IMLebanon

وهم التأمين: أغلب المؤمَّنين غير مؤمَّنين!

كتب رضا صوايا في الأخبار:

اختارت الدولة طوعاً الاستقالة من مهامها في المجالات كافة وترك الساحة خالية للناس لـ«تدبير رؤوسهم»، كل بحسب شطارته وإمكانياته وقدرته على الصمود. فوضى التأمين جزء من الفوضى العارمة التي تعمّ البلد، فيما تقف وزارة الاقتصاد موقف المتفرج الحيادي، تاركةً لشركات التأمين تطبيق أحكامها، كل بحسب ما يناسبها، في علاقاتها التعاقدية مع أصحاب البوالص، الذين تُرك أغلبهم، خصوصاً من يسدّدون أقساطهم بالليرة، لمصيرهم في مواجهة الاحتيال والغبن اللذين يتعرضون لهما من قبل بعض الشركات.

حالياً، هناك ثلاث طرائق لدفع بوالص التأمين، تنتج عن كل منها طريقة مختلفة في التعويض. ففي حال السداد بالدولار أو وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازية يكون التعويض بالدولار النقدي، وفي حال السداد بشيك مصرفي بالدولار يكون التعويض من خلال شيك مصرفي، أما في حال السداد بالليرة على أساس سعر الصرف الرسمي فيكون التعويض بالليرة وفق سعر الصرف 1515 ليرة.

هذه الآلية، رغم «عدالتها» ظاهرياً، تعني أن صاحب بوليصة التأمين بالليرة على أساس سعر الصرف الرسمي «مؤمَّن» في الشكل فقط. فمن يدفع 750 ألف ليرة (500 دولار وفق سعر الصرف الرسمي) تأميناً إلزامياً على سيارته، مثلاً، وفي حال تعرّضه لحادث سير، تعوّض له الشركة وفق سعر الصرف نفسه. بمعنى أنه إذا قُدّرت كلفة إصلاح الأضرار بـ 200 دولار (مليونين و600 ألف ليرة)، مثلاً، فلن تدفع له الشركة المؤمِّنة أكثر من 300 ألف ليرة، ما يعني أن عليه دفع مليونين و300 ألف ليرة من جيبه، إضافة الى الـ 750 ألفاً ثمن البوليصة، ما يجعل هذه البوليصة بلا جدوى من الأساس!

أكثر من ذلك، بات على أصحاب هذه البوالص الاتكال على الحظّ، والأمل بألّا تتخطى قيمة حادث السير أكثر من 60% من ثمن السيارة، وإلا فهو معرّض لأن تسلبه إياها شركة التأمين. ويوضح أحد وسطاء التأمين أن «بعض شركات التأمين تبرم عقوداً مع الزبائن تتضمن شرطاً يسمح للشركة بوضع اليد على السيارة في حال تخطت كلفة أضرار الحادث 60% من ثمن السيارة، مقابل أن تدفع الشركة للزبون نسبة 65% من قيمة السيارة. حسابياً، سيناريو كهذا يُعد مثالياً للشركات وأوفر لها، خصوصاً أن قطع السيارات مسعّرة بالدولار، في حين أن البوليصة مسعّرة بالليرة».

بحسب المدير العام لشركة Commercial Insurance روجيه زكار، فإن «الخيار الأمثل هو أن يدفع الزبون سعر البوليصة بالدولار أو وفق سعر الصرف في السوق الموازية»، محذّراً من «الوقوع ضحية شركات تهدف فقط إلى جني الأرباح واستقطاب أكبر عدد من الزبائن مقابل إيهامهم بأنهم مغطّون بشكل كامل حتى في حال سدادهم لسعر البوليصة بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي»، فيما يشدد رئيس جمعية شركات الضمان إيلي نسناس على أن «على الناس التنبّه وتذكر أن شركة التأمين تحدّد أقساطها استناداً إلى الأكلاف. وبالتالي، على الزبون الراغب في أن يؤمّن على ممتلكاته أو على حياته أن يكون مؤمناً بفكرة التأمين وأهميتها ومستعداً لتحمل أكلافها، وإلا فالأفضل ألا يؤمن كي لا يشكو لاحقاً من الغبن ويلوم شركات التأمين».

