IMLebanon

شهود جدد في ملف المرفأ… بيطار: استدعاء من يتمتّعون بحصانة مؤجّل

كتبت نوال نصر في نداء الوطن:

مضى على استلامه أمر التحقيق في انفجار مرفأ بيروت مئة يوم، ومضى على “زلزال مرفأ بيروت” عشرة أشهر بالتمام والكمال. في قصر العدل، في آخر رواق الطبقة الرابعة يقع مكتب القاضي طارق بيطار. “رواق” (هدوء) في المكان. موظفو قصر العدل غادروا و”الريّس” يستمرّ حتى ساعات متقدمة يقرأ ويُحلّل ويستمع ويقارن ويبحث في ملف “جريمة العصر”. فما جديد ما توصلت إليه تحقيقات المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار؟ ماذا يمكن في صبيحة الرابع من حزيران (أي قبل شهرين على 4 آب) أن يقول للبنانيين المنتظرين على جمر نتائج جريمة العصر؟

بدبلوماسية كبيرة وبتأثر ملحوظ يتحدث. هو القاضي الذكي صاحب القلب والعقل. يُكثر من فرك اليدين وهو يتحدث. ويتكلم ولا يتكلم. فهو مضطر الى اختيار مرادفاته بدقة كي لا تُفسر أي عبارة على غير مقصدها. يجلس بين بضعة صحافيين، في موعد أراده شهرياً، ليقول بعض ما يمكن قوله. واللبيب من الإشارة يفهم. فما الجديد الذي يستحق اللبنانيون اليوم أن يسمعوه؟

يتحدث القاضي عن سبعة أشخاص جدد، إكتشفهم فجأة، كانوا في مسرح الجريمة، جنب الإهراءات، لحظة دوّى الإنفجار. هؤلاء شهود عيان أصيبوا وعانوا وما زالوا أحياء. إنهم دليل حسي وواقعي ومباشر سيُصار الى استجوابهم من أجل تحديد ما يتقاطع من معلومات بينهم جميعاً. هؤلاء دليل غاية في الأهمية. وتمّ استجواب أربعة منهم حتى اليوم. وهناك ثلاثة آخرون سيُصار الى استجوابهم قريبا”.

ممتاز. لكن، ماذا أضاف هؤلاء الى التحقيق؟ يجيب: كل كلمة نعتبرها إضافة. فإثبات أي أمر، أو نظرية، يحتاج الى تقاطع معلومات. فإذا قالوا جميعاً رأينا صاروخا فمعناه هناك صاروخ. وإذا قالوا رأينا طائرة معناه في طائرة”.

لكن هناك أشخاصاً كثراً في بيروت والجوار سمعوا صوت طائرة فهل يأخذ “الريس” هذا الكلام على محمل الجدّ؟ يجيب “كل شيء في التحقيق مهم. كثر سمعوا. وأنا شخصيا سمعت هدير طائرة حيث كنت في منطقة البياضة قرب الرابية”.

هل هناك إمكانية للتمييز بين الإلتباس ما إذا كان صوت طائرة أو هدير شيء آخر ما؟ يجيب: “هناك شهود نستمع إليهم وهناك رادار الطيران وتحليل التربة والأرضية وما قد يظهر فيها من متفجرات لأن الصاروخ مشكل من متفجرات فإذا ضُرب صاروخ فستظهر حتما الشظايا والنواة المستخدمة. وهناك القمر الإصطناعي لكن لا أحد يعتقد أن هذا القمر كان مثبتا فوق لبنان. إنه يدور”.

نفهم من كلامه (من دون أن يقول بالفم الملآن) أن الإتكال على القمر الإصطناعي وحده هدر للوقت. لكن، ماذا عن الإستنابات وعددها 13 التي قدمها حول هذا القمر؟ يجيب: ” أتت معظمها سلبية. لم تصور موقع المرفأ لحظة الإنفجار. لا جديد حولها”.

