وراءها قد تكون شبكة تعرف قيمة هذا النوع من الأعشاب وورق العريش. المحامي حنا بيطار يستنكر مثل هذا النوع من السرقات ايضاً، خصوصاً ان من يسرقوها “يشلطوها” من جذورها بدل ان “يجموها” فتموت. المحامي سبق وأقام حملة من أجل حماية عشبة القويسي التي تستخدم في أعمال طبية وفي تركيبة العطور والتي يتربى النحل عليها فتساعد على إنتاج العسل وإعطائه النكهة الطيبة”.

نعم للحواجز الأمنية

من جهته، يتحدث نبيل يوسف عن “تغلغل” أغراب في القرى البترونية. وهناك كثير من اللاجئين بلا عمل. هذا لا يعني طبعاً أن هؤلاء وحدهم من يقومون بالسرقات لكنه من الطبيعي أن تنتبه السلطات المعنية لهذا الأمر. ويستطرد: أيام وجود السوريين كانوا يقيمون حواجز ميدانية كل كيلومترين. والأجهزة الأمنية اللبنانية عليها إقامة هي أيضاً الحواجز خصوصاً ليلاً. وما يلفت أن السرقات تحدث عن طريق “الخلع” و”الكسر” والكاميرات تلتقطها لكن القبض على السارقين شبه غائب.

البترون لبنانية الأصل والفصل. البترونيون لبنانيون أباً عن جد. ولبنان واللبنانيون، كما أهالي البترون، ينشدون الأمان. فهل هم حقاً في أمان؟ البترون تحاول ذلك والإتكال يبقى على ما تبقى من دولة هبّ شبابها لمؤازرتها.