يوضح زكار حجم المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الزبون، والتي قد تودي بسيارته «إلى الكسر» بسبب تضرر أحد أضوائها مثلاً! ويوضح: «لنفترض أن سعر السيارة 10 آلاف دولار. سيوهم البعض من شركات التأمين الزبون بأنه يرضى منحه تأميناً شاملاً وبالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي، مقابل مليون ونصف ليرة. الزبون يعتبر أنه مؤمّن ومرتاح البال، لكن وفق حسابات الشركة، فإن السيارة مؤمّنة بقيمة 15 مليون ليرة فقط. وبالتالي، في حال وقوع حادث وتحطم الضوء الذي يكلف حوالى 1000 دولار نقداً أو 13 مليون ليرة بحسب سعر الصرف في السوق الموازية إضافة إلى بعض التصليحات الجانبية، ستقول الشركة إن السيارة تعد ذاهبة إلى الكسر، لكون كلفة التصليح تخطت القيمة التي أُمِّنت السيارة على أساسها».

وينبّه زكار إلى «مشكلة كبيرة جداً» تتعلق بـ «السيارات التي اشتُريت بقروض من المصارف ولا يزال أصحابها يسددون أقساطها الشهرية بالدولار وفق سعر الصرف الرسمي؛ إذ إن هذه السيارات تعتبر في هذه الحالة مؤمّنة بنسبة 25% فقط». لذلك، يدعو نسناس «كل من أخذ قرض سيارة ولا يزال يسدد أقساطها على أساس سعر الصرف الرسمي أن يعيد تقييم السيارة كي لا يتعرض للغبن».

ساهم فيروس كورونا في تأخير «الانفجار» الذي قد يطرأ على علاقة الزبائن بشركات التأمين في ظل الإقفال العام والحد من التنقل اللذين طغيا على عام 2020. إلا أن الأمور قد تأخذ منحى آخر أكثر صدامية من الآن وصاعداً مع إعادة فتح البلد وعودة حركة السير إلى نشاطها المعتاد، مع ما يرافقها من زيادة في الحوادث. وأحد الحلول التي يفترض العمل عليها جدياً هو «تشحيل» الزبائن تفادياً لتعريضهم للغبن. وبحسب زكار، «إذا كان الزبون غير قادر على دفع ثمن بوليصة التأمين الشامل بالدولار، فالأفضل ألا يعملها من الأساس، وأن يكتفي بالتأمين ضد الغير الذي يعد الخيار الأمثل له ولشركات التأمين التي تحترم نفسها».

إقبال على التأمين على الحياة بالدولار!

بحسب مصادر في شركات التأمين، فإن كثيرين من المضمونين في بوالص تأمين الحياة وبرامج الادّخار ممن يسددون ثمن بوالصهم بالليرة لم يجدّدوها «لاعتبارهم أن التعويض المستقبلي بالليرة لن تكون له أي قيمة تذكر، خصوصاً إذا ما واصلت الليرة انهيارها».

أما المفارقة، بحسب نائب رئيس شركة «فيدلتي» لشؤون تأمين الحياة صلاح حلاوي، فتتمثل في «إقبال كثير من الزبائن، خصوصاً من الطبقتين المتوسطة والغنية، على دفع ثمن بوليصة التأمين على الحياة بالدولار، بعد أن كان قسم كبير منهم لا يعير هذه البوليصة أهمية في السابق، باعتبار أنهم يملكون ودائع في المصارف وعقارات يمكنها أن تسعفهم وتسعف عائلاتهم في حال حصول أي طارئ. أما بعدما فقدت العقارات الكثير من قيمتها، يفضّل هؤلاء الدفع بالدولار مقابل حصول العائلة على تعويض بالدولار أو في حساب خارجي إذا توافر بدل شيك مصرفي».