ماذا عن دراسات التربة؟ إنها تحصل في فرنسا وأتانا تقارير في شأنها. الجيس اللبناني أيضا أجرى دراسات على التربة”. هل تقاطعت كل التقارير؟ “طبعاً. وما أقوله أن هناك عدة عوامل علينا أن نشرحها. ويستطرد: ليتهم يعدلون القوانين ويسمحون لقاضي التحقيق أن يعلن كل شيء، كل كل شيء. فأين المشكلة لو سُمح لي أن أعلن ما توصلنا إليه في التقارير السرية؟ للأسف هناك سرية التحقيق”.

إذا، المستجد الأكثر أهمية وجود شهود جدد كانوا موجودين في مسرح الجريمة في تلك اللحظة. أما بالنسبة لمسار التحقيقات فقد تسلمنا التقرير الفرنسي وهو مفصل ومهم جداً. في كل حال، أصبحنا نملك معطيات كثيرة لكن لا شيء حاسماً حتى الآن. فنحن نحسب المسائل بالنسب المئوية. لدينا 75 في المئة في شأن ما و80 في المئة في شان آخر. لكن تبقى هناك 25 في المئة و20 في المئة غير مؤكدة. لذا قد تأتي معلومات جديدة تغير كل المعطيات وتقلب كل الإحتمالات. هناك روايات متقدمة على سواها لكن هناك ما قد يستجد ويقلب كل المقاييس.

الإنفجار مفتعل أو غير مفتعل؟ يجيب: “أكرر هناك ثلاث فرضيات نعمل عليها. هناك فرضية مؤكدة وثانية مرجحة وثالثة لا أدلة حولها لكن في النهاية هناك معطيات ننتظرها بعد قد تظهر شيئا آخر. نحتاج الى شهر على الأقل بعد. وهناك أجوبة لا أزال أنتظرها من الخارج يمكن أن تكون لها عازة وقد تُظهر أنها بلا عازة. هكذا يجري التحقيق”.

شهران ونصل الى التاريخ المشؤوم، الى الرابع من آب، فهل يفترض أن تتضح المسائل في 4 آب ويطل القاضي ليُعلن نتائج حاسمة؟ “كانت أمنيتي أن أكون قد اقفلت الملف في هذه الذكرى وأخبر العالم ما حصل لكن ثمة صعوبة لأنني حديث العهد في التحقيق. إستلمته منذ ثلاثة أشهر وعشرة أيام. وبرأيكم التحقيق بانفجار بهذا الحجم تكفيه مئة يوم؟ نحتاج الى مزيد من الوقت لكني آمل من الآن الى فترة ليست بعيدة أن أكون قد توصلت الى أمور حاسمة”.

“في كل حال، عملي كله ينصب على الشهود الجدد الآن الذين كانوا في ساحة الجريمة. وهناك من يقول أين التحقيق؟ لأنه بالنسبة الى هؤلاء كل التحقيق يكون في استدعاء السياسيين. معهم حق ربما. لكن، هناك ما يفترض أن يسبق ذلك”.

لكن ألا يرى القاضي أنه يمكننا أن نفعل الأمرين معا بالتزامن فنسمع الشهود والسياسيين معا إختصارا للوقت؟ يجيب: “ما اريده هو ايصال التحقيق الى المجلس العدلي. واستدعاء من يتمتعون بحصانة قد تواجهه مصاعب وأي محقق يفترض ألّا يبدا في العراقيل. رأيي أن أنتهي من كل شيء آخر. ثم نأخذ القرارات القانونية”.

هل نفهم من ذلك أن استدعاء السياسيين والأمنيين هو أمر مؤجل؟ “في هذه المرحلة الفنية مؤجل الى حين أنتهي من الأشياء التي يفترض الإنتهاء منها. عندي نظرتي للأمور ولكل شيء في الوقت المناسب. قد تكون مسألة أسابيع. مرّ أول شهر ونصف من عملي وأنا أقرأ وأستمع الى أشخاص لم أكن أعرف عنهم شيئا ولا حتى أعرف شكلهم. فكيف أحوّل شخصاً الى المجلس العدلي لا أعرف عنه شيئا؟ ومنذ شهر ونصف أشتغل فنياً على جمع المعلومات والمستندات وسماع الشهود. والاستدعاءات الجديدة لن تكون إلا بعد الإستماع الى كل الأشخاص المشتبه فيهم. مع العلم، انه أحيانا قد نضطر الى استدعاء شخص خطأه صغير”.

هل أنت ملزم بالإستماع إلى كل الأشخاص الذي سبق وتم الإدعاء عليهم؟ “طبعا”.

هل ستستدعي غازي زعيتر وعلي حسن خليل؟ يجيب: “في لبنان توجد الحصانة النيابية ولا يمكن لأحد أن يتخطاها ضمن دورة الإنعقاد إلا إذا كان هناك جرم مشهود. إستدعاء أي نائب مدعى عليه يفترض أن يسبقه رفع الحصانة عنه. ويكفي لذلك النصف زائد واحد. وإلا علينا انتظار إنتهاء دورة الإنعقاد فنستدعيهم بلا حصانة”.

ماذا عن نظرية التلحيم؟ هل صحيح أنها حسمت؟ وماذا عن قيامكم بتركيب مسرح الجريمة في الموقع؟ “نشتغل عليه. هناك لجنة تعمل على هذا الموضوع وانشالله قريباً، في خلال ثلاثة أسابيع، يصبح منتهياً”.

ماذا عن شحنة الأمونيوم ومنشئها والتخزين الطويل في العنبر رقم 12؟ هل ظهرت معلومات جديدة؟ “الشحنة محسومة خرجت من جورجيا. والإعلام كله يعلم ذلك. ونبحث ما إذا كانت البضاعة قد أتت عن قصد؟ ونبحث عن صاحب الباخرة؟ هناك شخصيتان مختلفتان عن بعضهما. هل أتوا بها عن قصد أو ليُصار الى شحنها الى بلد آخر؟”. هل هناك تقدم في المعطيات؟ طبعا بنسبة تزيد عن 70 في المئة. توصلنا الى معلومات متقدمة ملموسة. لكن، لا يهمني أن أعمل قرار الآن الأهم ان يكون القرار مقنعاً”.

ويستطرد: “بالنسبة للكمية التي انفجرت هناك إحتمالات نشتغل عليها. أن تكون كل المواد قد انفجرت أو قسم منها. ثمة قسم لم ينفجر. إما تطاير في البحر أو سرق. هناك فرضيات نشتغل عليها. في النهاية نحتاج الى أدلة مثبتة. فأن تكون كمية 750 طناً قد انفجرت، أو أقل، فليس معناه حتما أن البقية قد سرقت. ندرس إمكانية أن تكون قد تطايرت”.

ما مدى إحتمال أن تكون قد تطايرت؟ “نحن نستمع الى شهود لهذه الغاية. وهناك كاميرات كانت تعمل في المرفأ طلبنا إجراء مسح بها في المرفأ وحوله”.

“في كل حال تأكدوا، لا معلومات تأتي ونهملها. نحاول أن نؤكدها أو ننفيها، على ضوء كل الملف.”

تقرير أف بي آي يتقاطع مع التقرير الفرنسي حول التربة؟ “هناك أشياء لا نزال ننتظرها من الفرنسيين في آخر الصيف. الفرنسيون أعطونا تقريراً أولياً في موضوع التربة وسيقدمون تقريراً آخَر آخِر الصيف. والتقرير الفرنسي عزز فرضية وتقاطع مع تحقيقاتنا. أتى ليُعزز فرضية على حساب الفرضيتين الأخريين”.

هل هناك فرضية تم إستبعادها نهائيا؟ “نعم، هناك فرضية جرى إستبعادها بنسبة 80 في المئة ولن أتحدث عنها”. (الفرضيات الثلاث هي: عمل إرهابي، تلحيم، أو صاروخ)”.

فأي واحدة تميلون الى استبعادها؟ نكرر السؤال ويكرر الجواب: “لا يمكن التحدث عنها إلا بعد أن نتأكد من ذلك بنسبة مئة في المئة. والإعلان يحتاج الى وزارة العدل واجتماع مجلس قضاء وتوقيت معين. لا شيء حسم مئة في المئة. في كل حال تأكدوا “سأبق” البحصة في وقتها”.

ماذا حول مسألة الإهمال التي يتشارك فيها كثير من السياسيين والأمنيين؟ يجيب: “شق الإهمال نوعان: الخطأ الجسيم والصغير. الجسيم ليس إهمالاً عادياً يفترض أن يتحاسب من اقترفه. هذا أساسي”. حتى ولو في محاذير سياسية؟ يجيب “في النهاية أنا أطبق القوانين وما يسمح لي به القانون سأقوم به. وأنا أستعمل كامل صلاحياتي بما يسمح به القانون. أما أن أقول لن أطبق القوانين فهذا لن يحصل. نحن نتابع كل القصص ونحن نلام لماذا لم نبدأ في الشق الداخلي الذي لا يمكننا البدء به إلا بعد جمع المستندات والمعطيات والأدلة. لا يكفي أن أجلب أشخاصاً ولا أدلة في حوزتي”.

هناك أدلة ومراسلات والبعض أقر بمعرفته بوجود النيترات من رأس الهرم نزولاً. فهل المعرفة دليل تقصير؟ يجيب: “لمجرد العلم إذا عرف الشخص فواجبه المتابعة ويصبح مسؤولاً. في كل حال، لن نهمل واقعة. وكل شيء تقومين به يفترض أن يكون في الوقت المناسب”.

ما زال هناك 19 موقوفاً في الملف ومحاموهم يطالبون بإخلاء سبيلهم؟ “لا شيء يلزمني بإخلاء السبيل. وسأحول هذه الملفات إذا لزم الأمر الى النيابة العامة. التحقيق كلما تقدم يظهر شيء جديد. كله مربوط ببعضه البعض”.

سؤالٌ يطرح ولو متأخراً، لماذا رفضت في البداية القبول بالمهمة ثم عدت فقبلت؟

أول مرة قلت آخذ التحقيق إذا لم يكن هناك من يتسلمه غيري. والسبب أن لديّ تحفظات، فهذا الملف يفترض أن يضم محكمة خاصة ولجنة تحقيق تتمتع بحصانات واسعة كي لا نصطدم بعدة عوائق. ويوم حدث ما حدث مع القاضي (فادي) صوان ونزل العالم الى الشارع غاضبين والدم على الأرض شعرت بنفسي معنياً خصوصاً، أننا في النهاية مسؤولين، وقبلت”.

هل أخذت ضمانات؟ “معي 4 معاونين قضاة متدرجين، يعملون بجدية كبيرة، هذه المهمة تحتاج الى قضاة كبار”. قبلت بما لم ترتضِ به في البداية فماذا لو منعتك العوائق من تحقيق ما يفترض تحقيقه؟ يجيب بحزم: “سأصل الى نتائج. أعدكم. أعرف أنني سأتعرض الى ضغط هائل لكنني قررت أن أعمل بصدق وأقول الحقيقة كما هي”. ويطرح سؤالاً: “ماذا عليّ أن أفعل عكس ذلك؟ اترك التحقيق وأذهب الى بيتي. فكروا معي. منذ ثلاثة أشهر لا أخرج من بيتي. تحركاتي دقيقة. الناس ينتظرون إجابات وأنا ابحث عنها”.

هل تعرضت الى تهديد؟ “لا، كل حياتي لم أتعرض الى أي تهديد على الرغم من أنني أمسكت بأخطر القضايا”.